ابحاث ودراساتسلايدر

ماذا وراء إيقاف القضاء عقود تجديد رخص شركات الهاتف النقال في العراق؟

د. مصدق عادل طالب

كلية القانون – جامعة بغداد

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

في سابقة ليست جديدة على القضاء العراقي قامت محكمة بداءة الكرخ في الدعوى المرقمة 1918/ب/2020 في 25/8/2020 بإصدار الأمر الولائي بإيقاف إجراءات تمديد وتجديد رخصة عمل شركات الهاتف النقال في العراق لحين حسم الدعوى الأصلية، وذلك بناءً على الطلب المقدم من وكيل المدعى عليه النائب الشجاع (محمد شياع السوداني).

ومن إمعان النظر في هذا القرار نجد أنَّ السند القانوني لهذا الإيقاف يتمثل بالمواد (151-153) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969، ويعد هذا القرار من القرارات القابلة للتظلم فيه أمام المحكمة ذاتها التي أصدرت هذا القرار، وكذلك للتمييز أمام محكمة استئناف الكرخ بصفتها التمييزية، بناءً على الطعن الذي سيقدم من قبل المتضررين منه، يستوي في ذلك من قبل رئيس الجهاز التنفيذي في هيئة الإعلام والاتصالات أو المدير المفوض لكل من شركات زين وأسيا سيل وكورك.

كما يُعدّ هذا القرار من القرارات الوقتية، غير أنه ملزم لمجلس الوزراء الذي قام بتجديد عقود تراخيص الهاتف النقال ومنح مدد تعويضية إضافية خلافاً للقانون المدني رقم (40) لسنة 1951، فضلاً عن إلزاميته لهيئة الإعلام والاتصالات والشركات المذكورة أعلاه، وبخلافه بالإمكان مساءلتها وفق المادة (329) من قانون العقوبات العراقي.

وتنبع أهمية هذا القرار القضائي في العديد من النواحي، أهمها: إنه يجيئ تطبيقاً سليماً للمواد (19/اولاً) و (47) و(87) و(88) و(100) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، في ضوء الواجب الدستوري المفروض على الجميع وبضمنهم القضاء في المحافظة على المال العام وحمايته وفقاً لأحكام المادة (27) من الدستور التي تنص على أنَّ (أولاً: للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن).

فيما تتمثل ثاني صور الأهمية لهذا القرار في تصحيح المخالفات الدستورية التي ارتكبها مجلس الوزراء بقيامه بالمصادقة على قرار تجديد عقود الهاتف النقال، رغم عدم امتلاكه هذه السلطة وفقاً لأحكام المادة (80) من الدستور التي حددت اختصاصات مجلس الوزراء، وليس من بين هذه الاختصاصات تجديد هذه العقود، أو التدخل في الاستقلال المالي والإداري الذي تتمتع به هيئة الإعلام والاتصالات بصفتها هيئة مستقلة وفق المادة (103) من الدستور.

وفضلاً عن ذلك فإنَّ الإيقاف الوقتي يحمل في طياته وجود شبهات حول تجديد العقود دون اتباع الإجراءات القانونية، وهو الأمر الذي يُجيز لرئاسة الادعاء العام وفقاً للصلاحيات الممنوحة له في قانون الادعاء العام رقم (49) لسنة 2017 الحقّ في التدخل لمصلحة القانون، وذلك من أجل الاطلاع على تفاصيل العقد، وإجراءات التجديد، ومنح المدد الإضافية على مدة العقد المنتهية رغم اختصاص القضاء بذلك وليس مجلس الوزراء وهيئة الإعلام والاتصالات وفقاً لأحكام المادة (146) من القانون المدني العراقي، فضلاً عن وجوب وقوف الادعاء العام على أسباب عدم المطالبة بالفوائد التأخيرية بذمة الشركات البالغة (7%) من مبلغ العقد عن مدد تسديد المستحقات المالية للشركات.

وفي الوقت ذاته بإمكان هيئة النزاهة طالما تم استحصال قرار وقتي بإيقاف تجديد العقود وفي ضوء الواجب الدستوري والقانوني الملقى على عاتق الهيئة في مكافحة الفساد المالي والإداري وفقا ًلقانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم (30) لسنة 2011 (المعدل) أنْ تطلب أوليات التعاقد، وتحيلها إلى دائرة التحقيقات دون الحاجة إلى تقديم إخبار طالما تم عرض الموضوع على أنظار القضاء والراي العام العراقي.

وفضلاً عما تقدم وبالاستناد إلى المنهاج الوزاري للسيد رئيس مجلس الوزراء المصوت عليه من مجلس النواب بتاريخ 6/5/2020 الذي ينص في البند (اولاً:الأولويات) على (7- مكافحة الفساد والعمل على حماية ثروات البلاد الطبيعية وتطوريها) فإنه يتوجب على مجلس النواب بصورة عامة وعلى لجنة النزاهة النيابية تشكيل لجنة تحقيق نيابية، أو طرح موضوع عام للمناقشة أمام المجلس، ويتم استدعاء كل من رئيس وأعضاء هيئة الإعلام والاتصالات الذين قاموا بالموافقة على تجديد عقود ترخيص الهاتف النقال، دون أنْ يخل ذلك من حق مجلس النواب في استدعاء رئيس مجلس الوزراء، ومطالبته بالكشف عن أسباب الإصرار على تجديد العقود، رغم المخالفات الدستورية والقانونية العديدة التي رافقت ذلك.

وبهذا يمكن القول أنَّ القضاء العراقي قد أدلى بدلوه، وبادر في حماية المال العام من الشبهات التي تتعلق بقرار تجديد عقود الهاتف النقال، ومن ثم يتوجب على مجلس النواب باعتباره ممثل لجميع أبناء الشعب العراقي وأطيافه وفق المادة (49/اولاً) من الدستور أنْ يُثبت للشعب أنه سيمارس رقابته على أعمال السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء، وكذلك على رئيس وأعضاء هيئة الإعلام والاتصالات، ويدعو إلى جلسة استثنائية لمجلس النواب لهذا الغرض.

كما ندعو في الوقت ذاته محكمة بداء الكرخ إلى المحافظة على هيبة القضاء واستقلاله، وأنْ تستمر في نهج إعادة الأموال المسلوبة من الشعب العراقي نتيجة التجديد غير القانوني للعقود في التظلم والقرار النهائي الذي سيصدر منها.

وفي الوقت ذاته نشدّ على يد محكمة استئناف الكرخ بصفتها التمييزية أنْ لا تأخذها في احقاق الحق لومة لائم عند إصدارها القرار التمييزي بهذا الشأن، وأنْ تسير على نهج ومسلك الهيئة العامة في محكمة التمييز الاتحادية عندما وقفت لتصحيح التشكيل غير القانوني للمحكمة الاتحادية العليا، وحكمت بعدم دستورية وقانونية المرسوم الجمهوري الخاصة بتعيين القاضي الاحتياط في المحكمة الاتحادية العليا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق