ابحاث ودراساتسلايدر
إشكاليات إجراء الانتخابات النيابية المبكرة في منتصف حزيران 2021 (المعوقات والحلول)
شؤون دستورية
د. مصدق عادل
كلية القانون- جامعة بغداد
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
أعلن رئيس مجلس الوزراء العراقي بتاريخ (31 تموز 2020) من خلال خطاب إعلامي متلفز موعد إجراء الانتخابات المبكرة لمجلس النواب العراقي بتاريخ 6 حزيران 2021، ونرى أنَّ هذا الإعلان غير ملزم لمجلس النواب، كما أنه يتعارض مع نصوص الدستور والقوانين النافذة من النواحي الآتية:
1- عدم وجود سند دستوري صريح أو ضمني يمنح رئيس مجلس الوزراء هذه الصلاحية، إذ بالرجوع إلى المادة (78) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نجدها لم تتضمن أي إشارة إلى هذه الصلاحية.
2- إنَّ تحديد هذه الموعد بصورة مستقلة من رئيس مجلس الوزراء يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي اعتنقه الدستور في المادة (47) منه التي تنص على أنْ (تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات)، إذ إنَّ إعلان الانتخابات المبكرة من رئيس مجلس الوزراء دون حل مجلس النواب يشكل انتهاكاً صارخاً لهذا المبدأ.
3- مخالفة تحديد الموعد المبكر للانتخابات للمادة (56) من الدستور التي حددت مدة ولاية مجلس النواب بأربع سنوات بالنص على انه (أولاً: تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب (أربع) سنواتٍ تقويميةٍ، تبدأ بأول جلسةٍ له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة. ثانياً: يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل (خمسةٍ واربعين) يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة)، فالنص واضح وصريح، ولم يمنح أي سلطة انهاء مدة الدورة الانتخابية وإجراء انتخابات مبكرة في أي وقت يشاء، ومن ثم فإنَّ تحديد الموعد المذكور أعلاه قد خالف الدستور الذي لم يجز إنهاء الولاية، ولو أراد المشرع الدستوري ذلك لما اعوزه النص على ذلك صراحة، وبالتالي بالإمكان تطبيق المادة (13/ثانياً) من الدستور العراقي التي تنص على (ثانياً: لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نصٍ يرد في دساتير الأقاليم، أو أي نص قانوني آخر يتعارض معه). فإذا كان البطلان جزاءً يلحق كل قانون مخالف للدستور، فمن باب القياس يلحق البطلان كل امر ديواني أو تصريح إعلامي يصدر من رئيس مجلس الوزراء يخالف نصوص الدستور أيضاً.
4-إنَّ التحديد المبكر لانتخابات مجلس النواب من رئيس مجلس الوزراء يخالف أحكام المادة (64) من الدستور العراقي التي تنص على انه (أولاً: يُحل مجلس النواب بالأغلبية (المُطلقة) لعدد أعضائه، بناءً على طلب من (ثُلث) أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء. ثانياً: يدعو رئيس الجمهورية عند حل مجلس النواب إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها (ستون) يوماً من تاريخ الحل، ويُعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية).
فالنص الدستوري واضح وصريح ويجيئ منسجم مع المادة (56/اولاً) من الدستور التي حددت مدة ولاية مجلس النواب بأربع سنوات، إذ إنَّ الاستثناء الوحيد الذي يرد على هذه المدة هو (حل مجلس النواب) وفق إجراءات دستورية معقدة، وليس تحديد موعد للانتخابات دون أنْ يسبق ذلك حل المجلس، فلا يملك رئيس مجلس الوزراء سوى اقتراح حل مجلس النواب، والذي يتوجب معه أنْ يصار بعد ذلك إلى موافقة رئيس الجمهورية، ومن ثم موافقة مجلس النواب على الحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، أما بالنسبة إلى الدعوة إلى الانتخابات المبكرة – بعد حل مجلس النواب – فهي من الاختصاصات الحصرية الشخصية الممنوحة لرئيس الجمهورية فقط، وليس لرئيس مجلس الوزراء، كما أنها محددة بمدة (60) يوماً، والقول بخلاف ذلك يشكل تحايلاً على النصوص الدستورية وانتهاكاً صريحاً لأحكام الدستور.
5- مخالفة وانتهاك الاستقلال الإداري والفني الذي تتمتع به المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وفق المادة (102) من الدستور والتي تختص بالاشتراك في تحديد موعد إجراء الانتخابات النيابية، إذ تنص على ان (تُعد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات… هيئات مستقلة، تخضع لرقابة مجلس النواب، وتُنظم أعمالها بقانون)، كما أنه وفقاً لأحكام المادة (1/ثانياً) من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (31) لسنة 2019 فقد اختصت المفوضية بإعلان موعد الانتخابات.
6- مخالفة المادة (80) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي تنص على أنْ (يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الآتية: أولاً: تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة، والخطط العامة، والإشراف على عمل الوزارات، والجهات غير المرتبطة بوزارة)، اذ يختص مجلس الوزراء – وليس رئيس مجلس الوزراء بتحديد موعد إجراء الانتخابات المبكرة، إذ يتوجب وفق المادة اعلاه ان نفرق بين مرحلة رسم السياسة العامة ومن بينها تحديد موعد إجراء الانتخابات، والذي يختص به مجلس الوزراء، وبين مرحلة تنفيذ السياسة العامة والتي بإمكان رئيس مجلس الوزراء الاشراف على التنفيذ السليم لها.
7- مخالفة المادة (93) من الدستور التي تنص على انه (تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي : سابعاً: المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب)، وحيث أنَّ المحكمة الاتحادية العليا معطلة بموجب قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز 4/5 الهيئة العامة/2020 الصادر في 17/3/2020، فضلاً عن عدم قيام مجلس النواب بإصدار قانون جديد للمحكمة الاتحادية العليا يحل محل القانون رقم (30) لسنة 2005، كذلك عدم وجود فقهاء القانون وخبراء الفقه الإسلامي في تشكيلة المحكمة واقتصارها على القضاة فقط، خلافاً لأحكام المادة (92/ثانياً) من الدستور، لذا يكون إعلان رئيس مجلس الوزراء بتحديد موعد إجراء الانتخابات النيابية المبكرة لا يستند إلى قواعد دستورية ثابتة يمكن الاستناد إليها والتعويل عليها في ظل غياب قانون المحكمة الاتحادية العليا الجديد.
أما بالنسبة إلى المخالفات القانونية المتعلقة بتحديد موعد إجراء الانتخابات النيابية المبكرة من رئيس مجلس الوزراء فيمكن إجمالها بالآتي:
1- مخالفة تحديد موعد الانتخابات المبكر لقانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 (النافذ): تنص المادة (7) من هذا القانون على انه (ثالثاً: يحدد موعد الانتخابات بقرار من مجلس الوزراء وبالتنسيق مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ويصادق مجلس النواب عليه ويصدر بمرسوم جمهوري ويُعلن عنه بوسائل الإعلام كافة قبل الموعد المحدد لإجرائها بمدة لا تقل عن (90) يوماً).
لذا فإنه طالما لم ينشر ولم ينفذ قانون انتخابات مجلس النواب الجديد لسنة 2019، لعدم إكماله من مجلس النواب، لذا فإنه كان يتوجب على رئيس مجلس الوزراء تطبيق النصوص القانونية النافذة، وليس الاجتهاد الشخصي، إذ إنَّ القاعدة العامة المطبقة (لا اجتهاد في مورد النص)، وحيث أنَّ المادة (7/ثالثاً) من قانون الانتخابات حددت صلاحية تحديد موعد إجراء الانتخابات بقرار من مجلس الوزراء وبالتنسيق مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لذا فإنَّ الإعلان الذي قام رئيس السيد رئيس مجلس الوزراء لا يدخل ضمن الصلاحيات الممنوحة له وفق الدستور والقوانين النافذة.
2- مخالفة قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (31) لسنة 2019، الذي اختص المفوضية وليس رئيس مجلس الوزراء بإعلان موعد إجراء الانتخابات النيابية، اذ تنص المادة (1) منه على انه (تتولى الاتي: ثانياً: القيام بالإعلان وتنظيم وتنفيذ أنواع الانتخابات والاستفتاءات كافة الاتحادية والمحلية في المحافظات غير المنتظمة في إقليم).
3- بالرجوع إلى قانون مجلس الوزراء رقم (20) لسنة 1991، والنظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 فإنهما لم يمنحا رئيس مجلس الوزراء اختصاص وصلاحية تحديد موعد إجراء الانتخابات النيابية بصورة مستقلة عن مجلس الوزراء.
4- بالرجوع إلى مشروع قانون انتخابات مجلس النواب الذي صوت عليه مجلس النواب بتاريخ 24/12/2019 فانه لم يمنح رئيس مجلس الوزراء سلطة التحديد الفردي لموعد إجراء الانتخابات النيابية، لذا فلا يملك الرئيس هذه الصلاحية، إذ إنَّ صلاحية التأجيل لموعد الانتخابات في أي محافظة قد منحت لمجلس الوزراء، ومن باب أولى أنَّ تحديد الموعد يشترك فيه مجلس الوزراء ويصدر بقرار منه.
5- مخالفة الموعد المحدد لقرار محكمة التمييز الاتحادية 4/5/الهيئة العامة/2020 الصادر في 17/3/2020 والذي تضمن ان الأصل في الأشياء الاباحة طالما لم يرد نص صريح بالمنع لا يمكن تطبيقها في القواعد الإجرائية، ونرى من جانبنا ان تحديد موعد إجراء انتخابات مجلس النواب من القواعد الإجرائية، لذا فانه لا يملك رئيس مجلس الوزراء هذه الصلاحية، كون قانون الانتخابات النافذ قد جعلها منوطة باشراك المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومجلس الوزراء ولم يمنحها لرئيس مجلس الوزراء، ولقد تكرر النص ذاته في قانون التعديل الأول لقانون انتخابات مجالس المحافظات رقم (14) لسنة 2019، اذ اختص مجلس الوزراء بالتشاور مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبموافقة مجلس النواب تأجيل انتخابات مجالس المحافظات والاقضية كما له تأجيلها في محافظة أو اكثر.
6- بالرجوع إلى قانون التعديل الأول لقانون انتخابات مجالس المحافظات رقم (14) لسنة 2019 فان المادة (13) من القانون المعدلة للمادة (44/أولاً) من القانون واضحة وصريحة، إذ تنص على أنه يحدد موعد الانتخابات بقرار من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح من المفوضية يعلن عنه بوسائل الاعلام المختلفة قبل الموعد المحدد لإجرائه بـ(60) يوماً ويستثنى من ذلك انتخابات مجالس المحافظات لعام 2020 على ان تجري في 1/4/2020م)، ولهذا يثار التساؤل هل سيتم إجراء انتخابات مجالس المحافظات والأقضية بالتزامن مع انتخابات مجلس النواب من عدمه، وبالأخص في ظل وجود قانون انتخابي يختلف جملة وتفصيلاً عن قانون انتخابات مجلس النواب؟
وفي الختام فإنه لا توجد أي آليات حكومية لإيقاف تأثيرات المال السياسي في العملية الانتخابية القادمة، كما لا توجد مؤشرات واقعية تدلل على إمكانية مواجهة الامتناع الشعبي عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع مثلما شهدته انتخابات 12 أيار 2018 في ظل التردي الحاصل في تقديم الخدمات الأساسية للمواطن العراقي كالكهرباء، باعتبارها من متطلبات العيش بحياة حرة كريمة وفق نصوص الدستور.
وأمام هذه الانتهاكات الدستورية والقانونية والتحديات المرافقة لتحديد موعد إجراء الانتخابات النيابية المبكرة من رئيس مجلس الوزراء، وعدم مراعاة اجراء الانتخابات لمجالس المحافظات والاقضية أيضاً فإننا في الوقت الذي نشيد فيه بالحرص الوطني للرئيس في تحقيق مبدأ السيادة الشعبية، باعتبار الشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يُمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعِبر مؤسساته الدستورية وفق المادة (5) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 غير أننا ندعوه بالمقابل إلى ضرورة اشراك المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في تحديد هذا الموعد أو الوقوف على رأيها، فضلاً عن إصدار قرار من مجلس الوزراء بتحديد هذا الموعد، مع ضرورة مراعاة والالتزام بالنصوص الدستورية المتعلقة بحل مجلس النواب ومدة ولايته، والالتزام الحرفي بالقوانين النافذة في عملية تحديد الموعد.
كما نرى ضرورة شمول هذا الموعد ليشمل ايضاً موعد تحديد الانتخابات المحلية لمجالس المحافظات والأقضية وذلك من اجل تخفيض النفقات على كاهل الدولة العراقية، واشراك المواطن العراقي في عملية التداول السلمي للسلطة، والترسيخ لبناء دولة المواطن وسيادة القانون والمؤسسات الدستورية، وبما يعزز الحكم الرشيد في العراق.
وفي الوقت ذاته ندعو مجلس النواب إلى الإسراع في تشريع قانون جديد للمحكمة الاتحادية العليا، وعدم اللجوء إلى تعديل القانون رقم (30) لسنة 2005، لأننا – نرى – أنه لا وجود لتجربة ديمقراطية حقيقية في العراق في ظل القرارات السياسية وغير الدقيقة التي أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا في إطار رقابتها على الانتخابات النيابية السابقة.