مارتن إنديك
19/8/2020
ترجمة: ضحى الخالدي
في سجلات طويلة من العداء العربي تجاه إسرائيل ، يجب الاحتفاء باتفاق إبراهيم باعتباره اختراقًا تاريخيًا: الإتفاقية تجعل الإمارات العربية المتحدة أول دولة خليجية و ثالث دولة عربية بعد مصر و الأردن تعترف و تطبِّع العلاقات كلياً مع إسرائيل. لكن في سجلات دبلوماسية صنع السلام الأمريكية في الشرق الأوسط ، يبدو الاختراق أشبه بالأحدث في سلسلة طويلة من العواقب غير المقصودة. عندما تضغط الولايات المتحدة على أحد الأبواب ، في كثير من الأحيان لا يفتح باب آخر. عام 1977 ضفط الرئيس الأميركي جيمي كارتر من أجل استئناف مؤتمر جنيف للسلام في الشرق الأوسط- فسافر الرئيس المصري أنور السادات إلى القدس لتجنبه. عام 1993, ، سعى الرئيس بيل كلينتون إلى إبرام صفقة بين إسرائيل وسوريا – فتبنَّى ياسر عرفات إتفاقات أوسلو خوفًا من التخلف عن الركب.
في هذه المرة, أعطى الرئيس دونالد ترامب إسرائيل الضوء الأخضر لضم الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية و بفعله هذا, خلق الظروف التي قادت الشيخ محمد بن زايد (MBZ), ولي عهد الإمارات العربية المتحدة, لتطبيع العلاقات الكامل مع إسرائيل.
العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة و إسرائيل كانت تتطوربهدوء خلال العقد الاخير, كون الدولتين تدركان المصالح المشتركة في مجابهة التهديدات الإيرانية و التركية. MBZ سعى كذلك لبناء حلف إستراتيجي مع إسرائيل للمساعدة في تعويض انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة. لقد أدرك قيمة تطبيع العلاقات مع إسرائيل في هذه العملية, الترحيب بالبعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبو ظبي عام 2015 و دعوة إسرائيل للمشاركة في معرض اكسبو دبي (تم تأجيله الىن إلى 2021). ولكن هذا التعاون له حدود صعبة ، تم توضيحها بوضوح في مبادرة السلام العربية لعام 2002: الدول العربية غير المنخرطة بشكل مباشر في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني تطبِّع العلاقات مع إسرائيل فقط بعد ان تتم تلبية مطالب الفلسطينيين بدولة مستقلة.
و مع ذلك, فإن جيران MBZ الأصغر, الدول الخليجية في البحرين و عُمان, كانوا يسرقون المسيرة عليه (مثَل يعني: كسب ميزة على شخص ما عن طريق القيام بشيء كان يخططون لفعله قبله). إستضاف سلطان عُمان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في زيارة رسمية رفيعة المستوى عام 2018, و إستضافت البحرين ورشة عمل لتعزيز –دعم, ترويج- الأبعاد الإقتصادية لخطة ترامب للسلام عام 2019. لكن هذه كانت مهيِّجات طفيفة: الأسوأ من ذلك ، أن جهود محمد بن زايد منذ عام 2011 لشراء طائرة إف -35 جوينت سترايك فايتر (مهاجمة-قاصفة-, مقاتلة مشتركة) وأسلحة متطورة أخرى من الولايات المتحدة كانت متداخلة مع مبيعات الأسلحة السعودية ، والتي أصبحت مثيرة للجدل إلى حد كبير في الكابيتول هيل (مقر الكونغرس الاميركي).
كان محمد بن زايد يأمل في أن توفر له خطة ترامب للسلام غطاءً لاختراق مرحلة التطبيع ، وفي المقابل ، تيسر الطريق أمام حيازة الأسلحة من الولايات المتحدة.
كان محمد بن زايد يامل بان خطة ترامب للسلام, التي تم الكشف عنها وسط ضجة كبيرة في يناير 2019 ، ستوفر له الغطاء لإختراق التطبيع و في المقابل, تيسر الطريق أمام حيازة الأسلحة من الولايات المتحدة. في خطوة رفيعة المستوى ، أرسل سفيره في واشنطن ، يوسف العتيبة ، لحفل كشف النقاب عن الخطة. لكن سرعان ما اكتشف محمد بن زايد بان خطة ترامب للسلام إحتوَت حبة السُّم: لضمان موافقة نتنياهو, نصَّت الخطة مقدمًا على الضم الإسرائيلي ل30% من الضفة الغربية بما فيها وادي الأردن.
ضم الاراضي الفلسطينية كان لا بد أن يولِّد رد فعل عنيفًا في العالم العربي، مما سيعقد بشدة التطبيع الذي يسعى إليه محمد بن زايد. الاسوا من ذلك, أن ضم وادي الاردن سيضع ملك الاأردن عبد الله في وضع مستحيل, و يجبره على الإختيار بين علاقاته مع الولايات المتحدة وعلاقاته مع الفلسطينيين, الذين يشكِّلون غالبية مواطنيه في الضفة الشرقية.
لتعريض استقرار الأردن للخطر كان المخاطرة بعودة جماعة الإخوان المسلمين ، وهو كابوس متكرر لمحمد بن زايد ، الذي يخشى استيلاء الإسلاميين المدعومين من تركيا على الأنظمة العربية السنية في جميع أنحاء المنطقة.
MBZ ضغط على جاريد كوشنر لإيقاف عملية الضم. ثم ذهب إلى أبعد من ذلك ، حيث وافق على مقال رأي نشره عتيبة بالعبرية على الصفحة الأولى من صحيفة يديعوت أحرونوت ، الصحيفة الرئيسية في إسرائيل. وأوضح العتيبة للجمهور الإسرائيلي أنه كان بإمكانه ضم الضفة الغربية أو التطبيع مع الإمارات ، لكن ليس كلاهما.
نجح تدخله في الوقت المناسب ، جنبًا إلى جنب مع الاحتجاجات الصاخبة ضد الملك عبد الله ، في تعطيل عملية الضم. لكن مع الإنتخابات التي تلوح في الافق في الولايات المتحدة, و ربما في إسرائيل ايضاً, لا يزال هناك خطر من أن يتم إحياء الخطة في الخريف لإرضاء القاعدة الإنجيلية لترامب وأنصار نتنياهو اليمينيين.
كان المخرج هو قلب معادلة العتيبة رأسًا على عقب: فبدلاً من الضم يمنع التطبيع ، لماذا لا نقدم التطبيع الكامل مقابل عدم الضم؟ميثاق تطبيع مع إسرائيل كان سيغضب الفلسطينيين, لكن يمكن ل MBZ أن يجادل بمصداقية أنه منع ضم أراضيهم. ومن خلال منع ضم وادي الأردن، يمكنه أيضًا مساعدة الملك عبد الله. في ذات الوقت, التطبيع الكامل من شأنه أن يجعل الإمارات العربية المتحدة موضع اهتمام المشرعين المؤيدين لإسرائيل في الكابيتول هيل – الديموقراطيين والجمهوريين على حد سواء – وتحييد المعارضة الإسرائيلية لطلبات بيع الأسلحة الخاصة به.
كان يُحسَب لكوشنر سرعته في رؤية المنفعة. وبدلاً من خطة ترامب للسلام التي لم تسفر عن أي مكان والضم الذي كان من شأنه أن يعقد علاقات الولايات المتحدة مع أصدقائها العرب ، كان بإمكانه الادعاء بحدوث انفراج في العواقب الاستراتيجية. لقد ركز على تسهيل الصفقة ووضع المسمار الأخير في نعش خطة ترامب للسلام.
كانت الخطة بالفعل في مازق: رفض الفلسطينيون قبول عرض منحاز إلى هذا الحد لصالح إسرائيل. كان كوشنر قد ضمن على الأقل تعاون نتنياهو من خلال السماح بالضم مقدمًا مقابل دولة فلسطينية ضعيفة في وقت لاحق.
الآن, و حسب ترامب, فإن الضم غير مطروح على الطاولة, والقوميون اليمينيون في إسرائيل غاضبون من التنازل عن مطالباتهم بالسيادة على الضفة الغربية. نتيجةً لذلك, على الرغم من أنه سيستمر في التشدق بها ، لا يمكن لنتنياهو أن يفي بقبوله للخطة دون تنفير قاعدته اليمينية.
اتفاق إبراهيم في حد ذاته لا يفعل شيئا لتقديم حل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني
اتفاق إبراهيم في حد ذاته لا يفعل شيئا لتقديم حل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. في الواقع ، ينشغل نتنياهو الآن في إقناع الإسرائيليين بأنه يمكنهم الآن توقع “السلام مقابل السلام” على غرار نموذج الإمارات العربية المتحدة ولم يعودوا بحاجة إلى تقديم تنازلات إقليمية –عن الاراضي-
قد يقلل هذا من السلام مع الفلسطينيين حتى طالما أن ترامب لديه حفل توقيع في البيت الأبيض ، فمن غير المرجح أن يهتم بما إذا كان شيخ إماراتي سيحل محل زعيم فلسطيني على المنصة مع نتنياهو ، خاصة إذا كانت نهايته للصفقة تتضمن المليارات. من مبيعات الأسلحة بالدولارات بدلاً من المساعدة الهائلة الموعودة للفلسطينيين في خطته للسلام.
هو يدَّعي بالفعل إستحقاق جائزة نوبل للسلام. لكن ما يستحقه واقعاً هو جائزة كونه الدبلوماسي العرضي: لو لم يدفع بالضم في خطته, فإن MBZ لم يكن ليعرض التطبيع الكامل مع إسرائيل لمنعه. و لو لم يستمر في سياسة أوباما في الإنسحاب من الشرق الأوسط, فإن MBZ لم يكن ليشعر بذات الإلحاح لإخراج علاقاته الإستراتيجية مع إسرائيل إلى العَلَن.
ومع ذلك ، إذا كانت شعلة السلام ، التي أشعلها التطبيع الإسرائيلي-الإماراتي من جديد ، ستستمر في الاشتعال ، فلا بد من القيام بشيء أكثر جدية للتشجيع على حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. مبادرة MBZ خلقت انفتاحاً يمكن للولايات المتحدة استغلاله حتى الآن. إذا كان ترامب يريد أن يكون صانع سلام لاحق ، فعليه الاستفادة من التوقف المؤقت في الضم الذي نتج عن قرار محمد بن زايد لإعلان أن الضم يجب أن يحدث فقط بالاتفاق المتبادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إذا جمع ذلك مع التزامه للرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن كل شيء في خطته قابل للتفاوض ، فقد يقنع ترامب الفلسطينيين بإلقاء نظرة ثانية. ويمكن أن يوفر ذلك الأساس للرئيس المقبل لدفع عملية السلام.