مدى دستورية وقانونية الاتفاق الثنائي لرئيس الوزراء العراقي والوفد المفاوض لحكومة إقليم كردستان- العراق
الدكتور مصدق عادل
كلية القانون – جامعة بغداد
مركز حمورابي للدراسات الاستراتيجية
أقدم رئيس مجلس الوزراء بتاريخ 15/8/2020 على الاتفاق مع الوفد المفاوض لإقليم كردستان على حسم العديد من الملفات العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، ولعل من أهمها الكمارك وحصة الإقليم الأخرى في الموازنة العامة الاتحادية.
وأول ما يُلاحظ على هذا الاتفاق أنه لم يصدر في صيغة محضر مشترك يوقع من جميع أطراف التفاوض وموقع من كلا الجانبين المفاوضين، وإنما تم بناء على التوجيه الشخصي لرئيس مجلس الوزراء، ومن ثم لم يصار إلى عرض الموضوع على أنظار مجلس الوزراء العراقي كما يستوجبه الدستور.
أي: إنَّ رئيس مجلس الوزراء قد استخدم الصفة الممنوحة له وفق المادة (78) من الدستور العراقي بأنه (المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة)، وقام بإبرام هذا الاتفاق بصورة شخصية دون عرضه على مجلس الوزراء.
فيما تتمثل ثاني الملاحظات في أنَّ الاتفاق المذكور قد تم توجيهه إلى وزير المالية بتوقيع الأمين العام لمجلس الوزراء، وليس بتوقيع رئيس مجلس الوزراء أو مدير مكتبه، إذ لم يسبق لمجلس الوزراء الموافقة عليه من أجل أنْ يصار إلى تكليف الأمين العام بإجراء المخاطبة الخاصة به، ورغم ذلك يُلاحظ أنه تم محاولة إضفاء بعض اللمسات القانونية على الاتفاق بإضافة شرطين جديدين، يتمثل أولهما: بتأييد الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء على ما جاء في الفقرة (2/أ) من المحضر، فيما يتمثل ثانيهما: بمراعاة تنزيل إيرادات الإقليم النفطية وغير النفطية وفقاً لقانون الإدارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019.
ورغم أنَّ ظاهر الحال يوحي التزام الاتفاق أعلاه بالدستور والقوانين النافذة، غير أننا نرى أنه قد احتوى على العديد من المخالفات الدستورية والقانونية، إذ يتمثل أولها في انعدام السند الدستوري للفقرة (1/أ و ب) من الاتفاق المتعلق بتوحيد إجراءات المنافذ الحدودية بالأتمتة والتعرفة الكمركية الموحدة، إذ إنَّ المادة (114/أولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 تنص على الإدارة المشتركة بين السلطة الاتحادية وسلطة الإقليم في إدارة الكمارك، وينظم ذلك بقانون، ومن ثم يُلاحظ عدم الالتزام بنص الدستور فيما يتعلق بتشكيل فريق فني من موظفي الطرفين يتولى مراقبة تنفيذ الاتفاق، إذ إنَّ الإدارة المشتركة – وفق النص الدستوري – توجب اشراك موظفين من الحكومة الاتحادية في إدارة المنافذ الحدودية أو الإشراف المباشر لموظفي الحكومة الاتحادية على عمل المنافذ الحدودية في إقليم كردستان- العراق، وهو الأمر الذي لم يحصل، ولم يتم النص عليه في الاتفاق.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه لا يوجد سند دستوري أو قانوني للتعاقد مع شركة خارجية (أجنبية) والاتفاق على التحاسب الكمركي، إذ تنص المادة (34/ثانياً/ب) قانون الإدارة المالية رقم (6) لسنة 2019 على أنه (تدقق البيانات المالية لوحدات الإنفاق والبيان الختامية للإقليم من ديوان الرقابة المالية في الإقليم بالتنسيق مع ديوان الرقابة المالية الاتحادي)، كما تنص المادة (10) من قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (1) لسنة 2019 على أنه (أولاً: تتم تسوية المستحقات بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية للسنوات٢٠٠٤ ولغاية ٢٠١٨ بعد تدقيقها من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي وذلك باحتساب حصة إقليم كُردستان في ضوء المصاريف الفعلية للسنوات السابقة التي تظهرها الحسابات الختامية المصادق عليها من ديوان الرقابة المالية الاتحادي. ثانيـاً: أ- تلتزم حكومة اقليم كردستان بتصدير ما لا يقل عن (٢٥٠٠٠٠) برميل(مائتين وخمسين ألف برميل نفط) خام يومياً من النفط الخام المنتج من حقولها لتسويقها عن طريق شركة (سومو) وعلى أنْ تسلم الإيرادات النفطية الى الخزينة العامة للدولة حصراً).
وبهذا نرى أنَّ تكليف شركة أجنبية للتحاسب الكمركي يشكل مخالفة قانونية صريحة للقانونين المذكورين أعلاه، إذ إنه يشكل تعديلاً للطريق القانوني المحدد، وهو اخضاع حسابات إقليم كردستان لرقابة ديوان الرقابة المالية، وتحويله إلى طريق آخر غير منصوص عليه قانوناً(التدقيق من شركة أجنبية)، وهو الأمر الذي لا يملكه رئيس مجلس الوزراء، الذي يتوجب عليه (تطبيق التشريعات بأمانة وحياد) وفق صيغة اليمين الدستورية المنصوص عليها في المادتين (50) و(79) من الدستور، إذ إنَّ اللجوء إلى الشركة الأجنبية للتحاسب الكمركي ينطوي ضمناً على اللجوء إلى طريق التحكيم الدولي خلافاً لنصوص الدستور التي تحدد العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان بأنها علاقة داخلية تنظيمية محكومة بنصوص الدستور والقوانين النافذة، وهو الأمر الذي من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، مع ما يترتب على ذلك من نتائج خطيرة أهمها: إنَّ تقرير شركة المحاسبة الأجنبية سيكون ملزماً لمجلس الوزراء وكذلك مجلس النواب رغم عدم إعطاء الموافقة على هذا الإجراء، ورغم أنه لم يقم رئيس مجلس الوزراء باتخاد الاحتياطات والإجراءات التي تتعلق بالحد من المخاطر المتعلقة بالتأثير على التقرير الذي ستصدره هذه الشركة الأجنبية، ناهيك عن المخالفة الصريحة لنصوص قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2019 وقانون الإدارة المالية اللذان لم يتحدثا عن مثل هكذا حلول سياسية ترقيعية.
وبهذا فإنَّ لجوء الاتفاق إلى شركات أجنبية (بصيغة التحكيم الدولي)، لا يوجد له أي غطاء دستوري أو قانوني، بل إنه يشكل خروجاً صريحاً على مضمون الاختصاصات المشتركة وفق المادة (114) من الدستور، وكذلك خروجاً عن سيادة القانون وفق المادة (5) من الدستور، ويشكل سابقة خطيرة في طبيعة العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان- العراق تمهد الطريق لتدويل المشاكل العراقية العالقة.
أما بالنسبة إلى العمل بالتعرفة الكمركية الموحدة فتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من صدور قانون التعرفة الكمركية رقم (22) لسنة 2010 غير أنَّ المادتين (115) و (121/ثانياً) من الدستور تجيز للإقليم تعديل القانون الاتحادي في هذه المسألة، لذا فإنَّ الاتفاق المذكور لم يستند الى أُسس دستورية وقانونية سليمة، يستوي في ذلك بالنسبة إلى القوانين الاتحادية أو قوانين الإقليم.
وفيما يتعلق بالبند (د) المتعلق بوضع تعليمات دخول مواد الاستيراد وفقاً لقانون الكمارك الاتحادي رقم (23) لسنة 1984، فتجدر الإشارة إلى وجوب اخضاعه للمادة (110/ثالثاً) من الدستور، إذ إنَّ رسم السياسة الكمركية يُعد من الاختصاصات الصريحة للحكومة الاتحادية ممثلة بـ(مجلس الوزراء)، ومن ثم يتوجب أنْ تكون هذه الضوابط صادرة في صورة نظام من مجلس الوزراء وفق المادة (80/ثالثاً) من الدستور، وليس وفق الآلية المذكورة في الاتفاق.
أما فيما يتعلق بتمويل الإقليم بمبلغ (320 مليار) دينار عراقي فمع الإقرار بحق أبناء شعبنا الكردي في المساواة أمام القانون وفق المادة (14) من الدستور، غير أنَّ هذا التمويل يتعارض مع المادة (27) من الدستور التي تنص على أنَّ (اولاً: للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن)، وهي مرتبطة بالمادة (111) من الدستور التي تنص على أنَّ النفط والغاز ملك كل الشعب العراقي، فضلا ًعن عدم جواز الاستناد إلى قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (1) لسنة 2019، وذلك لانتهاء العمل به بتاريخ 1/1/2020.
فيما تتمثل المخالفة الدستورية الأخرى التي احتواها الاتفاق في الإقرار الصريح في البند (2/أ/اولاً) بعدم وجود موازنة اتحادية لعام 2020 لغاية الآن، وهو الامر الذي يشكل مخالفة دستورية صريحة للمادة (62/اولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي تنص على أنه (أولاً: يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي إلى مجلس النواب لإقراره)، فضلاً عن مخالفة المادة (11) من قانون الإدارة المالية رقم (6) لسنة 2019.
وبناءً على ما تقدم يمكن القول بعدم استناد الاتفاق الشخصي بين رئيس الوزراء والوفد المفاوض لحكومة إقليم كردستان- العراق إلى أسس دستورية وقانونية سليمة، إذ لا يعدو عن كونه اتفاقاً سياسياً، تضمن تنازل الحكومة الاتحادية عن المستحقات السابقة من إيرادات النفط المُصدر من إقليم كردستان- العراق، وكذلك الإيرادات السابقة للمنافذ الحدودية مع الاحتفاظ بالحصة المالية للإقليم على حساب المحافظات العراقية الأخرى المنتجة للنفط ومنها البصرة والعمارة، كما أنه سيشكل بوابة أو واجهة صورية لتسويف المبالغ المدينة لحكومة الإقليم عن طريق إدخال شركة محاسبة أجنبية.
لذا فإننا ندعو مجلس النواب الى سلوك أحد الطريقين: أما أنْ يصار إلى تقديم طلب من (25) نائب يتضمن طرح موضوع عام للمناقشة وبحضور السيد رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية لبحث هذا الموضوع وعدم تكراره وبالأخص بعد قيام وزير المالية السابق بصرف مبلغ (6) مليار دينار للإقليم خلافاً للقوانين النافذة، أو أنْ يصار إلى تشكيل لجنة تحقيق نيابية تتولى التحقيق في أسباب هذا الإجراء غير الدستوري وغير القانوني وتحديد (30) يوماً للجنة لتقديم تقريرها النهائي إلى مجلس النواب.
وفي الوقت ذاته ندعو اللجنة المالية النيابية وديوان الرقابة المالية الاتحادية ولجنة النزاهة النيابية إلى تدقيق هذا الاتفاق من حيث انسجامه مع النصوص الدستورية والقانونية النافذة، وكذلك السياقات المالية.
كما ندعو رئيس مجلس الوزراء إلى الالتزام بالدستور والقوانين النافذة، والمحافظة على المال العام، وعدم اللجوء إلى الشركات الأجنبية، سواء للتحاسب الكمركي أو للتدقيق في ملفات الفساد المالي والإداري وعلى غرار ما سلكته الحكومات السابقة إلا بعد عرض الموضوع على مجلس الوزراء واستحصال الموافقة على ذلك.
وندعو الحكومة العراقية إلى منح الحكومات المحلية في المحافظات المنتجة للنفط حصتها من البترودولار البالغة (5) دولار عن كل برميل وأسوة بإقليم كردستان.