تحليلات واراءسلايدر
الخطاب الاعلامي العراقي ومجهر التشخيص
د. مثنى الغانمي
عضو مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
انطلاقا من رأي المفكر الإنكليزي انتوني سميث من أن الاعلام هو مرتكز السيادة وهناك شعوب كثيرة اكتشفت الآن أن السيادة والهوية الوطنية لا تنشأ بقرارات من صانع القرار السياسي فحسب ل تنشأ من الظروف الثقافية ودور وسائل الاعلام بمختلف مجالات الحياة.
بالحقيقة هذا الرأي يجعلنا امام مسؤولية كبيرة إزاء دورين الأول يتمثل بدور وسائل الاعلام العراقية في إطار تعزيز مفهوم السيادة والهوية الوطنية والثاني حول دور السياسيين والنخب في تنمية المجتمع ثقافيا وفكريا واعلاميا خصوصا بعد ربيع عام 2003 وما شهدته تلك المرحلة من تهيء للمناخات.
الا ان الوسائل الإعلامية وما دخل عليها من تحديث تمحور حول السوشيال ميديا جعل منها أداة لتمييع الكثير من المفاهيم والثوابت لدى العراقيين فما فتأت وسائل الاعلام العراقية بتعدد وتنوع مشاربها الأيديولوجية والسياسية في ظل غياب المعايير المهنية والموضوعية تبحث عن الاثارة على حساب السيادة والهوية الوطنية للبلد، وتصل في بعض الأحيان الى خلق النعرات والمشاكل المجتمعية العويصة بسبب الابتعاد عن أسس المعالجات والتناول الموضوعي بشكل مقصود بما يغذي اجندة وبرنامج سياسي دون الالتفات الى ما قد يهدد الهوية والسيادة ونظرة الاخرين لنا.
لا سيما وان جزءا كبيرا من شعوب المنطقة كانت تتمنى ان تنال ولو جزءا بسيطا من كمية الحرية الموجودة في العراق بعد الربيع المبكر الذي مر بنا، وقبل ان تتضح معالم الصورة الفوضوية التي نعيش جزءا منها بسبب التنافس الإعلامي او الصراع الاجنداتي الذي صورته بعض الوسائل محاولة اقناعنا به على انه جو الحرية الذي طالما حرم منه العراقيون فعلينا التنفس عميقا حتى الاختناق من مفهوم الحرية المزيف والمقنع بإرادات ومصالح خاصة.
وما زال ايهام العراقيين جار حتى تلاشى وتشظى جوهر الخطاب الإعلامي العراقي الوطني الذي ينبغي ان يمثل مصالح العراق وسيادته وهويته فقد ضاع بين عشرات القنوات والاذاعات والصحف، وثمن تشظي خطابنا الإعلامي هو فقدان قدرة التعبير عن متطلباتنا السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها بشكل موضوعي ودقيق يعكس حقيقة المرحلة التي يمر بها الجميع من مظاهرات وتعطيل في اغلب مؤسسات الدولة وأزمة صحية واقتصادية وتهديدات امنية مستمرة.
واعتقد اذا ما استطعنا تشخص أسباب تشظي الخطاب الإعلامي العراقي فسيصبح بالامكان تحديد العلاجات والحلول وتمهيد الانتقال للمرحلة التالية، وعليه قد التمس من زاوية التحليل الإعلامي أسبابا عديدة تعتري الأداء الإعلامي الذي ولد تشظيا خطابيا ومن تلك الاسباب:
1. ان وسائل الاعلام العراقية تفتقد لوثيقة التعاطي مع ثوابت وطنية بنسق واحد وانما تعمل وفق سياسة المتغير الرابح.
2. فقدها روح المبادرة والتعامل ضمن مساحات تقريب وجهات النظر بقدر المعالجات المؤطرة بالمصالح الداعمة لأجندتها السياسية.
3. تركيز البعض منها على تأجيج المشاكل وزرع نزعة الانتقام والتسميم السياسي لدى جمهورها إزاء بعض الشرائح او الشخصيات المحددة بعينها وبغض النظر عن أدائها.
4. فقدها الاسر الإعلامية المتدربة على إدارة الازمات والاعتماد كليا على المعالجات الآنية.
5. تلقي وسائل الاعلام دعما ماليا من جهات معادية للعراق.