ابحاث ودراسات

الدور السعودي العسكري في الاقليم

المقدمة:

نتيجة للتغيرات الحاصلة في المنطقة تتخذ السعودية اجراءات عسكرية لتبرز هيمنتها في المنطقة لمجابه ايران, لاسيما بعد فشل المشروع الصهيو-سعودي المتمثل بالعصابات الارهابية (داعش واخواتها) في العراق وسوريا وتكبدها الخسائر الكبيرة في حربها الخاسرة ضد الشعب اليمني, فضلاً عن عدم مقدرتها على قمع الانتفاضة الشعبية في البحرين على الرغم من استخدامها الالة العسكرية الضخمة ووسائل التعذيب المختلفة والماكنة الاعلامية الضخمة التي حاولت تشويه الثورة الشعبية والصاقها بالتبعية لدول اخرى, مع محاولاتها الفاشلة – سواء بالتلويح باستخدام القوة العسكرية او عبر محاصرتها اقتصادياً سياسياً ودبلوماسياً- في السيطرة على القرار السياسي القطري بعد فض الشراكة بدعمهم للعصابات الارهابية.

كل تلك الهزائم العسكرية والسياسية والتي بالتأكيد تضر بمصالح اسرائيل فضلاً عن السعودية دفعها الى محاولة التدخل العسكري المباشر بدعم اميركي – صهيوني.

تاريخياً:

بعد ان استطاع الفكر الوهابي التكفيري من السيطرة على القرار السياسي وتسيير السلطة الحاكمة في السعودية تبعاً لأهواء الوهابية بدعمٍ مباشرٍ من الخارجية البريطانية أنداك والذي تكرس بعقد اتحاد بين محمد بن عبد الوهاب “مؤسس الوهابية” وبين امراء الدرعية في الحجاز “ال سعود”ومن خلال هذا الاتفاق شنت هجمات على المدينة المنورة ومكة المكرمة واليمن والبحرين والعراق وسوريا.

يبدو ان النهج الوهابي لازال مستمراً بذات الفكر الذي يدفعنا الى التأكيد من أن وجود ال سعود على سدة الحكم في الحجاز هو لتمرير وتنفيذ وعد بلفور لإقامة الدولة الاسرائيلية الكبرى كون المعطيات على الساحة تجد تطابقاً تاماً بين الامس واليوم في المنطقة, وحتى مسألة تأسيس ما يسمى “بدرع الجزيرة” في الثمانينات من القرن الماضي بحجة حماية منطقة الخليج من الاعتداءات الخارجية المزعومة, وواقع الأمر كان ولا زال موجهاً لفرض سيطرتها على المنطقة والتدخل في شؤون بعض الدول مثالنا في ذلك تدخلها في قمع الانتفاضة في البحرين, والذي يتبلور حالياً بفكرة ارسال قوات عربية بقيادة السعودية الى الاراضي السورية المحاذية للعراق.

سياسياً:

ما ان تسلم سلمان وولده محمد بن سلمان دفة الحكم في السعودية حتى اعلنوا انخراطهم في المشروع الصهيو-اميركي لا بل اعتبروا نفسهم قيمين على تطبيق هذا المشروع في المنطقة سيما بعد التصريحات الاخيرة من محمد بن سلمان بضرورة التعامل مع الكيان الصهيوني وتسوية القضية الفلسطينية وتقديم الحلول والاجراءات الكفيلة بأنهاء حالة الصراع  بين الكيان الصهيوني والعرب المسلمين والشواهد كثيرة على ذلك بدءاً من الزيارات المكوكية لمسؤولين رفيعي المستوى من كلا الطرفين السعودي والاسرائيلي, ومروراً بتصريح بن سلمان “أبوديسعاصمةللدولةالفلسطينيةبدلاًمنالقدس”،كانهذاآخرمقترحسعوديسريتمالكشفعنتفاصيلهبعدأسابيعمنوضعهعلىطاولةالرئيسالفلسطينيمحمودعباس. فضلاً عن صفقة القرن التي لو خصص نسبة 1% من المبلغ الذي قبضه ترامب الى الشعب والمقاومة الفلسطينية لكان الامر يختلف الان في فلسطين.

ومن صور الاندكاك في المشروع الصهيو-اميركي الجلية هو محاولة محمد بن سلمان تحت شعار اصلاح البنية المجتمعية والفكرية للمجتمع السعودي باتجاه المدنية وتحجيم المؤسسة الدينية المتشددة حتى تتوائم مع الفكر الصهيو-اميركي والشواهد على ذلك كثيرة….

اقليمياً:

سوف نستعرض الوجود العسكري والاستخباراتي السعودي في المناطق العربية كلاً على حدة لا يجاد لوحة متسقة تعبر عن طبيعة الحراك العسكري والسياسي السعودي في المنطقة, والذي هو بالضرورة امتداد للمشروع الصهيوني الذي يصب في مصلحة اميركا واسرائيل وبعض الدول الاقليمية المنضوية تحتها بذريعة مجابهة الوجود الايراني في بعض الدول ومساهمة الاخيرة في دعم حركات المقاومة ضد اسرائيل واذنابها وسنتطرق الى الدول بحسب استخدام السعودية لسياساتها المختلفة للتدخل بهذه الدول:

اولاً: التدخل العسكري غير المباشر

ذكرنا في بداية الحديث ان السعودية ومعها بعض دول الخليج ساهمت بصناعة الارهاب في المنطقة من خلال تأسيس العصابات الارهابية ودعمها مادياً وعسكرياً واعلامياً وهذا ما لمسناه في كل من العراق وسوريا, كذلك فأن لها تدخلاً غير مباشر في قطر.

  • العراق

بعد التغيير في العراق منذ عام 2003 وحتى وقتنا الحاضر كانت السعودية الطرف الاساس في تعكير صفو العملية السياسية وتمزيق النسيج المجتمعي العراقي من خلال بث الفتاوى التكفيرية واطلاق فضائيات صفراء مختصة فضلاً عن الدفع بجيوش من الارهابيين لتفجير انفسهم في شوارع المدن العراقية حتى بلغو في اخر احصائية 5000 سعودي وربما يفوق هذا العدد من غير السعوديين الذين تم جذبهم من خلال مؤسسات دينية واستخبارية سعودية.

كذلك دعمت السعودية التدخل في كل من العراق وسوريا بدعمها لتنظيم داعشالارهابيه بالعراق عبر العدة والعتاد

وعند انتهاء عمليات التحرير العراقية من فلول داعش بدأت السعودية استراتيجية جديدةً للتدخل في العراق عن طريق استخدام الحرب الناعمة, خاصة بعد توجيه الولايات المتحدة الأميركية للمملكة بالانفتاح على العراق اقتصادياً من خلال الاستثمارات المباشرة والغير المباشرة, فضلاً عن الانفتاح السياسي بفتح مؤسساتها الدبلوماسية في عدة مدن عراقية, سيما في النجف, ويعد هذا التوجه السعودي هو جزء من مقررات تقرير كروكر الذي يرسم احوال العراق  ما بعد داعش وبالفعل فقد بدأت المملكة العربية السعودية بتدخلاتها عن طريق فتح عدة استثمارات في انحاء العراق المختلفة وكمثال على هذه الاستثمارات بناء فرع لشركة مراعي لانتاج الالبان في مدينة واسط (القريبة حدودياً من الجمهورية الاسلامية الايرانية) فضلاً عن تمويل بناء ملعب كرة قدم بسعة مئة الف متفرج في بغداد, كذلك قدمت عدة مشاريع لتمويل اعادة اعمار المناطق المحررة من داعشالاراهابي؛ على ما يبدو ان تقرير كروكر كان يمثل خط الشروع للمشروع الصهيو- اميركي في العراق والمنطقة ما بعد داعش, وان ما تقوم به السعودية حالياً ما هو الا أجراء تدابير من اجل صد النفوذ الايراني المزعوم في المنطقة, فأنها تعمل على ذلك من خلال تمويلها لأعاده الاعمار في المناطق المحررة من اجل ان يكون لها موطئ قدم بهذه المناطق, فضلاً عن اختيارها لمناطق الاستثمارات المستقبلية بمحافظات حدودية مع الجمهورية الاسلامية الايرانية لاستخدامها كسواتر مخابراتية لرصد ومحاولة قطع العلاقات العراقية – الايرانية.

  • سوريا:

منذ ان بدأ الحراك ما يسمى بـ(الربيع العربي) حتى اخذت السعودية على نفسها ان يكون لها اثراً كبيراً في هذا الحراك وشكلت رأس الرمح في المشروع الصهيو– امريكي في سوريا, فقد دعمت مجموعات من المسلحين ووفرت لهم العدة والعتاد ودعمتهم بكل ما يحتاجون بهدف اسقاط الحكومة السورية ومن اهم المجموعات الارهابية التي دعمتها هي (الجيش الحر, والجبهة السلامية, وجبهة النصرة وجيش المجاهدين, فضلاً عن تنظيم داعش الارهابي). كما كان لها ذراع سياسي سوري معارض اتحد تحت ما يسمى منصة الرياض والذي من خلاله اخذت تؤثر في القرارات السياسية المنبثقة من مؤتمرات (جنيف واستانا).

وعلى ما يبدو ان في قابل الايام سيتحول التدخل السعودي وحلفائها في سوريا الى تدخل مباشر من خلال استجابة السعودية لطلب ترامب بإحلال جيوش عربية محل الجيش الاميركي في سوريا والتعاون مع حلفائهم قوات سوريا الديمقراطية(قسد). وبذلك سيكون لهذا التواجد العسكري السعودي على الحدود العراقية السورية اثراً في تواصل محور المقاومة فضلاً عن القرار السياسي الحكومي العراقي .

  • قطر:

على ما يبدو ان طموحات الامير الشاب تميم بن حمد كانت تقف امامها عقبة كأداء متمثلة بتسيد السعودية للقرار الخليجي فضلاً عن العربي فما أن بدأت السعودية برسم سياستها في المنطقة بعد مجيء ترامب رئيساً للولايات المتحدة الاميركية وتكليفها باتفاق القرن من ان تكون هي الراعي الرسمي للمشروع الصهيو– اميركي في المنطقة, فأعطى ذلك دافعاً كبيراً للسعودية ان تتحرك خارج الحدود الدبلوماسية على من ينازعها هذا الموقع او يقف بوجهها حتى لو كان خليجياً, فما أن احس تميم من ان طموحاته ستحد حتى اخذ بمعارضة السياسات السعودية في المنطقة فنشب الخلاف وتم محاصرة قطر اقتصادياً وبث مئات الساعات الفضائية لتسقيطها سياسياً سيما بعد رفضها للمطالب الخليجية (السعودية, الامارات, بحرين) فضلاً عن مصر والتي ركزت على رهن السياسة القطرية بالدول المقاطعة وكذلك ايقاف بث قناة الجزيرة وغيرها من المطالب, فقد عمدت الى هذه السياسة لتضييق الخناق على قطر من النواحي السياسية والاقتصادية للعودة تحت عباءتها.

وعلى العكس من ذلك رفضت قطر هذه المطالب واعتبرتها تدخلاً في شؤونها السياسية وعمدت على توثيق علاقاتها عسكرياً مع تركيا واقتصادياً مع ايران.

ثانياً: التدخل المباشر

عمدت السعودية على التدخل المباشر في كل من (البحرين واليمن), على الرغم من ان كل منهما كان شأناً داخلياً والمفروض ان يكون تدخلها لحلحة الموقف لا لتأزيمه واستخدام التدخل العسكري باستخدام السلاح حتى المحرم دولياً.

  • البحرين:

يعد الموقع الجغرافي للبحرين مؤثراً على السعودية من حيث ان البحرين تشكل امتداد جغرافي للسعودية سيما منطقة الشرقية ذات الاغلبية الشيعية والذي تتوائم مع البحرين مذهبياً والتي تعد اكبر دولة شيعية من حيث نسبة السكان في المنطقة وعليه خشت السعودية ان تنتقل شرارة الحراك الى الاراضي السعودية بعد ان اعلنت الحكومة عن عجزها لرد هذا الحراك, فبادرت بادخال تشكيلات من الجيش السعودي (درع الجزيرة) الذي اخذ يبطش بالشعب البحريني المسالم فضلاً عن التجاوز عن معتقداته الدينية من خلال تهديم المساجد والحسينيات وكذلك منع اقامة بعض الشعائر الدينية وسجن وقتل عدد كبير من الشباب البحريني الثائر.

  • اليمن:

ما أن بدأ كعب الحوثيين يعلو في المشهد السياسي والعسكري في اليمن حتى بادرت السعودية للتدخل المباشر من خلال احتضانها لمجموعة من اركان الحكومة اليمنية السابقة وعلى رأسهم الرئيس المستقيل عبد ربه منصور, والذي كان الذريعة الاكبر لشرعنة الحرب على اليمن والحوثيين خاصة, سيما بعد حشدت السعودية الطاقات الاعلامية والسياسية لعمل تحالف اسلامي عسكري مزعوم ياخذ على عاتقه التدخل لحل المشكلات في البلاد العربية والاسلامية, والذي تكون من 41 دولة عربية واسلامية وكانت باكورة اعماله هو قصف الشعب اليمني وتدمير بناه التحتية بحجة حماية الشرعية في اليمن, والشيء بالشيء يذكر ان هذا التحالف كان صورياً, فلم يشترك في قتل الشعب اليمني الا السعودية (قائدة التحالف) والامارات ومجاميع من المرتزقة من شتى بقاع العالم, جاءوا بها لتقاتل باليمن.

ان هذه التدخلات العسكرية المباشرة تعد سابقة خطيرة في العلاقات العربية اذا استثنينا غزو الكويت من قبل صدام حسين, فأن تدخلها بخصوص البحرين كان الغرض منه منع وصول شرارة الحراك المطلبي الى الداخل السعودي وايجاد ذريعة لمصادرة القرار السياسي البحريني فضلاً عن جعل البحرين حديقة خلفية للسعودية وجعل حكومتها الخليفية تابعاً ذليلاً لهاوشرعنة عملية التجنيس الطائفي للتغيير الديموغرافي لجعل الأغلبية السكانية من الطائفة السنية, وتهيئة الاجواء الدافئة للأسطول الخامس الاميركي الموجود على السواحل البحرينية فضلاً عنقطع التواصل الثقافي والمجتمعي والديني مع ايران.

اما بالنسبة للتدخل باليمن فقد عمدت السعودية للدخول بالحرب من اجل تقويض الشأن الحوثي في الحرب الاهلية اليمنية, وذلك لمنع المد الشيعي في المنطقة لا سيما وان اليمن دولة حدودية للسعودية وتقويض ما يسمى بالهلال الشيعي الثاني, ولعل السعودية قد استحضرت مقولة الجد الاكبر للعائلة “عز اليمن في ذلكم وذل اليمن في عزكم”فكان هذا العدوان الصورة الصارخة لترجمة هذه المقولة من خلال رصد ملايين الدولارات لانهاء الوجود المقاوم المتمثل بالحوثيين متوهمين من ان المعركة سوف تدوم عدة ايام وهي اليوم تدخل في سنتها الرابعة دون ان تحقق السعودية نصراً لا بل تحاول ان تخرج من هذا الوحل بأية صورة كانت بعد ان اذاقها الحوثيين مر الهزيمة على مستوى الارض او الصواريخ البالستية فكانت الانتصارات تترى وهذا يعبر عن عمق الفكر المقاوم عند الشعب اليمني سيما الحوثيين الذين كانوا قادة بكل معنى الكلمة ولعل انصع مثال على ذلك استشهاد الصماد رئيس المجلس السياسي في منطقة الحديدة وهي منطقة حدودية وهذا يمثل اندكاك القائد بالمشروع قرب جمهوره المقاوم الذي يعد من اساسيات النصر.

 

 

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

وحدة التحليل

8 / 5 / 2018

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق