حسين الحاج حمد
متخصص في القانون الدستوري
أثارت المحكمة الاتحادية العليا عند نفاذ دستور 2005 جدلا واسعا حول دستورية تشكيلها، في ظل الاختلاف الحاصل بين قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004 والدستور الحالي، من حيث تشكيل المحكمة، واختصاصاتها.
إلا أن حدة الخلاف زادت عقب الحكم بعدم دستورية المادة (3) من قانون المحكمة رقم (30) لسنة 2005 التي أعطت لمجلس القضاء الأعلى ترشيح أعضاء المحكمة، وما ترتب على ذلك الحكم من نتائج تمثلت باختلال النصاب، وعدم قدرة المحكمة على عقد جلساتها، في ظل اشتراط قانونها الإجماع لعقد جلساتها.
ولا يخفى أهمية وجود المحكمة وتمكينها من ممارسة اختصاصاتها، ولاسيما الرقابة على دستورية القوانين، إلا أن الاستحقاقات الدستورية المقبلة عززت من هذه الأهمية، بضرورة معالجة مشكلة اختلال نصاب المحكمة، تمهيدا للمصادقة على نتائج انتخابات مجلس النواب.
وفي ظل توجه مجلس النواب نحو تعديل قانون المحكمة الحالي لغرض إيجاد آلية معينة لترشيح أعضاء المحكمة نجد أن هنالك عقبتين أمام هذه المحاولة هي: استبعاد الآلية السابقة التي قضت المحكمة بعم دستوريتها، والنص الدستوري الذي يستند إليه مجلس النواب في التعديل.
استبعاد الطريقة السابقة لترشيح أعضاء المحكمة
يستند تشكيل المحكمة الاتحادية العليا الحالي إلى قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004، وقانونها رقم (30) لسنة 2005، والمرسومين الجمهوريين رقم (67 في 30/3/2005) و (2 في 1/6/2005)، ومن ضمن إجراءات ذلك التشكيل اختصاص مجلس القضاء الأعلى بترشيح الرئيس والأعضاء، وهو التكوين الذي بقيت عليه المحكمة بعد نفاذ دستور 2005.
وعلى الرغم من الخلاف الفقهي الحاصل حول دستورية ذلك التشكيل، لكنه استمر حتى الحكم بعدم دستورية المادة (3) من قانون المحكمة، بقدر ما يتعلق منها باختصاص مجلس القضاء الأعلى بترشيح رئيس المحكمة وأعضائها بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (38 اتحادية/ 2019 في 21/5/2019).
وبذلك فقد أسس هذا القرار لمشكلة اختلال نصاب المحكمة بعد أن أغلق باب الترشيح لعضوية المحكمة في ظل إمكانية انتهاء العضوية.
وهو ما تحقق بالفعل عند إحالة أحد أعضاء المحكمة إلى التقاعد، ووفاة عضو آخر، الأمر الذي أقعد المحكمة عن ممارسة اختصاصاتها سواء المستمرة كالرقابة على دستورية القوانين، أو المنقطعة كالمصادقة على نتائج انتخابات مجلس النواب.
وإزاء هذه المشكلة تحركت الأوساط النيابية نحو تعديل قانون المحكمة بما يؤمِّن ديمومتها، إلا أن هذه المحاولة تعترضها عقبة قانونية تتمثل باستبعاد اللجوء إلى الطريقة السابقة في ترشيح أعضاء المحكمة، وعدم منح الأمر مرة أخرى لمجلس القضاء الأعلى، بعد أن قضت المحكمة بعدم دستورية هذا الاختصاص.
مما يجعل مجلس النواب أمام خيارات ليس من بينها الطريقة السابقة، بسبب ما تمتاز به قرارات المحكمة الاتحادية العليا دستوريا من البتات، وإلزام السلطات كافة، ومن آثار ذلك الإلزام التزام مجلس النواب بعدم تشريع نص قانوني يخالف ما قضت به المحكمة في قرارها السابق.
إلا ان ذلك الاستبعاد يبدو غير منطقي، ويتنافى مع الأصول السليمة في تشكيل القضاء الدستوري، إذا علمنا أن المحكمة الاتحادية العليا هي هيئة قضائية بصريح نصوص الدستور، وإن إشراك خبراء الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون في عضوية المحكمة لا يطمس صفتها القضائية، ولذلك فإن العنصر القضائي له الغلبة في عضوية المحكمة حفاظا على طبيعتها القضائية.
وإذا كان أغلبية أعضاء المحكمة هم من القضاة فإن استبعاد مجلس القضاء الأعلى من ترشيح أعضاء المحكمة يعد أمرا غير منطقي، بل لا يتفق مع روح الدستور إن لم تكن نصوصه الصريحة، إذا علمنا أن المجلس هو الهيئة الأعلى التي تتولى إدارة شؤون القضاء، فكيف يمكن استبعاده من المشاركة في تشكيل المحكمة إذا كانت اغلبية أعضائها من بين القضاة؟
إلا أن هذه العقبة التي تعترض تعديل القانون النافذ، ستختفي عند تشريع قانون جديد للمحكمة طبقا للمادة (92/ثانيا) أو تعديل القانون الحالي وفقا لها؛ لأن الدستور فوّض مجلس النواب بشكل صريح في تنظيم طريقة اختيار أعضاء المحكمة، وهذا التفويض الصريح يعطي صلاحية كاملة للمجلس بتحديد أية طريقة لاختيار الأعضاء، شرط أن تكفل الاستقلال اللازم للمحكمة، وتحافظ على تمثيل الفئات التي نص عليها الدستور (القضاة، وخبراء الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون).
ومن بين تلك الخيارات إعطاء الحق لمجلس القضاء الأعلى بترشيح أعضاء المحكمة؛ لأن ذلك الخيار التشريعي لا يتعارض مع استقلال المحكمة، وتمثيل الفئات المذكورة، بل على العكس يصب في سبيل تحقيقهما، ويقوي مركز المحكمة تجاه السلطتين التشريعية، والتنفيذية، بما يمكنها من أداء عملها على نحو أكثر فاعلية لتأكيد المشروعية الدستورية.
وإن القول بخلاف ذلك إلى يوصلنا إلى الاستحالة في تشريع قانون المحكمة، وتحديد الجهة المختصة بترشيح أعضائها، وفقا لقرار المحكمة السابق، الذي أرجع عدم دستورية ترشيح مجلس القضاء الأعلى للأعضاء، إلى عدم النص عليه في الدستور ضمن اختصاصات المجلس، وهذا ما ينسحب إلى كل السلطات؛ لأن الدستور الحالي لم يحدد الجهة المختصة بترشيح أعضاء المحكمة، وتعيينهم بشكل صريح، ومسايرة هذا الفهم توقعنا في عدم دستورية اختصاص أية جهة بالترشيح، والتعيين، وهو في الحقيقة فهم غير دقيق لنصوص الدستور.
وهذه النتيجة غير العملية تقتضي الإقرار بالسلطة التقديرية لمجلس النواب في تحديد الجهة المختصة بترشيح أعضاء المحكمة، وتعيينهم، الممنوحة له وفق المادة (92/ثانيا) مع مراعاة الضوابط الدستورية المتمثلة بتعزيز استقلال المحكمة، وتمثيل الفئات المنصوص عليها دستوريا، والابتعاد عن نتائج قرار المحكمة السابق الذي يبدو أنه جاء نتيجة العلاقة السائدة بين المحكمة ومجلس القضاء الأعلى في تلك المرحلة.
لذلك نجد المحكمة لم تتطرق – في قرارها السابق – لاختصاص رئيس الجمهورية بتعيين رئيس المحكمة، وأعضائها، على الرغم من شموله بشائبة عدم الدستورية التي قررتها المحكمة لاختصاص مجلس القضاء الأعلى بالترشيح، كونهما يتفقان بعدم ورودهما ضمن اختصاصات الجهتين بشكل صريح في دستور 2005.