متابعة: ضحى الخالدي
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
من المقرر أن تجتمع مجموعة من وزراء “منظمة البلدان المصدّرة للنفط” (“أوبك”) – بصورة افتراضية – في السابع عشر من أيلول/سبتمبر لاتّخاذ قرارٍ فيما إذا كان إنتاج كارتل [هذه الدول] بحاجة إلى تعديل للتأقلم مع أسعار النفط المتدنية. لكنّ “أوبك”، بعد أن كانت يوماً الغول الذي أخافَ الاقتصادات الصناعية الغربية، قد فقدت القوة التي كانت تتمتع بها سابقاً. وهذه المنظمة التي تأسست قبل 60 عاماً هذا الأسبوع، لم تعد تتصدّر عناوين الصفحات الأولى. وما لن يثير الدهشة كثيراً هو احتمال قيام “لجنة المراقبة الوزارية المشتركة” التابعة لها بالتضليل في قرارها.
إن الأسعار الحالية المنخفضة نسبيّاً، والتي تراجعت إلى ما دون 40 دولاراً للبرميل الأسبوع الماضي، تنبع جزئياً من الامتياز الذي مُنح للعراق، حين تمّ الاتفاق على تخفيض الإنتاج للفترة من أيار/مايو إلى تموز/يوليو وسُمِح لبغداد بمواصلة الضخ، بدعوى الحاجة الماليّة. وقضى الإتفاق بأن هذا الإنتاج الزائد ستعوّضه التخفيضات العراقية في أيلول/سبتمبر.
حسناً، وماذا بعد؟ من المرجح أن يتم تمديد “فترة التعويض” إلى تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر. ومع ثبات باقي المتغيرات (أو بحسب العبارة اللاتينية “ceteris paribus”)، يبدو أنّ سعر النفط سيبقى ضعيفاً على الأرجح، رغم أنّ العبارة اللاتينية تحذّر ضمنيّاً من احتمال تدخُّل العوامل الأخرى. ويمكن القول إن العامل الأكثر أهمية هو التلميحات من الرياض التي دفعت إلى نشر مقالة “فاينانشيال تايمز” الأسبوع الماضي بعنوان، “السعودية تواصل الضخ رغم انخفاض أسعار النفط الخام”.
لكن الآن يبرز مكوّنٌ جديدٌ قادرٌ على تفجير الوضع ويمكن البدء بأخذه في الاعتبار. فيوم الإثنين، استيقظ عالَم النفط على الأخبار التي أفادت بأن شركة الطاقة البريطانية العملاقة “بي بي” ومقرها لندن تتوقع احتمال بلوغ الطلب العالمي على النفط ذروته بحلول أوائل العقد الثالث من القرن الحالي. وسابقاً، كانت الحكمة المقبولة هي أنّ النفط سيظلّ الوقود المهيمن – على الغاز الطبيعي والفحم والنووي ومصادر الطاقة المتجددة – وصولاً إلى العقد الرابع من القرن الحالي. لكنّ التحول الاقتصادي الذي تسبب به فيروس كورونا قد غذّى التفضيلات “الخضراء” للمستهلكين التي فرضت خيارات سياسية مختلفة. فلم يحن الوقت تماماً للقول “وداعاً للوقود الأحفوري”، لكنها المسودة الأولى لورقة نعيه.
هناك عامل آخر يجب أخذه بعين الاعتبار وهو تفكير دانيال يرجين، خبير النفط الذي نُشر كتابه في 15 أيلول/سبتمبر تحت عنوان “الخريطة الجديدة: الطاقة والمناخ وصراع الأمم” (The New Map: Climate and the Clash of Nations). ونَشرت صحيفة “وول ستريت جورنال- ويك أند” نسخة سريعة القراءة (رغم أنها لا تزال مُفصّلة) من الكتاب الذي يشكّل مجلّداً كبيراً من دون شك. وفي مقال مميز تحت عنوان “السياسة الجغرافية الجديدة للطاقة” (The New Geopolitics of Energy)، يشير يرجين إلى أنّ عمالقة النفط مثل روسيا والسعودية سيجدون أنفسهم في علّة اقتصادية كبيرة ما لم يغيّروا اقتصاداتهم بسرعة. ومشكلتهم بشكلٍ خاص هي عدم قدرتهم على تحويلها بالسرعة الكافية – ولا حتى السعودية، على الرغم من طموحات قائدها الفعلي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وخططه المتمثلة بـ “الرؤية 2030”.
وستكون الصين، التي تشكّل حاليّاً مستورداً مهمّاً، المستفيد الأساسي من التوجه بعيداً عن النفط. فبالنسبة إليها، سيمثل الانتقال إلى السيارات الكهربائية توفيراً كبيراً في تكاليف استيراد النفط. بالإضافة إلى ذلك، تُعد الصين أكبر منتج للّيثيوم في العالَم، وهو مادة ضرورية لتصنيع السيارات الكهربائية – وبالتالي، فهي ميّزة أخرى للاقتصاد الصيني.
أما الولايات المتحدة، فقد تواجه خطر البقاء عالقةً في الوسط. ومن المرجح أن تواصل أي إدارة أخرى لترامب سياسة دعم قطاع النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، في حين ستشدد إدارة [مرشح الرئاسة الديمقراطي] جو بايدن على التحول السريع في اتجاه مصادر الطاقة المتجددة. ولكن على المدى القصير، سيكون أي انتعاش اقتصادي في حقبة ما بعد فيروس كورونا، وهو الأمر الذي نأمل فيه جميعاً، بمثابة دفعةً للنفط والغاز. ويعني ذلك النفط الصخري الأمريكي وكذلك الصادرات الروسية والسعودية.
ومن الناحية الجيوسياسية، سيتأخر الزوال الاقتصادي الاستراتيجي لروسيا والسعودية لـ “عقدٍ أو عقديْن من الزمن”. وفي غضون ذلك، من المحتمل أن يواجه إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة صعوبة في إيجاد الاستثمارات الجديدة التي تلزمه باستمرار في حين تبحث الأموال “الذكية” عن تحقيق العائدات من مصادر الطاقة المتجددة. وقد صوّر أحد العناوين الرئيسية في صحيفة “وول ستريت جورنال” في 14 أيلول/سبتمبر الواقع الجديد الناشئ قائلاً: “اعتادت ’إكسون‘ على أن تكون الشركة ذات القيمة الأكبر في أمريكا. ما الذي حدث؟”
- سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.