ترجماتسلايدر

الكاظمي يزور واشنطن: توسيع العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق

 مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى

دانا سترول و بلال وهاب

متاح أيضاً في English

17 آب/أغسطس 2020

متابعة: ضحى الخالدي

عندما يصل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن في 19 آب/أغسطس، ستكون هذه زيارته الثانية خارج البلاد منذ تولّيه منصبه وأول اجتماع لرئيس وزراء عراقي في البيت الأبيض منذ عام 2017. وتأتي الزيارة في وقت يشهد فيه العراق أزمات متزامنة من بينها: استمرار الارتفاع في حالات الإصابة بمرض “كوفيد-19″، واقتصاد ضعيف نجم عن سنوات من سوء الإدارة، وانهيار أسعار النفط في الآونة الأخيرة، واحتفاظ تنظيم «الدولة الإسلامية» بالقدرة على شن هجمات قاتلة. وتزيد هذه العوامل وغيرها من الضرورة الملحة لتوسيع الأجندة الأمريكية – العراقية خلال محادثات الكاظمي مع الرئيس ترامب، واجتماعات “الحوار الاستراتيجي” اللاحقة، ومناقشات أخرى.

حان الوقت لتغيير السياسة

جرت العادة لفترة طويلة جداً أن يُنظر إلى السياسة الأمريكية تجاه العراق إمّا من المنظور الضيق للسياسة الإيرانية وحملة “الضغط الأقصى” لإدارة ترامب، وإمّا من منطلق حصرها بمكافحة الإرهاب مع تولّي الجيش الأمريكي تدريب قوات الأمن العراقية على محاربة تنظيمي «القاعدة في العراق» و «الدولة الإسلامية». ومع ذلك، حري بواشنطن أن تتذكر أن الكاظمي وصل إلى السلطة في أعقاب قيام الشعب العراقي باحتجاجات مستمرة انتشرت على نطاق واسع ضد الحكومة السابقة بسبب فسادها المستشري، وعدم كفاءتها، وإذعانها لإيران. ومن خلال قيامهم بذلك، أوضح أولئك المتظاهرون، الذي يتألفون بمعظمهم من الشباب ويتمتعون بروح تحدٍّ قومية، أنهم يريدون حكومة قائمة على ركائز صلبة، ومستعدة للعمل من أجل تحقيق المنفعة الاقتصادية والسياسية للعراق.

واليوم أصبحت الفرصة متاحة أمام الولايات المتحدة لمواكبة هذه الرؤية الواعدة من خلال تعزيز قيادة الكاظمي وترسيخها والتعبير عن دعمها للأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعتبر الأكثر أهمية بالنسبة لغالبية الشعب العراقي. ومن شأن القيام بذلك أن يشير إلى أن واشنطن لم تعد تعتبر البلاد أولوية ثانوية بعد المشكلة الإيرانية؛ كما أنه سيعزز الجهود العراقية لمواجهة النفوذ الإيراني السلبي. بإمكان كلتا الحكومتين تحقيق هذه الأهداف من خلال إبقاء التوقعات متواضعة والتركيز على الإنجازات غير الأمنية.

وستعقب زيارة الكاظمي إجراء الجولة الثانية من “الحوار الاستراتيجي” بين الولايات المتحدة والعراق، من خلال الاستفادة من الاجتماع الافتراضي الذي عُقد في حزيران/يونيو. ويهدف “الحوار الاستراتيجي” إلى إضفاء الطابع المؤسسي على الرؤية المنصوص عليها في “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” بين الولايات المتحدة والعراق لعام 2008 – وهي خارطة الطريق المتفق عليها لجعل العلاقة الثنائية ناضجة عبر مجالات متعددة، بما فيها التعاون الثقافي والتعليمي والعلمي. ومن خلال توضيح ركائز الشراكة الواسعة بين الحكومتين والشعبين فيما يتخطى البُعد العسكري، بإمكان هذه العملية أن توفر الاستمرارية على مر السنين مع تغيّر الإدارات في بغداد وواشنطن.

الخطوات الأولى للمضي قدماً في السياسة الأمريكية

على الرغم من تركُّز اهتمام الرأي العام الأمريكي حالياً على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر، ومرض “كوفيد-19″، والاقتصاد، إلّا أنه من المرجح أن يتابع الشعب العراقي عن كثب مشاهد زيارة الكاظمي ونتائجها. ولا شك في أن الكثير منهم لاحظ قلة الاحترام التي تعاملت بها طهران مع رئيس حكومتهم. فحين وصل إلى إيران والتقى بالمرشد الأعلى علي خامنئي في 21 تموز/يوليو، لم تتعنَّ الحكومة الإيرانية حتى برفع العلم العراقي. بعد ذلك، كتب خامنئي سلسلة من التغريدات التي تهدد الوجود الأمريكي في العراق، موضحاً بشكل وافٍ بأنه ينظر إلى البلاد على أنها مجرد ساحة للمنافسة، وليست دولة مستقلة ذات سيادة. علاوةً على ذلك، لم يتم الإعلان عن أي صفقات اقتصادية مهمة أو جديدة خلال تلك الزيارة – مع أنها من المنجزات المعتادة في زيارات رؤساء الدول والحكومات. وبمكن القول باختصار، أن إيران جعلت رحلة الكاظمي تدور حول الولايات المتحدة، الأمر الذي أرغمه على اتخاذ موقف دفاعي نال تغطيةً سلبية في الصحف العراقية.

من هنا، يجب على المسؤولين الأمريكيين معاملة الكاظمي بطريقة مختلفة تماماً، أي استقباله بمراسم التكريم التي تليق بزيارة رئيس دولة وتجنب الخطوات التي تجعل الزيارة تبدو وكأنها تدور حول إيران. ومن شأن الرسالة التي تنقلها زيارة تقوم على الاحترام وتغيب عنها مظاهر الأحداث المثيرة أن تكون واضحة للشعب العراقي – وهي أن الولايات المتحدة لا تريد عراقاً ضعيفاً مديناً لطهران أو واشنطن، بل تسعى إلى علاقة دبلوماسية لائقة تتعاون فيها الحكومتان في السعي لتحقيق نتائج مقبولة للطرفين.

يجب أيضاً الاستفادة من هذه الزيارة للإعلان عن تقديم مساعدة أمريكية إضافية بشأن مرض “كوفيد-19” وتوضيح المواقف الاقتصادية لكلا الجانبين – فمن ناحية، يجب التوضيح بأن الولايات المتحدة تدعم الانتعاش الاقتصادي للعراق، ومن ناحية أخرى أن العراق مفتوح للأعمال التجارية. بإمكان إدارة ترامب ويجب عليها المساعدة في تعريف الشركات الأمريكية بالفرص المتاحة في العراق، شريطة أن تتخذ بغداد الخطوات اللازمة لخلق مناخ أعمال جذاب. كما يجب عليها مواصلة السياسة الأمريكية القائمة منذ مدة طويلة والمتمثلة في توسيع صفقات الطاقة، والعلاقات التجارية، والاستثمارات في العراق، لا سيما من قبل الحكومات العربية. على سبيل المثال، تحث وزارة الخارجية الأمريكية على إحراز تقدم في الجهود المبذولة لربط شبكة الكهرباء في العراق مع تلك القائمة في دول الخليج عبر “هيئة الربط الكهربائي لدول «مجلس التعاون الخليجي»”. إن الإعلان عن شراكة مع شركة أمريكية أو غربية لتحسين إنتاج الغاز و[شبكة] الكهرباء المحلية في العراق سيكون مكسباً خالصاً للأعمال التجارية الأمريكية، بينما يرسل أيضاً إشارة إيجابية لملايين العراقيين الذين يعانون من نقص الكهرباء السنوي خلال موجات الحر الصيفية، والتي تحطّم الأرقام القياسية هذا العام.

وبالتالي، سيوفر الاجتماع الثاني لـ “الحوار الاستراتيجي” فرصاً للتعبير عن الزخم اللازم للمضي قدماً وإظهار أن واشنطن تفي بالتزاماتها. يجب أن يكون المسؤولون الأمريكيون على استعداد للإعلان عن إحراز تقدم منذ اجتماع حزيران/يونيو عبر خطوتين رئيسيتين: عرض خطة إيفاد مستشارين اقتصاديين إلى بغداد، وتقديم حزمة مساعدات لدعم استعدادات العراق للانتخابات الوطنية في العام المقبل. بإمكان المستشارين الاقتصاديين مساعدة الوزارات العراقية على تنفيذ الإصلاحات اللازمة للحصول على القروض من المؤسسات المالية الدولية، في حين من شأن الدعم الانتخابي من قبل الولايات المتحدة (والأمم المتحدة) أن يعزز ثقة الشعب العراقي بأن صوته مهّم. كما تأخر كثيراً إلقاء نظرة فاحصة على الخلافات المتقلبة بين بغداد و”إقليم كردستان العراق”، والتي تضيف إلى المناخ العام للبلاد المتمثل بعدم اليقين السياسي والمخاطر الاقتصادية.

الإعداد لانتخابات ذات مصداقية

ستكون الانتخابات المبكرة المتوقعة في الصيف أو الخريف من العام القادم الإنجاز الهام التالي للعراق وعلاقاته الخارجية. وكانت الأحزاب التي تديرها الميليشيات قد فازت في انتخابات عام 2018، التي شهدت إقبال منخفض وكانت مشبوهة إلى حدٍّ كبير، مما زادت من عزلة البلاد في المنطقة وفاقمت الخلل الحكومي. وإذا تكرر هذا السيناريو، فمن شأنه أن يرسّخ وجهة النظر التي يتبناها الكثيرون في الخارج، وهي أن الفساد وعدم الاستقرار أمران دائمان في العراق، وهذا ما يُضعف احتمالات توسيع الشراكة الثنائية إلى ما يتخطى قطاع الأمن. وفي المقابل، فإن إجراء انتخابات ذات مصداقية بتأييد من المجتمع الدولي من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه لمرحلة جديدة في العلاقات.

وبهذا المعنى، يقع العبء على العراق – فمن الضروري أن يعمل قادته على إصلاح قانون الانتخابات، ولجنة الانتخابات، وقوانين عمل الأحزاب السياسية، بينما من الضروري [أيضاً] أن يستمر مواطنوه في المطالبة بالمساءلة والشفافية. على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي تقديم المساعدة الفنية والضغط العام المستمر لتشجيع [إجراء] عملية انتخابية إيجابية، وكذلك الاستعداد لرفض الانتخابات إذا شابها العنف أو إذا حدث تزوير للأصوات على نطاق واسع.

وفي غضون ذلك، بإمكان حكومة تصريف الأعمال برئاسة الكاظمي تشجيع قيام تعاون أمريكي أكبر من خلال اتخاذ عدة خطوات بنفسها. وتشمل هذه التعامل بحزم أكبر لإعادة التوازن في علاقاتها الخارجية، على أساس خدمة مصالح الشعب بدلاً من النخب السياسية فقط؛ ووقف الممارسات الاقتصادية الإيرانية الافتراسية لصالح التجارة ذات المنفعة المتبادلة، وخاصة عن طريق تحويل العلاقات من المزيج الحالي لشبكات الميليشيات والمافيا إلى القنوات الحكومية العادية المستخدمة لتنظيم قوانين المعاملات مع جميع الدول الأجنبية الأخرى؛ والاعتراف بالموافقة الدولية التي تترافق مع الترحيب بالشركات الأمريكية. وستلقى هذه الإجراءات، جنباً إلى جنب مع الاعتراف الإيجابي بالمساعدة الأمريكية، ترحيباً حاراً من كلا جانبَي الطيف السياسي الأمريكي.

التقدم التدريجي لا يزال قيد التحقيق

لا يجدر بواشنطن أن تتوقع من الكاظمي إحداث تحولات كبيرة في نقاط الضعف المؤسسية التي كانت في طور التكوين لعقود. ومع ذلك، لا يزال يتعين على صانعي السياسات تقييم إرادته السياسية لرسم مسار جديد للبلاد، وتقديم الدعم اللازم له مع تخفيف مستوى التوقعات. وتتخذ حكومته بالفعل خطوات مهمة ينبغي الترحيب بها في واشنطن، مثل اعتقال عناصر الميليشيات المدعومة من إيران الذين كانوا يخططون لشن هجوم صاروخي على المجمع الذي يضم السفارة الأمريكية في وسط بغداد، والعمل على محاسبة أفراد الأمن العراقيين على تورطهم في قتل المتظاهرين، والضغط على مجلس النواب للحصول على دعم لتقليص القطاع العام المتضخم، وإرسال كبار المسؤولين لتحسين العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج، وتحديد تاريخ مستهدف لإجراء انتخابات مبكرة.

إن جهود الكاظمي لارتداء عباءة الإصلاح وانتزاع السيادة من الجهات الفاعلة غير الحكومية هي مهمة شاقة نظراً إلى التغلغل المستمر للأموال الفاسدة في السياسة، والمقاومة الشرسة من قبل الميليشيات التي تتصرف دون عقاب، مستفيدةً جزئياً من داعميها الإيرانيين، ونقاط الضعف الهيكلية المتأصلة في الحوكمة والاقتصاد في فترة ما بعد الصراع. ولكن على الرغم من هذه التحديات، تتماشى الرؤية الأمريكية للعراق مع رؤية الشعب العراقي وقيادته الجديدة – في توجّه سياسي جديد يعطي الأولوية لاحترام الدولة كمظلة للهويات العرقية والطائفية [المختلفة]. ومن خلال تعزيز الاستقرار الداخلي، والشمولية السياسية، والمرونة الاقتصادية، يمكن لهذه الرؤية المشتركة أن تساهم في جعل العراق شريكاً استراتيجياً أكثر قيمةً للولايات المتحدة.

 

دانا سترول هي “زميلة كاسين” في معهد واشنطن وعضو أقدم سابق من الملاك المهني في “لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي”. بلال وهاب هو “زميل واغنر” في المعهد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق