ابحاث ودراسات

الحراك الامريكي ضد محور المقاومة : أدواته واحتمالات المواجهة

كونّت الانتصارات المتلاحقة لمحور المقاومة بقواه الرئيسة في لبنان والعراق وسورية واليمن وقيادة الجمهورية الاسلامية في ايران ادراكاً امريكياً مضمونه الوقوف ضد هذا المحور لان بقائه وقوته باتا يشكلان خطراً جدياً على المشاريع الامريكية في منطقة الشرق الاوسط ، صار تأثيره مباشراً على الكيان الصهيوني ، ومن ذلك الفهم والإدراك بدأت الولايات المتحدة الامريكية تخطط للوقوف بوجه هذا المحور ، صحيح أن هذا الادراك لم يكن وليّد اللحظة ، ولكن مع الانتصارات التي تحققت لاسيما في العراق وسورية ، والصمود في اليمن ضد ما يسمى بالتحالف ، كل ذلك عمق من الادراك الامريكي بضرورة الوقوف بوجه هذا المحور.

أن محور المقاومة اسم اطلقته على نفسها الدول التي تعارض السياسة الامريكية لمنطقة الشرق الاوسط ويتألف هذا المحور من الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا وحزب الله في لبنان وبعض فصائل المقاومة في فلسطين التي تعتبر في بعض الاحيان جزء من المحور بسبب معارضتها لإسرائيل وامريكا ، وفصائل المقاومة والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله (الحوثيين) في اليمن .

ان محور المقاومة اعاد تشكيل التوازن الاستراتيجي في الشرق الاوسط وفقا ل (ماريسيا سوليفيان ) الباحثة الامريكية وان المحور يرتكز على ركيزتين اساسيتين وهما الاهداف الاقليمية المشتركة والدعم المشترك ، ان للمحور أعداء في العالم العربي ومنهم المعتدلين والدول المنحازة للولايات المتحدة الامريكية .

الادوات

تتمثل ادوات السياسة الامريكية ضد محور المقاومة بالاتي :

أولاً : الزيارات الامريكية لدول خليجية

سيما السعودية والامارات والبحرين ، بدأً من الرئيس ترامب  الى وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى وزير الخزانة ستيفن منوتشين لتحشيد هذه الدول لجرها الى الاعتراف العلني بإسرائيل بدعاوى الحد من الخطر الايراني .

وقال وزير الخزانة الأمريكي، خلال كلمة في منتدى “مبادرة الاستثمار” بالمملكة العربية السعودية، إن واشنطن تشارك في هذا المؤتمر “من أجل مواصلة العمل على مستقبل أكثر أمنا ورخاء للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.

وأكد منوتشين على ضرورة العمل من أجل “مواجهة الأنظمة المارقة التي تمول وتدعم الإرهاب”. وقال: “نعمل مع الحلفاء في المنطقة على مواجهة تمويل الإرهاب”، مشيرا إلى أن وزارة الخزانة فرضت العديد من العقوبات التي أثرت على تمويل تنظيم داعش بقوة.

وأضاف وزير الخزانة أن واشنطن “فرضت العديد من العقوبات على أشخاص وكيانات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وبرامج الصواريخ الباليستية الإيرانية ودعم إيران للإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان”. وتابع بالقول: “سوف أزور دولا أخرى بالمنطقة وسأبحث مع الحلفاء جهود مواجهة تهديدات إيران واتخاذ إجراءات ضد حزب الله الذي يشكل تهديدا في الشرق الأوسط وخارجه”.

وكذلك الحال بالنسبة الى زيارة وزير الدفاع الامريكي الى دول الخليج في شهر تموز يوليو /2017 , وزيارته الاخرى في تشرين الاول اكتوبر / 2017 صحيح انها جاءت على اساس تصفية الاجواء الخليجية والخلاف القطري مع السعودية والامارات والبحرين , لكن الاصح ايضا انها تعد في أطار المساعي الرامية الى تحشيد الجهد الخليجي ( السعودية ، الامارات ، البحرين ) لمواجهة ايران وفصائل المقاومة .

وما زال ترامب يجنّد «كوشنر» في رحلات خارجية الى منطقة الشرق الاوسط ، فالرئيس الأمريكي لديه 3 أهداف، الأول دفع (إسرائيل) ودول الخليج باتجاه طريق السلام .

والثاني كسب نقاط لدى تل أبيب على أمل أن تحوّل أموال وأصوات المجتمع اليهودي في أمريكا ضد أي محاولات لإقالة «ترامب»، أو حتى لتساعده في مساعيه لإعادة الترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2020.

أما الهدف الثالث فمرتبط بمصالح «ترامب» الشخصية مع عائلة «كوشنر»، فكلاهما يديران إمبراطوريات عقارية، ويبحثان باستمرار عن الجهات المانحة المحتملة، حيث تبدو جيوب الخليج العميقة هدفا جديرا بالاهتمام.

أن إمكانية دفع منطقة الخليج و(إسرائيل) باتجاه السلام، يعني أن توقّع دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقيات سلام مع تل أبيب، دون النظر إلى الفلسطينيين.

ووضع «كوشنر» السلام الخليجي ـ الإسرائيلي محور سياسة « ترامب » الخارجية، لذا شوهد الرئيس الأمريكي لأول مرة وعلى نحو غير معهود، يتوجه إلى تل أبيب قادما من الرياض ، في خطوة علق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي « بنيامين نتنياهو»، قائلا: « أطمح في أن تنقل الرحلة المباشرة الثانية بين الرياض وتل أبيب مسؤولاً إسرائيلياً » .

منذ اندلاع أزمة الخليج في حزيران /يونيو 2017، اتخذت الدوحة طريقا مختلفا عن الرياض وأبوظبي، ما يعني أنه في حال التزمت السعودية بالسلام مع (إسرائيل)، فإن قطر لن تتبع تلك الخطوة .

لكن يبدو أن البحرين وحدها هي التي تنتهج موقفا متجانسا مع السعودية والإمارات في الاقتراب من إحلال السلام مع (إسرائيل).

أن الانقسام داخل مجلس التعاون الخليجي حول السلام مع (إسرائيل)، يظهر أن الدول الخليجية ليست مستعدة بعد لخطة « كوشنر ».

ثانياً : رجل السياسة الامريكية محمد بن سلمان

هدد محمد بن سلمان، وبحسب بيري[1]، بإلغاء المساعدات المقدمة إلى لبنان، بغية أن يغرقها في أزمة اقتصادية عميقة، ويقنع ترامب بتشديد العقوبات المفروضة على حزب الله وإيران.

بيري التي تحلل شخص بن سلمان بحسب تقييمات وتقديرات لأجهزة الاستخبارات العالمية وحتى المخابرات الإسرائيلية، سوغت نهجه وبررت ما قام به بالقول إن “انهيار داعش وفشله في الإطاحة بالأسد من الرئاسة  فضلا عن الحرب الجارية في اليمن والتي كلفت السعوديين مئات المليارات من الدولارات وغير قريبة من الحسم، أحدثت لديه إرباكا في خطط وبرامج العمل”.

طهران أولا، وهي الهدف الرئيسي على أجندة ولي العهد السعودي، بحسب بيري، التي قالت “عندما تمدد “قوة القدس” والهلال الشيعي من إيران عن طريق العراق وسورية، وتنتقل إلى لبنان، عندما يشق ويمهد نصر الله الطريق للزحف الإيراني، فهو يرى أنه تم وفي وضح النهار انتزاع لبنان من النفوذ السعودي”.

تعتمد المحللة الإسرائيلية إلى جانب تقديرات المخابرات العالمية، على نهج وشخص رئيس الوزراء سعد الحريري وتصرفاته في المدة الأخيرة، بحيث لم يشتك من حزب الله وعلاقته بإيران وكان قد ألتقى السيد علي أكبر ولايتي مستشار الولي الفقيه للشؤون الدولية وكان جو اللقاء وديا فضلا عن موافقته على فتح سفارة في سورية وتعيين سفير لبناني في سوريه  وهو ما يبطل المزاعم السعودية باتهام حزب الله بالتضييق على رئيس الوزراء سعد الحريري ، بل أشاد بالشراكة مع حزب الله و الحكومة اللبنانية التي فرضت عليه لكنه لم يهدد بالاستقالة، لكن من ناحية ثانية، تقول بيري “هذا الصخب والبلبلة والإشاعات وحالة التوتر تهدف إلى إدخال لبنان بدوامة”.

أن المملكة أرادت من خلال استدعاء الحريري الى المملكة العربية السعودية واجباره على تقديم استقالته من الحكومة وفبركة قضية الاغتيال المزعومة التي نفتها الاجهزة الامنية اللبنانية كان من وراء ذلك اشعال الحرب الطائفية في لبنان واعادة اجواء الى زمن اغتيال الرئيس الحريري الاب ولكن ضغط الرئيس اللبناني  ميشيل عون الذي هدد بالذهاب الى مجلس الامن اذا لم يتم اطلاق سراح سعد الحريري كما هو الحال بالنسبة الى موقف  السيد حسن نصر الله الذي اكد على ان الرجل معتقل في السعودية فضلا عن الموقف الفرنسي المتميز من عملية احتجاز الحريري وقد توضحت اللعبة السعودية عندما عاد الحريري من فرنسا وعودته الى لبنان وسحب استقالته وقد اشاد بشكل او بأخر بحزب الله عندما قال ( أن سلاح حزب الله لا يستخدم ابدا في الداخل اللبناني وانما خارج لبنان ) .

“أصبح من الواضح أن هدف السعودية هو إرباك حزب الله سياسيا في لبنان، والسعي لمحاصرته .

لقد فشل المشروع السعودي في لبنان الرامي الى اثارة حرب طائفية في لبنان ومحاولة تحجيم دور حزب الله و أيران .

حاولت المملكة العربية السعودية ان تحقق انتصارا كبيرا في اليمن تفاجئ به مؤتمر القمة الخليجية الذي انعقد في الكويت من خلال كسب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وانشقاق واسع في المقاومة اليمنية خاصة بين انصار الله وانصار الرئيس اليمني السابق بعد ان هاجم ما سماه بمليشيا الحوثي وادعاء سيطرتها على اليمن واعلن عن فتح حوار مع المملكة العربية السعودية من اجل ايقاف الحرب وعلى الرغم من النصائح التي وجهها السيد عبد الملك الحوثي حول لملمت الشمل اليمني وعدم فسح المجال للتحالف على شق المقاومة وقد خرج في يوم واحد مرتين على وسائل الاعلام لينصح علي عبد الله صالح عن العدول عن موقفه هذا ولكنه تمادى لذلك تحركه قوات انصار الله وحلفائهم للسيطرة على كل المناطق التي احتلتها جماعة علي عبد الله صالح في العاصمة ودخلت الى بيت الرئيس ومن ثم طاردته خارج العاصمة ونجحت في قتله مع بعض اعوانه على الرغم من الغطاء الجوي الذي وفرته طائرات الإماراتية وبذلك انتهت المؤامرة التي ارادت ان تشق وحدة المقاومين في اليمن ومعها قبر المشروع السعودي الاماراتي في ذبح المقاومة في اليمن بقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وقد خرج الشعب اليمني بمظاهرة ضمت مئات الألاف ويبدو ان هنالك تأييد ضمني بشكل او بأخر من حزب المؤتمر الشعبي الذي استمر في الحكومة ولم يعلن انشقاقه او خروجه من القتال ومواجهة المعتدين .

عملت السعودية على الانفتاح  على العراق واعادة العلاقات الدبلوماسية  ومن ثم تعيين سفير في العراق والقيام بزيارات مكوكيه بين البلدين ولاسيما زيارة رئيس الوزراء التي سبقها زيارة وزير الخارجية السعودي الى العراق وتشكيل مجلس تنسيق وزاري لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعملت السعودية على الانفتاح على بعض القوى الشيعية ولاسيما بعض رؤساء العشائر العراقية وبعض القوى السياسية الدينية ، والعمل على تحييد هذه القوى وابعادها عن محور المقاومة في العراق .

كما عملت على دعم استفتاء كردستان وخاصة بعد زيارة وزير الشؤون  الخليجية الخارجية  ثامر السبهان الى كردستان ولقاءه بالسيد مسعود البرزاني في قمة الازمة بين الحكومة الاتحادية والبرزاني فضلا عن دعم المادي الاماراتي لإنجاح الاستفتاء وكذلك  دعم الكيان الصهيوني .

اعلن  الرئيس الامريكي ترامب في برنامجه الانتخابي واثناء  حملته الانتخابية  التأكيد على الغاء الاتفاق النووي مع أيران  و كانت جل تصريحاته في كل مناسبه هو على الغاء هذا الاتفاق ولاسيما في تطوير الصواريخ البالستية  وخروج ايران عن روح الاتفاق بحسب زعمه على الرغم من تأكيدات وكالة الطاقة الدولية والاتحاد الاوربي والمانيا على التزام ايران ببنود الاتفاقية وان هنالك رقابة شاملة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية على البرنامج النووي الايراني السلمي .ان كل ذلك المسعى جاء  لتأليب الرأي العام العالمي على الجمهورية الاسلامية الايرانية بدعوى خرقها للاتفاق النووي ، والعمل على فرض حصار وعقوبات لعزل ايران ودفعها للاهتمام بمشكلاتها الاقتصادية بالإضافة الى أعباء الجبهة الكردية .

 

السيناريوهات

 

أن تكثيف الهجوم على محور المقاومة امريكيا واسرائيليا  وسعوديا يقسم الى سيناريوهات عدة:

  • الخيار العسكري مازال مطروحا على الطاولة لكن الولايات المتحدة الامريكية قد تتحكم في مقدمات هذه الحرب لكن تخشى من نهاياتها التي لا يمكن التنبؤ بها . ان شن حرب ضد محور المقاومة سيكون ساحه مفتوحة تمتد الى الكيان الصهيوني والقواعد العسكرية في دول الخليج وقد يصل الى جزيره ديغو غارسيا في المحيط الهندي كما ان الخشية من الخيار العسكري تكمن في دخول حزب الله و ما يمتلكه من قوة ضاربه تغطي كل الارض الفلسطينية المحتلة والتي يخشاها الكيان الصهيوني . فقد طورت قيادة حزب الله اسلحة في غاية الاهمية تتمثل في القوة الصاروخية والطائرات المسيرة المقاتلة فضلا عن السيطرة على البحر وتهديد اجتياح فلسطين المحتلة ، فأمريكا تخشى ثلاث مسائل في أطار شن حرب ضد  محور المقاومة  ،تتمثل بالقدرة الصاروخية الايرانية ودخول حزب الله والقوة المقاومة الحليفة لإيران في ميدان الحرب وان تفتح هنالك جبهات لا تستطيع أمريكا  تصمد فيها وتخشى المتغيرات الدولية التي لم تجد فيها كما وجدت في حربها التي خاضتها مسبقا في أفغانستان ولا في حربها ضد  العراق  اي أنها أذا خاضت الحرب فعليها أن تذهب منفرده وسوف لن تكون اوربا معها . اجتياح فلسطين المحتلة وتحرير الجليل من قبل قوات المقاومة او ضرب مناطق العمق الاسرائيلي ومناطق صناعة اشار اليها سيد المقاومة في اكثر من مناسبة فضلا عن دخول قوات المقاومة الاخرى من العراق وافغانستان والهند ودول اخرى لذا فأن هذا الخيار قد يكون معطلا في الوقت الحاضر الا أنه قائم الحدوث عنده تهيئة الظروف المناسبة لذلك .

 

  • هذا الاحتمال قد يكون الأرجح وهو أدراك المحور المعادي لمحور المقاومة حجم الدمار الذي سيلحق به أذا ما أستخدم الخيار العسكري ،لذلك قد يلجأ هذا المحور الى استخدام أساليب أخرى متمثلة بالعقوبات الاقتصادية ، وتفعيل الحرب الاستخباراتية والسعي الى خلخلة بيئة المقاومة من خلال استغلال مشكلات اجتماعية أو أحداث فتن داخلية ،  واستهداف ايران من الداخل بتحريك بعض القوى المتطرفة الايرانية ولاسيما عند الحدود سواء الباكستانية – الايرانية او العراقية – الايرانية ، وهذا المشهد سيكون اكثر رجحانا طالما ان الخيار العسكري مستبعد بالوقت الحاضر للأسباب التي تم ذكرها اعلاه . وان هذا الخيار محدودا لاسيما ان الاتحاد الاوربي والمملكة المتحدة استطاعت ان تنسج علاقات اقتصادية مهمة مع الجمهورية الاسلامية في ايران تطورات اكثر بعد توقيع الاتفاق النووي بين الجمهورية الاسلامية في ايران ودول ( 5+1) .

 

  • حصول حرب ( معركة ) خاطفة تهدف الى تدمير البنى التحتية العسكرية والاقتصادية لمحور المقاومة لاسيما الفصائل دون ( ايران ) مما يقود الى حراك عسكري في جبهات عده على الارضي السورية واللبنانية يمكن محور المقاومة من تغيير ميزان المعركة والدخول الى العمق الاسرائيلي .

وحدة التحليل / مركز حمورابي للدراسات الاستراتيجية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] محللة الشؤون العربية في صحيفة ‘يديعوت أحرونوت’ سمدار بيري ، و تربطها علاقات بالاستخبارات الإسرائيلية وكذلك علاقات ببعض الأنظمة العربية “المعتدلة” والمقربة من إسرائيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق