ترجمة: ضحى الخالدي
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
من المحتمل أن إسرائيل كانت وراء التفجيرات و الحرائق التي طالت منشأة نطنز النووية في الثاني من تموز-يوليو, و من المحتمل أنها كانت وراء الحوادث التي حصلت قرب طهران على مدار الاسبوعين الماضيين بما في ذلك تفجيرات السادس و العشرين من حزيران في مجمع خوجير الصاروخي. على الرغم من أن تل أبيب لم تدَّعِ كالعادة أن الحدث من أفعالها السرية ضد إيران, فإن الدافع و التأريخ الماضي يجعل إسرائيل الفاعل الأكثر احتمالية للقيام بمثل هكذا افعال تخريبية ضد البنى التحتية و الممتلكات الايرانية. في الخامس من تموز, أخبر مسؤول مخابراتي لم يكشف عن اسمه صحيفة النيويورك تايمز أن إسرائيل مسؤولة عن وضع القنبلة القوية التي تم تفجيرها في منشأة جديدة لتجميع أجهزة الطرد المركزي في نطنز. الواشنطن بوست و مصادر إعلامية أخرى أشارت الى معقولية (منطقية) وقوف عملية إسرائيلية وراء تفجير الثاني من تموز-يوليو.
حينما سُئِل وزير الدفاع الاسرائيلي بيني غانتس عن حادث نطنز في الخامس من تموز-يوليو قال: إنه ليس بالضرورة أن تكون إسرائيل خلف كل هجوم في إسرائيل) كما أنه لم ينكر تورط (البلد) صراحةً.
في خريطة للتفجيرات غير العادية الاخيرة قرب طهران و التي غذّت التكهنات باحتمالية وجود اعمال تخريبية, يضع التحليل التوصيفات التالية:
- تفجير مركز سينا الطبي في طهران في 30/6 – حادث محتمل.
- إنفجار مجمع خوجير الصاروخي في 25/6 – تخريب محتمل.
- إنفجار منشأة نطنز النووية في 2/7 – تخريب محتمل.
- إنفجار في مصنع في كاهريزاك في 7/7 – حادث محتمل.
إن زيادة طفيفة في مثل هكذا اعمال تخريبية قد يشير الى عودة إسرائيل الى سياسة الفعل أُحادي الجانب ضد برامج إيران النووية و الصاروخية, إسرائيل محبطة من فشل الدول الغربية و الإقليمية في الكبح الكامل للقدرات العسكرية و النووية الإيرانية. مع إمكانية تولّي المنصب من إدارة أميركية أقل ودية في كانون الثاني المقبل, فإن إسرائيل ربما تحسب حساباتها أنها تمتلك نافذة مثلى و لكن محدودة للقيام بفعل أكثر عدوانية تجاه برنامج إيران النووي.
قبل بدء الولايات المتحدة بالعمل على اتفاق إيران النووي في 2013, الذي عرف رسمياً بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA), فإن إسرائيل كانت منخرطة في حملة طويلة الأمد لإضعاف و الحط من قدرات إيران النووية, و التي ضمّت بالدرجة الأولى العمليات السرية, و الهجمات السيبرانية, و الاغتيالات المستهدفة للعلماء الإيرانيين. خلال هذا الوقت (الفترة القاسية بين 2006 و 2012) فإن إسرائيل أيضاً خططت و ألغت عدداً من العمليات العلنية المستهدفة للمنشآت النووية الإيرانية. و مع ذلك و منذ حملة التخريب الإسرائيلية السابقة فإن إيران استمرت في إحراز تقدم متزايد في تطوير –تقدم- قابلياتها النووية و الصاروخية. كل هذا على الرغم من جهود الولايات المتحدة و العالم مثل الاتفاق النووي (JCPOA) و حملة الرئيس دونالد ترامب الأكثر حداثةً للضغوط القصوى.
من المحتمل أن إيران ستستخدم تكتيكاتها المناظرة المفضلة, مثل السايبر و الحروب بالوكالة, في إستجابة لإجراءات إسرائيلية معلومة أو منظورة –مرتقبة- بينما تستمر بتطوير برنامجها النووي و الصاروخي.
التطور المتزايد في قدراتها النووية يبقى واحداً من وسائل طهران الاساسية في الانتقام و في رد فعل على العقوبات الاميركية المتزايدة و الهجمات الإسرائيلية, و اللذين تنظر إيران الى كليهما على انهما محاولات احتواء غير عادلة.
في الخامس من تموز-يوليو قال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ان حريق الاسبوع الماضي في منشأة نطنز سبب أضراراً جسيمة, و قد يبطئ تطوير و إنتاج أجهزة طرد مركزي متقدمة على المدى المتوسط, لكنه لن يثني إيران عن تطوير برنامجها النووي.
كما يتضح من محاولات الهجمات السيبرانية الأخيرة فإن إيران الآن هي فاعل سيبراني أكثر قدرةً عما كانت عليه خلال حملة التخريب الإسرائيلية بين عامي 2006-2012, و تستطيع الإستجابة بهجمات ضد الاسرائيليين و حلفاء الاسرائيليين في المنطقة.
اذا اصبح جلياً ان اسرائيل تستهدف إيران, فإن ايران يمكنها مهاجمة اسرائيل بطرق ينظر اليها على انها استجابة مناسبة لكن تبقى إثارة حرب إقليمية غير محتملة, مثال القيام بهجمات سيبرانية على السفارات الاسرائيلية خارج منطقة الشرق الاوسط.
بعد سلسلة من الحوادث غير العادية بالقرب من طهران ، يبدو أن إسرائيل قد تستعيد الأمور بنفسها الى يديها من أجل احتواء التطور النووي لإيران.
افعال التخريب الاسرائيلية المستمرة و الانتقام الايراني من الممكن ان يوجه الضربة القاضية لما تبقى من لاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في ايار-مايو 2018. ربما تسعى اسرائيل الى تقويض اكبر لما تبقى من الدعم الدولي للاتفاق النووي من خلال استفزاز استجابة إيرانية تظهِر عدم امتثال طهران المتزايد و تراجع الالتزام السياسي بالإطار.
على المدى القريب تحتاج إيران الى إدامة روابطها التجارية بأوروبا, روسيا, و الصين, للمساعدة في الحفاظ على اقتصادها المثقل بالعقوبات مكتفياً ذاتياً, بينما لا يزال يصور الولايات المتحدة على أنها الشرير الذي انسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي), لهذا السبب تسعى إيران فقط الى ان تنتهك الاتفاق بعناية بالاجراءات التي فقط تطمس خطوط ما هو مسموح به دون خرق الاتفاق بشكل صارخ.
لكن اذا اتضح ان سلسلة التفجيرات الاخيرة قرب طهران في حقيقتها تتحول الى بداية هجمات إسرائيلية منسقة, فإن على إيران أن تقرر كيف تؤمِّن برنامجها النووي من هجمات مستقبلية, و الذي من الممكن أن يعني تحريك –نقل- أنشطتها النووية الى المواقع العسكرية و هو ما يعد انتهاكاً خطيراً للاتفاق النووي, لأنه سيجعل من الصعب على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تصل الى المواقع النووية.
في الثالث من تموز-يوليو, قال مسؤولو في الاتحاد الاوروبي في 3 يوليو / تموز ، قال مسؤولو الاتحاد الأوروبي إن إيران أثارت آلية نزاع خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) خوفاً من عدم التنفيذ من قبل الموقعين الآخرين. قد يكون هذا الإجراء مقدمة أخرى للنهاية الرسمية للاتفاق.
(انتهى)
ما ورد في المقال من ردود فعل إيرانية له ما يعضده في توقعات مركز ستراتفور للربع الثالث من عام 2020 الصادر في 25/6/2020 بأنه سيكون صيفاً ساخناً يشهد صداماً بين الولايات المتحدة و ايران من ناحية هجمات السايبرو استهداف المصالح الاقتصادية في الخليج و ما يطلق عليه حروب الوكالة في لبنان, سوريا, العراق, و اليمن.
يوجد مقال في ايار 2020 عن النشاط النووي الايراني في مركز بيغن السادات.
في 24/6/2020 نشر مركز بيغن-السادات مقالاً لرافاييل اوفيك عن برنامج تخصيب اليورانيوم الايراني واصفاً إياه بالاقتراب من الخرق, و احتوى خريطةً للمواقع النووية الايرانية في نطنز, فودرو, أراك, بوشهر, طهران, أصفهان, سغند, أردكان, جهين, دارخوفين محذراً من امتلاك طهران لقنبلتها النووية خلال أربعة أشهر. يوضح المقال تجاوز ايران الحد المسموح به من تخصيب اليورانيوم و أعطى أرقاماً دقيقةً لكميات اليورانيوم المخصب و اللازم لانتاج قنبلة نووية واحدة و البالغة 15 كغم. حسب اعتقاد الاسرائيليين هي القنبلة النووية الايرانية الاولى.
في 6/7/2020 صدر مقال آخر في نفس المركز لنفس الكاتب و هو عسكري اسرائيلي و مختص بتكنلوجيا الفيزياء النووية و عمل كمحلل أقدم في المخابرات الاسرائيلية. تحدث فيه عن التفجيرات الغامضة في بارشين 30 كم. جنوب شرق العاصمة طهران صباح 26/6/2020 و كان شامتاً لأن هذه الاحداث تحصل وسط انهيار اقتصادي و هبوط في العملة سببته العقوبات الاميركية اضافة الى جائحة كورونا.
صحيفة جيروزاليم بوست الاسرائيلية اليمينية عنونت احد مقالاتها بتصريح لوزير الخارجية غابي اشكينازي قائلاً: اجراءاتنا من الافضل أن تبقى طي الكتمان. حيث صرح اشكينازي في مؤتمر لصحيفتي معاريف (المساء) و جيروزاليم بوست (اورشليم –القدس- بوست) احتفاءً بالذكرى العاشرة لانضمام اسرائيل الى منظمة التنمية و التعاون الاقتصادي (OECD): بأن اسرائيل تتخذ اجراءات لإيقاف التهديد النووي الايراني, و قال لدينا سياسة طويلة الأمد عبر الإدارات المتعاقبة في أن لا نسمح لإيران بامتلاك قدرات نووية. هذا النظام الايراني بهذه القدرات يمثل تهديداً وجودياً لاسرائيل, و اسرائيل لا تستطيع أن تسمح له بإثبات نفسه على حدودها الشمالية. لذلك نحن نتخذ اجراءات من الافضل أن تبقى طي الكتمان. و اضاف ان اسرائيل تدعم جهود الولايات المتحدة في تمديد الحظر الدولي على شراء ايران الاسلحة بعد انتهائه في تشرين الاول- اكتوبر2020. و ان اسرائيل لا تقبل بأن يشتري النظام في ايران أنظمة سلاح متقدمة, و ان المشكلة ليست فقط في امتلاك السلاح النووي بل في تسليح ايران لجماعات عبر الشرق الاوسط مثل حزب الله في لبنان.
في تصريح آخر لأشكينازي قال اننا منذ التسعينيات وردتنا معلومات من مصادر أجنبية حول منشأة نطنز, و أهل الخبرة من المحللين يقولون بأننا اعتدنا أن متى ما صرَّح المسؤولون الاسرائيليون بعبارة (علمنا من مصادر أجنبية) فهذا يعني التستر على تورط اسرائيل.
رغم تصريح وزير الدفاع بيني غانتس بأن ليس بالضرورة تورط اسرائيل في الهجمات, فهو يضيف بأن اسرائيل مستمرة في العمل على كل الجبهات كي لا تصبح إيران قوة نووية و ستستمر في أداء هذا الجزء من حماية أمنها. و يضيف ان ايران النووية هي تهديد للعالم و للمنطقة و كذلك لإسرائيل و سنقوم بأي شيء للحيلولة دون حدوث ذلك, و سنقوم بفعل أي شئ لمنع نشر ايران للارهاب و السلاح. ثم يضيف: لكنني لا أشير الى أي حادث منفرد هنا.