تحليلات واراءسلايدر
إدارة مناصب الدرجات الخاصة والمدراء العامون ومن بدرجتهم بالوكالة…إلى أين؟
د. مصدق عادل
كلية القانون – جامعة بغداد
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن العراقي إجراء الإصلاحات الإدارية، وقيام كلُّ من مجلس النواب ومجلس الوزراء بإنهاء ملف إدارة الدرجات الخاصة بالوكالة والمدراء العامون ومن بدرجتهم، باعتبار أنَّ استمرار المعينون وكالة في مناصبهم دون تثبيت أو تعيين أصولي يُعدّ أحد صور الفساد المالي والإداري في الدولة العراقية، كما يشكل صورة من صور انتهاك الدستور والقوانين النافذة، وعلى الرغم من ذلك غير أنَّ الواقع العملي يشير خلاف ذلك، وعدم وجود بوادر لإنهاء هذه الظاهرة.
ويتوجب علينا من أجل تحديد مسؤولية كلُّ من مجلس النواب ومجلس الوزراء بوجوب التفرقة بين آليات تعيين ذوي الدرجات الخاصة كرؤساء بعض الهيئات المستقلة ونوابهم ووكيل الوزارة والمستشار، وبين آليات تعيين المدراء العامون ومن بدرجتهم كمساعدي رؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء بعض الدوائر.
ففيما يتعلق بالدرجات الخاصة فإنَّ المنظومة القانونية التي تحكم تعيينهم تتمثل بنصوص دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وقانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018، وقانون الموازنة العامة الاتحادية والقوانين الخاصة بكل وزارة أو هيئة مستقلة، وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل ذات الصلة ومنها القرار رقم (1077) لسنة 1981.
وتمر مرحلة تعيين الدرجات الخاصة وفق النصوص أعلاه بثلاثة مراحل، أولها مرحلة اقتراح التعيين من الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التوصية بالتعيين، والتي تتم بتوصية تصدر بقرار من مجلس الوزراء وفقاً لأحكام المادة (80/خامساً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، فيما تتمثل المرحلة الثالثة بمرحلة المصادقة على التعيين من قبل مجلس النواب الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب وفقا ًلأحكام المادة (61/خامساً) من الدستور.
وفي حالة عدم استيفاء الإجراءات الدستورية والقانونية لتعيين ذوي الدرجات الخاصة خلال (6) أشهر كحد أقصى فإنه يتوجب تطبيق نص المادة (44) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018 التي تنص على أنه (ثانياً: يمارس المعينون وكالة مهامهم لمدة لا تزيد على (ستة) أشهر من تاريخ التعيين، وعلى الجهة المعنية بالاقتراح التوصية بالتعيين إلى المجلس خلال (ثلاثة) أشهر من تاريخ التعيين، وعلى المجلس البت بهذه التوصية خلال (ثلاثة) أشهر من تاريخ استلامها).
وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى عدم إمكانية تطبيق المادة (58) من قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (1) لسنة 2019 (المعدل) المتعلقة بتحديد مدة الوكالة لمدة (ستة) اشهر(1)، وذلك لانتهاء نفاذ هذا القانون بتاريخ 31/12/2019.
وبناء على ما تقدم فإنه بإمكان الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة أنْ يقوم بإنهاء من سبق وأنْ تم ترشيحه لإشغال إحدى الدرجات الخاصة كوكيل الوزارة أو المستشار أو غيرها طالما انتهت مدة (6) أشهر من تاريخ إصدار الأمر الوزاري بتعيينه، مع ضرورة إيقاف مخصصات المنصب الاستثنائية المصروفة خلافاً للدستور والقوانين النافذة البالغة (4) مليون دينار.
أما بالنسبة إلى تعيين المدراء العامون فتتمثل التشريعات التي تنظم تعيينهم بقانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 وقانون مجلس الوزراء رقم (20) لسنة 1991، وقانون كل وزارة وهيئة على حدة، بالإضافة الى قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (12) لسنة 1997.
وتمر آلية تعيين المدير العام أو من بدرجته بمرحلتين هما: مرحلة اقتراح التعيين التي تتم من قبل الوزارة أو الهيئة أو الجهة غير المرتبطة بوزارة، فيما تتمثل المرحلة الثانية بمرحلة الموافقة على التعيين بقرار يصدر من مجلس الوزراء، وبهذا فإنَّ رئيس مجلس الوزراء لا يحل محل مجلس الوزراء في ممارسة آلية تعيين المدراء العامون.
والاستثناء على هذه القاعدة يتمثل بتعيين المدير العام وكالة وفقا ًلقرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم (12) لسنة 1997 الذي ينص على أنه (اولاً: إذا شغرت وظيفة مدير عام لأي سبب كان فللوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة، ان يكلف من بين اقدم وأكفأ موظفي الدائرة، أو الوزارة أو الجهة عند الاقتضاء ،الحاصلين على شهادة جامعية أولية في الاقل في الاختصاص ذي العلاقة بعمل الدائرة أو في الاختصاص المقارب له ، بتولي إدارتها وكالة ولمدة لا تزيد على ثلاثة اشهر الى حين تعيين مدير عام أصيل لها).
أي: إنَّ المدة القصوى للتعيين أو التكليف بمنصب المدير العام وكالة تتمثل بـ(3) أشهر، ولا يجوز تمديدها بإصدار أوامر وزارية أو إدارية، وذلك لصراحة النص المذكور أعلاه وعدم إلغائه صراحة أو ضمناً بقانون لاحق.
ولهذا يتوجب الاستمرار بصرف رواتب المدير العام ومخصصات المنصب البالغة (2) مليون دينار لمدة (3) أشهر فقط، وبعدها يصار إلى قطعها في حالة عدم صدور القرار من مجلس الوزراء بالتثبيت أو التعيين الأصولي في المنصب.
وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى عدم دستورية وقانونية قيام مكتب رئيس الوزراء بإصدار الإعمام المرقم 871 في 15/6/2020 المتضمن عدم إجراء تغييرات في تعيينات الدرجات الخاصة والمدراء العامون إلا بعد استحصال موافقة رئيس مجلس الوزراء، مع ضرورة مفاتحة مكتب رئيس مجلس الوزراء بشكل مباشر في حال طلب أي تدوير أو تعيين أو تنسيب أو تكليف للدرجات آنفاً.
ويكمن السبب في ذلك أنَّه لا الدستور ولا القوانين المتعلقة بتعيين الدرجات الخاصة والمدراء العامون قد منحت لرئيس مجلس الوزراء أو مدير مكتبه صلاحية الموافقة على التعيين أو الإعفاء، والقول بخلاف ذلك معناه تعطيل للنصوص القانونية التي حددت المدد والإجراءات المتعلقة بالتعيين والإعفاء، ورسم طريق آخر للتعيين.
وبناء على ما تقدم فإنَّ المسؤولية الدستورية والقانونية يتحملها مجلس النواب كاملة وذلك عن عدم استكمال تعيين ذوي الدرجات الخاصة من السفراء ووكلاء الوزارات والمستشارون ورؤساء بعض الهيئات المستقلة ونوابهم ورؤساء بعض الدوائر ومن بدرجتهم، إذ يتوجب تفعيل المادتين (61/خامساً) و(80/خامساً) من الدستور، فضلاً عن ضرورة تفعيل العمل بالمادة (44/ثانياً) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018.
لذا ندعو مجلس النواب الى الالتزام بنصوص الدستور والقوانين النافذة، كما ندعوه إلى ممارسة الرقابة على اعمال الحكومة ممثلة برئيس مجلس الوزراء والوزراء ورؤساء الهيئات المستقلة فيما يتعلق بعدم استكمال أو ارسال اقتراح تعيينات ذوي الدرجات الخاصة من وكلاء الوزارات وغيرهم.
كما ندعو مجلس الوزراء إلى استكمال التصويت على تعيينات المدراء العامون ومن بدرجتهم المعينون وكالة أو رفضهم بصورة صريحة، وعدم ترك هذا الملف دون حلول جذرية ونهائية، تساهم في تحقيق الإصلاح الإداري وسيادة القانون وبناء المؤسسات على أسس دستورية وقانونية سليمة.
وفي الوقت ذاته ندعو رئيس مجلس الوزراء إلى إلغاء الأعمام المرقم (871) في 15/6/2020 وذلك لأنه (لا اجتهاد في مورد النص)، فضلاً عن أنَّ الصلاحيات المخولة له بصفته رئيس مجلس الوزراء وفق المادة (78) من الدستور تتمثل بقيامه عرض أسماء الدرجات الخاصة والمدراء العامون على انظار مجلس الوزراء، ومن ثم لم يرد أي نص صريح أو ضمني بتخويلها إلى مدير المكتب، لأنه حتى في حالة التسليم بقيام مجلس الوزراء بإصدار قرار يخول فيه رئيس مجلس الوزراء صلاحية الموافقة على تعيينات المدراء العامون وبدرجتهم، فإنه بالمقابل لا يجوز تفويض هذه الصلاحيات مرة أخرى بالاستناد إلى المبدأ القانوني (الصلاحيات المفوضة لا تقبل التفويض).