ابحاث ودراساتسلايدر
الدولة واللادولة – الجزء 23
من يحاسب رئيس مجلس النواب عن مخالفة النصوص الدستورية وعدم التوقيع على القرارات المصوت عليها من أغلبية النواب
الدكتور مصدق عادل
كلية القانون- جامعة بغداد
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
بتاريخ 5 كانون الثاني 2020 اجتمع مجلس النواب العراقي في جلسة طارئة استثنائية تاريخية دعا إليها رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة السيد (عادل عبد المهدي)، وابتدأت هذه الجلسة بتلاوة كلمة رئيس حكومة تصريف الاعمال أمام أعضاء مجلس النواب الحاضرين البالغ عددهم (172) نائب، والتي طالب فيها بإصدار قرار نيابي يخول الحكومة بإنهاء التواجد الأجنبي بالاستناد إلى عدم امتلاكه هذه الصلاحية وضرورة رجوعه إلى ممثلي الشعب لإعطاء الإذن بذلك.
وبعد إجراء العديد من المداخلات النيابية المشحونة بالمشاعر الوطنية والقاء الكلمات التي تعبر عن الاعتزاز بالسيادة الوطنية العراقية، وعلى الرفم من قيام رئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي بتقديم نصيحته الى السادة أعضاء مجلس النواب من الحاضرين في هذه الجلسة الذين اصبح عددهم (170) نائباً، والتي استعرض فيها مخاطر التصويت على هذا القرار واحتمالية إيقاف التمويل المالي للحكومة العراقية، اصر أعضاء مجلس النواب العراقي على التصويت على القرار النيابي في 5 كانون الثاني 2020 الذي تلاه رئيس مجلس النواب وفق الصيغة الآتية:
1- الزام الحكومة العراقية بحفظ سيادة العراق من خلال الغاء طلب انهاء المساعدة المقدم منها الى التحالف الدولي لمحاربة داعش وذلك لانتهاء العمليات العسكرية وتحقيق النصر والتحرير.
2- على الحكومة العراقية الالتزام بإنهاء تواجد أي قوات اجنبية في الأراضي العراقية ومنعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأي سبب كان).
وقد استند القرار النيابي إلى العديد من المواد الدستورية الصريحة التي أشار لها ومنها المواد (59/ثانياً) و (61/ثانياً) و(109) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
وعلى الرغم من انتظار أكثر من سنة كاملة على تنفيذ بنود وأحكام القرار النيابي أعلاه الذي تالف من (5) بنود، فضلاً عن ترقب تسليمه الى رئيس مجلس الوزراء ووزارة الخارجية والجهات المعنية لغرض تنفيذه، غير أنه لم يصار إلى التوقيع على هذا القرار النيابي من رئيس مجلس النواب السيد (محمد الحلبوسي) لغاية يومنا هذا لأسباب ودوافع مجهولة.
وبهذا يتضح أنَّ رئيس مجلس النواب قد أحلّ إرادته الشخصية باعتباره رئيس لمجلس النواب محل إرادة (170) نائباً الذين قاموا بالتصويت على القرار النيابي المذكور أعلاه.
ولم يقتصر الأمر عند حد امتناع رئيس المجلس عن التوقيع على القرار المذكور فحسب، بل تعداه الأمر إلى امتناع وسكوت جميع أعضاء مجلس النواب الذين صوتوا على القرار في جلسة يوم 5/1/2020 والتنصل عن المطالبة بتنفيذ هذا القرار أو المطالبة بتوقيعه من رئيس المجلس أو الحصول على نسخة ضوئية منه، لأسباب هي الأخرى ظلت مجهولة لغاية يومنا هذا.
وبهذا المسلك النيابي غير الدستوري لرئيس وأعضاء مجلس النواب الذين اعطوا انطباعات سيئة، فضلاً عن أنَّ من شأنه خلق راي عام ضد مجلس النواب باعتباره تنصل عن الدور الوطني المرسوم له، خلافاً لما تقضي به المادة (1) من الدستور التي تنص ( جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة)، فضلاً عن مخالفة المادة (49/اولاً) من الدستور التي تنص (يتكون مجلس النواب من عدد من النواب… يمثلون الشعب العراقي بأكمله).
فضلاً عن مخالفة رئيس وأعضاء المجلس المادة (50) من الدستور التي تنص على (أنْ احافظ على استقلال العراق وسيادته وارعى مصالح شعبه واسهر على سلامة ارضه وسمائه ومياهه) ، دون أنْ نغفل عن مخالفة رئيس مجلس النواب لأحكام المادة (59) من الدستور التي حددت الأغلبية اللازمة لإصدار القرارات، إذ تنص (ثانياً: تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالأغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب، ما لم ينص على خلاف ذلك)، فالتساؤل الذي يثار بهذا الصدد هل يجوز لرئيس مجلس النواب ان يصادر إرادة الأغلبية النيابية المنصوص عليها في الدستور، ويحل ارادته الشخصية محلها؟
ناهيك عن مخالفة سلوك رئيس مجلس النواب لأحكام المادة (109) من الدستور التي تنص (تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي).
ولم تقتصر المخالفات النيابية لرئيس مجلس النواب على النصوص الدستورية المذكورة أعلاه فحسب، بل تعداه الأمر إلى مخالفة العديد من النصوص القانونية الواردة في النظام الداخلي لمجلس النواب، ومنها المادة (3) من النظام التي تنص على أنه (تكفل أحكام هذا النظام حرية التعبير عن الرأي والفكر لجميع أعضاء مجلس النواب أياً كانت اتجاهاتهم أو انتماءاتهم السياسية أو الحزبية بما لا يتعارض وأحكام الدستور)، فضلاً عن مخالفة صيغة اليمين الدستورية المنصوص عليها في المادة (6) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تلزم بالمحافظة على استقلال العراق وسيادته[1]، ناهيك عن مخالفة المادة (9/ثانياً) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تنص على اختصاص رئيس المجلس بـ(تصديق محضر الجلسة السابقة لمجلس النواب)، وهو الأمر الذي يحصل في الجلسة اللاحقة لجلسة مجلس النواب ليوم 5 كانون الثاني 2020.
فضلاً عن مخالفة المادة (33) من النظام الداخلي للمجلس التي تنص (رئيس المجلس هو الذي يمثله ويتحدث باسمه)، وكذلك مخالفة المادة (34) منه التي تنص (يمارس الرئيس المهام الآتية: أولاً: العمل على تطبيق الدستور والقوانين والنظام الداخلي للمجلس)، فضلاً عن مخالفة المادة (23) من النظام الداخلي التي تنص (يتحقق نصاب انعقاد المجلس بحضور الأغلبية (المُطلقة) لعدد أعضاءه وتتخذ قراراته بالأغلبية (البسيطة) لعدد الأعضاء الحاضرين، ما لم ينص الدستور على غير ذلك، وعند تساوي الأصوات يُرجح الجانب الذي صوت معه الرئيس).
فالتساؤل الذي يثار بهذا الصدد: ما هي جدوى الأغلبية النيابية واعتناق النظام البرلماني وفق المادة (1) من الدستور والمادة (23) من النظام الداخلي لمجلس النواب إذا كان رئيس المجلس لا يحترم هذه الأغلبية ولا يصدر القرارات أو يوقعها؟
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ عدم توقيع القرار النيابي من رئيس مجلس النواب يشكل مخالفة وانتهاك صريح للعديد من نصوص قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018، ومنها مخالفة المادة (5/اولاً) من القانون التي تنص (أولاً: للنائب خلال الدورة النيابية داخل المجلس وخارجه وبما لا يتعارض وأحكام الدستور حرية التعبير عن الرأي والفكر)، فضلاً عن مخالفة الدور التمثيلي لمجلس النواب وفق المادة (3) من القانون التي تنص (يتكون المجلس من عدد من النواب … يمثلون الشعب العراقي بأكمله)، كما خالف رئيس المجلس صيغة اليمين الملزم بها وفق المادة (10/اولاً) من القانون.
والادهى من ذلك فإنَّ رئيس مجلس النواب قد خالف المادة (17) من القانون التي تنص (يمارس المجلس وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في نظامه الداخلي الاختصاصات التشريعية الآتية: ثانياً: تشريع القوانين والأنظمة والقرارات والتعليمات الخاصة به).
وبناء على المعطيات الدستورية والقانونية المذكورة أعلاه نرى من جانبنا أنَّ السلوك النيابي المتخذ من رئيس مجلس النواب بالامتناع عن توقيع القرار النيابي المصوت عليه يوم 5 كانون الثاني 2020 لا ينسجم مع المنطق السليم في تفسير النصوص الدستورية، ذلك أنَّ نفاذ النصوص والأحكام الدستورية والقانونية لا يقترن بالشخوص، وإنما يتعلق بالمؤسسات لذا فإنه من غير الصحيح امتناع رئيس مجلس النواب عن توقيع القرار النيابي المصوت عليه من الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب البالغ (170) نائباً، إذ يشكل هذا الفعل انتهاكاً دستورياً صريحاً للعديد من نصوص الدستور، فضلاً عن مصادرته لحرية النائب في التعبير عن آرائه المنصوص عليها في الدستور والقانون والنظام الداخلي.
أما تبرير هذا المسلك من رئيس مجلس النواب – كما يذهب البعض – بإنَّ المادة (61) من الدستور نصت على اختصاص مجلس النواب بتشريع القوانين الاتحادية فقط، فهو الآخر تبرير غير موفق، ونرى من جانبنا أنَّ المادة (59/ثانياً) من الدستور استخدمت مصطلح (تتخذ القرارات)، فضلاً عن أنَّ المادة (17/ثانياً) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 أجازت لمجلس النواب إصدار القرارات.
ونضيف لما تقدم أنَّ مضمون القرار النيابي لا يعدو عن كونه تكراراً وتكريساً للسيادة الوطنية المنصوص عليها في المادة (1) و(50) و(109) من الدستور، لذا فإنَّ القرار النيابي جاء ليؤكدها فقط، دون أنْ يحمل في طياته أي تدخل في عمل السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء، ودون أنْ يخالف هذا القرار النيابي مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في المادة (47) من الدستور.
لذا فإنَّ الأقرب للصواب في التفسير هو أنَّ القرارات التي يصوت عليها أعضاء مجلس النواب يتوجب التوقيع عليها من رئيس المجلس باعتباره الممثل الرسمي للمجلس والناطق باسمه، وعلى غرار ما يفعله القاضي أو رئيس المحكمة عند وجود مخالفة في القرار القضائي فإنه يقوم بتدوينها، ومن ثم يشترك مع زملائه في التوقيع على القرار القضائي باعتباره جزءً من هياة المحكمة وليس مستقل عنه، وهو الامر الذي يتوجب على رئيس مجلس النواب مراعاته بأنه ممثلاً عن مجلس النواب، وزميلاً للنواب وليس رئيساً لهم.
أما التبرير الثالث الذي يستند إليه البعض وهو قيام المحكمة الاتحادية العليا بإصدار قرارها رقم 140وموحداتها 141/اتحادية/2018 الصادر في 23/12/2018 الذي تضمن الغاء المادة (17/سابعاً) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته التي تنص على اختصاص مجلس النواب بـإصدار القرارات التشريعية، فهو قول يتعارض مع المادتين (59/ثانياً) من الدستور، والمادة (17/ثانياً) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته، الذي جاء لاحق لنص المادة (17/ثانياً) منه، والنص اللاحق يقيد السابق والخاص يقيد العام، لذا فإنَّ هذا التبرير هو الآخر لا يصمد أمام المبادئ القانونية العامة المتعارف عليها، إذ إنَّ قاعدة النص الخاص يقيد النص العام القصد منها ورود أحكام قانونية في تشريع عام وآخر خاص تكون الأولوية في التطبيق لما ورد في النص الخاص وما لم يرد فيه نص في القانون الخاص يتم الاحتكام فيه إلى ما ورد في القانون العام، أما مبدأ النص اللاحق بنسخ النص السابق فإنه يظهر فيما يتعلق بالأحكام المتعارضة أو المتداخلة في حين أنَّ نصوص الدستور وقانون مجلس النواب ونصوص النظام الداخلي لمجلس النواب غير متعارضة وإنما وردت بشكل متعاقب يكمل بعضها البعض الآخر، كما أنها وردت في تشريع واحد ألا وهو الدستور والقوانين المكملة له لذا لا حضور للتبرير الذي يتم الاستناد إليه في تعطيل نصوص دستورية نافذة تتحدث عن السيادة الوطنية الكاملة استناداً للمبررات المتقدم ذكرها.
وبهذا يتضح أنَّ رئيس مجلس النواب قد خالف مبدأ السيادة للقانون ومبدأ سيادة الشعب المنصوص عليهما في المادة (5) من الدستور، فضلاً عن مخالفته لمبدأ سمو الدستور المنصوص عليه في المادة (13) من الدستور.
وفي الوقت ذاته فإنه يمكن تكييف الفعل الصادر من رئيس مجلس النواب بالامتناع أو التغاضي عن توقيع القرار النيابي ليوم 5 كانون الثاني 2020 على أنه جريمة امتناع عمدي تنطبق وأحكام المادة (329) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 التي تنص على أنه (1 – يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف أو مكلف بخدمة عامة استغل وظيفته في وقف أو تعطيل تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين والأنظمة أو أي حكم أو أمر صادر من إحدى المحاكم أو أية سلطة عامة مختصة أو في تأخير تحصيل الأموال أو الرسوم ونحوها المقررة قانوناً).
فمسودة القرار النيابي المصوت عليها من (170) نائب تكيّف من الناحية القانونية على أنها (أمر صادر من سلطة عامة مختصة) وهي (مجلس النواب) باعتبار المجلس ممثلاً عن الشعب العراقي بأكمله، وأنَّ الامتناع عن إصدار القرار امتناع عن تطبيق إرادة الشعب.
وإزاء ما تقدم فإننا ندعو على اتخاذ الإجراءات الدستورية والقانونية الاتية:
1- ندعو رئيس مجلس النواب إلى تصحيح موقفه والتوقيع على القرار النيابي المصوت عليه في 5 كانون الثاني 2020 احتراماً لسمو الدستور وسيادة القانون.
2- في حالة امتناع رئيس مجلس النواب على التوقيع على القرار النيابي فإنه يتوجب أنْ يقوم النائب الأول لرئيس المجلس أو النائب الثاني بالتوقيع على هذ القرار.
3- ندعو أعضاء مجلس النواب الذين قاموا بالتصويت على مسودة القرار النيابي الى ممارسة دورهم الرقابي على رئيس مجلس النواب، والتلويح بإقالة الرئيس محمد الحلبوسي في حالة امتناعه عن التوقيع عن القرار وعلى غرار ما حصل بالنسبة لاقالة رؤساء مجلس النواب السابقين وفقاً لأحكام المادة (1/ ثانياً) من قانون استبدال أعضاء مجلس النواب رقم (6) لسنة 2006 المعدل التي تنص (لمجلس النواب إقالة أعضاء هيئة الرئاسة من منصبه بالأغلبية (المُطلقة) لعدد أعضاء المجلس بطلب مُسبب من (ثلث) أعضاء المجلس)، ووفقاً لأحكام المادة (12/ثانياً) من النظام الداخلي لمجلس النواب.
4- ندعو رئيس الادعاء العام وفقاً لقانون الادعاء العام رقم (49) لسنة 2017 أو أعضاء مجلس النواب الذين قاموا بالتصويت على مسودة القرار النيابي بإحالة رئيس مجلس النواب إلى محكمة التحقيق لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد عن جريمة الامتناع عن التوقيع عن القرار وفقاً لأحكام المادة (329) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969.
5- ندعو رئيس وأعضاء مجلس النواب إلى احترام سيادة القانون ونصوص الدستور، وعدم إحلال الإرادة الشخصية محل المصلحة العامة المتمثلة بمصلحة الشعب العراقي.
6- ندعو الاعلام العراقي إلى ممارسة دوره الفعال في الدفاع عن حقوق الشعب ونصوص الدستور، وفضح جميع الانتهاكات الدستورية من اجل إصلاح المؤسسات الدستورية وبناء دولة القانون.
الهوامش:
[1] – فضلاً عن ذلك فان سلوك رئيس مجلس النواب يخالف المادة (6) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تنص (يؤدي عضو مجلس النواب في الجلسة الأولى اليمين الدستورية بالصيغة الآتية : بسم الله الرحمن الرحيم (أُقسم بالله العلي العظيم أنْ أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية بتفانٍ وإخلاصٍ، وأن أُحافظ على استقلال العراق وسيادته، وأرعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة ارضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي).