مجلس النواب بين متطلبات التصحيح التشريعي وبين غياب الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية
الدكتور مصدق عادل
كلية القانون – جامعة بغداد
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
بعد أنْ بينا سابقاً امتناع مجلس النواب عن تفعيل العديد من نصوص الدستور، مستغلاً صفة العمومية للنصوص الدستورية وعدم تحديد المدة التي أحال المشرع الدستوري الى قانون ينظمها، سنحاول في هذه الدراسة تسليط الضوء على الأدوار الأخرى المعطلة لمجلس النواب، ومن اهمها الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، كونها تساهم في بناء الدولة العراقية، في وقت شاعت فيه مظاهر اللادولة وعدم احترام الدستور.
وأول ما يلاحظ بهذا الصدد هو تعطيل المادة (7/أولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005[1]، فعلى الرغم من إصدار قانون حظر حزب البعث والكيانات والأحزاب والأنشطة العنصرية والارهابية والتكفيرية رقم (32) لسنة 2016، غير أنَّ الواقع العملي يشير إلى عدم الالتزام الحرفي بهذا النص في العديد من حالات منح الثقة من مجلس النواب للوزراء في الحكومة الحالية والسابقة، وكذلك احجامه عن ممارسة الدور الرقابي في تدقيق بعض تعيينات شاغلي الدرجات الخاصة والمدراء العامون ممن ينطبق عليهم الشروط المحظورة وفق المادة (7/أولاً) و (135/ثالثاً) من الدستور[2].
فضلاً عما تقدم فإنه على الرغم من حلّ مجلس قيادة الثورة (المنحل) عام 2003، غير أنَّ العمل التشريعي لمجلس النواب وجميع دوائر الدولة والقطاع العام قد استمر في تمجيد هذه المؤسسة (المنحلة) في ظل تراخي وامتناع مجلس النواب عن إلغاء القرارات التشريعية الصادرة من هذه المؤسسة المنحلة، وهو الأمر الذي يتوجب معه – تطبيقاً لمبدأ السيادة للقانون وفق المادة (5) من الدستور- على مجلس النواب الالتزام الصريح بنصوص الدستور المذكورة أعلاه، وإعداد مشروع قانون يتضمن إلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل) التي تجاوزت أكثر من (5000) قرار، وذلك على دفعة واحدة، على أساس أنَّ الدستور العراقي قد حظر حزب البعث (المنحل) في المادة أعلاه، ومن باب أولى يتوجب عدم التعامل بالقرارات والتشريعات التي أصدرها الحزب البائد وقادته، يستوي في ذلك بالنسبة إلى الرئاسات الثلاثة أو دوائر الدولة والقطاع العام حتى وإنْ تطلب الأمر تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب من أجل اعتناق وتبني نظام التصويت بالسلة الواحدة[3].
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يتوجب على مجلس النواب – باعتباره ممثلاً عن الشعب العراقي بكل اطيافه ومكوناته وفق المادة (49/اولاً) من الدستور- قيامه بإصدار مشروع قانون يتضمن إلغاء كل الأوامر التشريعية لسلطة الاحتلال (سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة) التي صدرت باسم الحاكم المدني آنذاك منذ 9 نيسان 2003 ولغاية 30 حزيران 2004، والبالغ عددها (100) أمر، وذلك في صورة مشروع قانون واحد لإلغائها بسلة واحدة، وذلك انسجاماً مع المادة (1) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي تنص على أنَّ جمهورية العراق دولة ذات سيادة كاملة.
فضلاً عن إلغاء المذكرات التي صدرت من سلطة الاحتلال طيلة المدة المذكورة أعلاه والبالغ عددها (17) مذكرة، وكذلك إلغاء اللوائح التنظيمية البالغ عددها (12) لائحة، وكذلك البيانات البالغ عددها (4) بيانات، دون أنْ يغيب عن أنظار مجلس النواب ضرورة إجراء تعديل للأوامر التشريعية الصادرة من الحكومة العراقية المؤقتة (مجلس الوزراء) في ظل سلطة الاحتلال البالغة (22) أمراً تشريعياً، ومن بينها الأمر رقم (30) لسنة 2005 (قانون المحكمة الاتحادية العليا).
أما فيما يتعلق بالدور الرقابي لمجلس النواب فبالرجوع الى المادة (61/ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 فانه تنص على اختصاص مجلس النواب بالرقابة على اعمال السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء)، ورغم الانتهاكات الدستورية الحاصلة في ما يتعلق بامتناع رئيس الجمهورية عن تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بعد استقالة السيد (عادل عبد المهدي) والتي ابتدأت بالمذكرة الرئاسية المؤرخة في 26/12/2019 الموجهة إلى رئيس مجلس النواب، وتلتها بإصدار المرسوم الجمهوري رقم (11) في 16/3/2020، غير أنَّ مجلس النواب قد اخفق في اتهام ومساءلة رئيس الجمهورية عن انتهاك الدستور وفق المادتين (61/سادساً) من الدستور وبدلالة المادة (93/سادساً) من الدستور.
وفضلاً عما تقدم فإنه على الرغم من إصدار مجلس النواب القرار النيابي في 5/1/2020 بإلزام الحكومة ممثلة بمجلس الوزراء بإلغاء طلب المساعدة من التحالف الدولي، فضلاً عن الزام الحكومة بالعمل على إنهاء تواجد أي قوات أجنبية في العراق، فضلاً عن منعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأي سبب كان، غير أنَّ الواقع العملي يشير إلى عدم تقديم القائد العام للقوات المسلحة طلب إلغاء التحالف الدولي لمحاربة داعش، وكذلك عدم التزام الحكومة بإنهاء تواجد القوات الأجنبية العاملة في العراق، رغم التصريح الأخير الصادر من الولايات المتحدة الامريكية بإبقاء قواتها في العراق لمدة (3) سنوات.
يضاف إلى ما تقدم أنه على الرغم من احتواء المنهاج الوزاري للحكومة الحالية المصوت عليها بتاريخ 6/5/2020 العديد من الفقرات منها (إعداد مشروع قانون موازنة استثنائي) وكذلك (اجراء مفاوضات جادة مع قيادات الدول المشاركة في التحالف الدولي بما يضمن تطلعات الشعب العراقي بالسيادة الوطنية الكاملة في ضوء مصالح العراق)، فضلا ًعن تصريح رئيس مجلس الوزراء بالحضور الشهري أمام مجلس النواب لمتابعة المنجز الفعلي للحكومة على ارض الواقع، غير أنَّه لم يُقدم مجلس الوزراء مشروع الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2020، كما لم يفلح مجلس النواب في تفعيل أدوات الرقابة البرلمانية على الحكومة وأعمالها وفق المادة (61) من الدستور.
لذا فإنها دعوة لرئيس وأعضاء مجلس النواب الحالي إلى الالتزام بسيادة الدستور والقانون، والالتزام باليمين الدستورية التي أدوها وفق المادة (50) من الدستور المتضمنة أداء المهمات والمسؤوليات القانونية بتفاني وإخلاص، وتطبيق التشريعات بأمانة وحياد، وذلك من خلال ممارسة الرقابة على المنهاج الوزاري والعمل الحكومي، وواضعين أمام نصب أعينهم كل قطرة دم سالت لترسم خارطة العراق الجديد في ظل راية الوطن الواحد وحماية مصالح شعبه، وبما يبعد العراق عن مظاهر اللادولة.
[1] تنص المادة على أنه (أولاً: يحظر كل كيانٍ أو نهجٍ يتبنّى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أنْ يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، ويُنظم ذلك بقانون)
[2] تنص المادة (135) من الدستور(ثالثاً: يُشترط في المرشح لمنصب رئيس الجمهورية، ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء، ورئيس وأعضاء مجلس النواب، ورئيس وأعضاء مجلس الاتحاد، والمواقع المتناظرة في الأقاليم، وأعضاء الهيئات القضائية، والمناصب الأخرى المشمولة باجتثاث البعث وفقاً للقانون، أنْ يكون غير مشمول بأحكام اجتثاث البعث).
[3] تنص المادة (132) من النظام الداخلي لمجلس النواب على أنه (تبدأ المداولة بمناقشة المبادئ والاسس العامة للمشروع اجمالا، فإذا لم يوافق المجلس على المشروع من حيث المبدأ، بأغلبية عدد أعضاءه، عُد ذلك رفضاً للمشروع)، كما تنص المادة (133) منه (ينتقل المجلس بعد الموافقة على المشروع من حيث المبدأ إلى مناقشة مواده مادة مادةً بعد تلاوة كل منها ويُؤخذ الرأي في كل المادة على حدة، ثم يُؤخذ الرأي على المشروع في مجموعه بعد إكتمال تلاوة مواده كاملة).