ابحاث ودراساتسلايدر
الدولة واللادولة في العراق – الجزء9
مدى تعارض سيادة الدولة العراقية مع استخدام منظومة السي رام في السفارة الأمريكية في بغداد
د.مصدق عادل
كلية القانون- جامعة بغداد
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
لم تكن منظومة (Centrum السي رام) هي المنظومة الدفاعية الجوية الأولى التي نصبتها الولايات المتحدة الامريكية في الأراضي العراقية دون موافقة الحكومات العراقية المتعاقبة، حيث سبق أن نصبها في العديد من القواعد العسكرية الامريكية الثابتة في عين الأسد والحرير مع منظومة الباتريوت منذ عام 2008، وكان آخر هذه المنظومات هو نصبها في ارض السفارة الامريكية في بغداد وتجربتها يوم 5/7/2020[1].
وبهذا فالتساؤل الذي يثار في ظل المناداة بـ”شعار حصر السلاح بيد الدولة” فهل أنَّ نصب المنظومات المذكورة أعلاه عموماً ومنظومة السي رام في ارض السفارة الامريكية في بغداد ينطبق عليه الشعار المذكور من عدمه، وهل يعد سلوكاً ينسجم مع السيادة العراقية وفقاً لما هو مقرر في الاتفاقيات الدولية الجماعية والثنائية والتشريعات العراقية؟
لئن تأملنا دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نجد أنه أكدت على مبدأ السيادة الكاملة والاستقلال في العديد من النصوص، ومنها المادة (1) و(50) و(67) و(79) و(109) و(110) منه.
وبهذا يتضح مخالفة نصب منظومات الدفاع الامريكية في القواعد العسكرية وكذلك مقر السفارة الامريكية في بغداد لنصوص دستور جمهورية العراق، إذ لا يوجد نص يجيز للقائد العام للقوات المسلحة أو لمجلس النواب السماح لأي دولة، ومن بينها الولايات المتحدة الامريكية نصب منظومات الدفاع الجوي في الأراضي والأجواء العراقية لأي سبب كان.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه بالرجوع إلى المادة (8) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نجد أنها تنص على أنْ يقيم العراق علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل واحترام الالتزامات الدولية، وهو الأمر الذي يُدلل على مخالفة نصب المنظومات الدفاعية لمبدأ التعامل بالمثل، وكذلك مخالفته لمبدأ احترام الالتزامات الدولية بين العراق والولايات المتحدة، ومنها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961[2]، وكذلك اتفاقية الاطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون دائم بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية لسنة 2008[3].
كما يتعارض قيام السفارة الامريكية بنصب منظومة الدفاع الجوي في وسط العاصمة العراقية وفي منطقة سكنية مأهولة بالسكان وينتهك العديد من الحقوق والحريات الممنوحة للمواطن الواردة في دستور جمهورية العراق لسنة 2005، ومنها الحق في الحياة والامن وفق المادة (15) منه، وكذلك الحق في حرمة المساكن وفق المادة (17/ثانياً) من الدستور.
ونزولاً على ما تقدم فإنه بالرجوع إلى اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية نجد ان المادة (41) منها تنص على أنه (1- يجب على جميع المتمتعين بالامتيازات والحصانات، مع عدم الاخلال بها، احترام قوانين الدولة المعتمدة لديها وأنظمتها. ويجب عليهم كذلك عدم التدخل في شؤونها الداخلية.
2- يجب في التعامل مع الدولة المعتمدة لديها بشأن الأعمال الرسمية التي تسندها الدولة المعتمدة الى البعثة أنْ يجري مع وزارة خارجية الدولة المعتمد لديها أو عن طريقها، أو مع اية وزارة أخرى قد يتفق عليها .
3- يجب ألا تستخدم دار البعثة بأية طريقة تتنافى مع وظائف البعثة كما هي مبينة في هذه الاتفاقية أو في غيرها من قواعد القانون الدولي العام أو في أية اتفاقات خاصة نافذة بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها).
وبهذا يتضح أنَّ الواجب الأول المفروض على جميع السفارات الأجنبية ومنها السفارة الامريكية في بغداد احترام قوانين الدولة العراقية المعتمدة لديها وانظمتها، فيما يتمثل ثاني الواجبات المفروضة في عدم استخدام مقر السفارة البعثة بأية طريقة تتنافى مع وظائف البعثة الدبلوماسية والقنصلية المحددة في المادة (3) من هذه الاتفاقية[4].
ومن مفهوم المخالفة للنص أعلاه أنه ليس من بين هذه الوظائف المحددة للبعثة الدبلوماسية نصب منظومة دفاع عسكرية متطورة في أرض السفارة المقامة في دولة أخرى، إذ إنه بالفعل المذكور تنتفي الصفة الدبلوماسية عن موقع السفارة أو البعثة، كما تتحلل الحكومة المستضيفة من مسؤولية الحماية الواجب توفيرها لهذه المقرات وغيرها من الواجبات الأخرى[5].
وفضلاً عن ذلك فإنَّ نصب منظومات الدفاع على أرض السفارة الامريكية في بغداد يوجب على رئيس الجمهورية – باعتباره رمز وحدة الوطن والممثل لسيادة البلاد والساهر على استقلال العراق وسيادته وفقاً للمادة (67) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 – أنْ يقوم بمراجعة المرسوم الجمهوري بقبول أوراق اعتماد السفير الأمريكي في العراق وفقاً للمادة (73/سادساً) من الدستور في ضوء المخالفات المذكورة في ظل استمرار هذه المخالفات والانتهاكات للسيادة العراقية دون رفعها من الجانب المخالف.
أما بالنسبة إلى موقف اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق وامريكا لعام 2008 فلقد نصت على العديد من الالتزامات القانونية المفروضة على الولايات المتحدة الامريكية، ومن بينها احترام مبدأ السيادة المتكافئة والمتساوية للعراق، وكذلك مراعاة المبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، إذ تنص ديباجة الاتفاقية على (إنَّ جمهورية العراق و الولايات المتحدة الأميركية: 1. إذ تؤكدان الرغبة الصادقة لبلديهما في إقامة علاقة تعاون وصداقة طويلة الأمد استناداً إلى مبدأ المساواة في السيادة والحقوق والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والمصالح المشتركة لكليهما)، فضلاً عن التأكيد على (مبدأ المحافظة على السلام داخل العراق وبين بلدان المنطقة).
وهو الأمر الذي لم يتحقق في ظل وجود هذا السلاح الأمريكي الفتاك المنفلت خارج إطار الدولة العراقية وموافقتها الرسمية، وما يرتبه من ويلات ومخاطر على أمن المواطن العراقي وحرمة مسكنه المجاور لأرض السفارة الامريكية في بغداد.
وفضلاً عن ذلك ينص القسم الأول من اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموسوم (مبادئ التعاون) على أنْ (تقـوم هـذه الاتفاقيـة علـى عـدد مـن المبـادئ العامـة لرسم مسـار العلاقة المستقبلية بين الدولتين وفق ما يلي:
- تستند علاقة الصداقة والتعاون إلى الاحترام المتبادل، والمبادئ والمعايير المعترف بها للقانون الدولي وإلى تلبية الالتزامات الدولية، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ورفض استخدام العنف لتسوية الخلافات.
- إنَّ وجود عراق قوي قادر على الدفاع عن نفسه أمر ضروري لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
- إنّ الوجود المؤقت لقوات الولايات المتحدة في العراق هو بطلب من حكومة العراق ذات السيادة، وبالاحترام الكامل لسيادة العراق.
- على الولايات المتحدة أنْ لا تستخدم أراضي ومياه وأجواء العراق منطلقاً أو ممراً لشن هجمات على بلدان أخرى وأنْ لا تطلب أو تسعى لأنْ يكون لها قواعد دائمة أو وجود عسكري دائم في العراق).
يتضح من النص وجوب قيام الولايات المتحدة الامريكية بالاحترام الكامل للسيادة العراقية على أساس مبدأ المساواة في التمتع بالسيادة بين العراق وامريكا.
كما ينص القسم الثالث من الاتفاقية الموسوم (التعاون الدفاعي والأمني) على أنه (يواصل الطرفان العمل على تنمية التعاون الوثيق فيما بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية دون الاجحاف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه وأجوائه).
أما المخالفات القانونية الأخرى لنصب منظومات الدفاع الجوي في أرض السفارة الامريكية في بغداد فتتمثل بمخالفة قرار مجلس النواب الصادر في 5/1/2020 الذي ينص في البند (2) منه (على الحكومة العراقية العمل على انهاء تواجد أي قوات اجنبية في الأراضي العراقية ومنعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأي سبب كان).
وبناء على المخالفات الدستورية والقانونية لنصب منظومات الدفاع في ارض السفارة الأمريكية في بغداد باعتباره مظهراً من مظاهر انتهاك السيادة العراقية فإنَّ القائد العام للقوات المسلحة للأغراض التشريفية ممثلاً برئيس الجمهورية[6] مطالب – باعتباره السلطة التي قامت بقبول اعتماد أوراق السفير الأمريكي في بغداد وفقاً لنصوص الدستور – بأنْ يقوم بالتباحث بشأن الانتهاك السافر للسيادة ومناقشة سحب وإلغاء قبول السفير في حالة الإصرار على الاستمرار بالمخالفة المذكورة التي تعرض امن العراق وحياة المواطنين المحيطين بالسفارة للخطر.
وينطبق الحكم ذاته بالنسبة إلى القائد العام للقوات المسلحة الفعلي ممثلاً برئيس مجلس الوزراء[7] باتخاذ إجراءات دبلوماسية ودستورية فاعلة بشأن رفع منظومة الدفاع من ارض السفارة في بغداد، وتكليف وزير الخارجية بتوجيه استدعاء رسمي إلى السفير الامريكي للحضور في مقر الوزارة وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية تتضمن وجوب إيقاف الاعمال المخالفة للدستور والقوانين العراقية النافذة، وتحديد موعد لرفع المنظومة، وبخلافه يصار إلى اتخاذ الإجراء القانونية.
وفي الوقت ذاته فإنه بإمكان أي مواطن يسكن في الأراضي المجاورة للسفارة أنْ يلجأ إلى قاضي التحقيق المختص مكانياً ويطلب اتخاذ الإجراءات القانونية ضد السفارة عن جريمة تعريض حياة المواطنين وأمنهم إلى الخطر، فضلاً عن طلب اتخاذ الاجراءات ضد وزارة الخارجية لتهاونها في اتخاذ الإجراءات الدبلوماسية اللازمة وامتناعها عن تطبيق الدستور والقوانين النافذة.
كما أنه بإمكان المتضرر من شظايا المنظومة واسلحتها تقديم دعوى مدنية أمام محاكم البداءة التي يقع ضمن اختصاصها مكان الاضرار والمطالبة بالتعويض، فضلاً عن المطالبة بإصدار قرار ولائي يقضي بتكليف القائد العام للقوات المسلحة ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية العراقية بإيقاف استخدام المنظومة الدفاعية لحين حسم موضوع الدعوى.
وبخلاف ما تقدم يبقى شعار حصر السلاح بيد الدولة مظهراً من مظاهر اللادولة في العراق، إذ إنَّ الحكومة العراقية مطالبة بحصر وتنظيم السلاح الخارجي أولاً، ومن ثم ليصار في المرحلة اللاحقة لذلك إلى تطبيق هذا الشعار داخل العراق عندما تنتفي أسباب ذلك.
[1] – للمزيد حول الابعاد السياسية لنصب منظومات الدفاع الامريكية: ينظر: د. أنور الحيدري، مدافع السفارة، مقالة منشورة على موقع مركز حمورابي للدراسات الاستراتيجية بتاريخ 6/7/2020.
[2] – صادق مجلس السيادة العراقي على اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والبروتوكول الاختياري بشان اكتساب الجنسية والبروتوكول الاختياري بشان التسوية الالزامية للمنازعات المعقودة في فيينا في شهر نيسان 1961 وذلك بموجب القانون رقم (20) لسنة 1962 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 667 في 24/4/1962.
[3]– صادق مجلس النواب العراقي على اتفاقية الاطار الاستراتيجي وذلك بموجب القانون رقم (52) لسنة 2008 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4102 في 24/12/2008.
[4] – تنص المادة (3) من اتفاقية فيينا على انه (1- تتالف اهم وظائف البعثة الدبلوماسية مما يلي: أ- تمثيل الدولة المعتمدة في الدولة المعتمد لديها .ب- حماية مصالح الدولة المعتمدة ومصالح رعاياها في الدولة المعتمد لديها، ضمن الحدود التي يقرها القانون الدولي .ج – التفاوض مع حكومة الدولة المعتمد لديها .د – استطلاع الاحوال والتطورات في الدولة المعتمد لديها بجميع الوسائل المشروعة وتقديم التقاريراللازمة عنها الى حكومة الدولة المعتمدة .هـ – تعزيز العلاقات الودية بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها وانماء علاقاتهما الاقتصادية والثقافية والعلمية).
[5] – تنص المادة (25) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية على انه (تقوم الدولة المعتمد لديها بتقديم جميع التسهيلات اللازمة لمباشرة وظائف البعثة).
[6] – تنص المادة (73/تاسعاً) من الدستور على ان (يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الاتية: تاسعاً: يقوم بمهمة القيادة العليا للقوات المسلحة للأغراض التشريفية والاحتفالية).
[7] – تنص المادة (78) من الدستور على أنْ ( رئيس مجلس الوزراء … القائد العام للقوات المسلحة).