الاستاذ المساعد.محمد عبد جري/ العراق /جامعة القادسية
يؤدي القضاء الدستوري في العراق، وتحديداً المحكمة الاتحادية العليا، دوراً مهماً في ضمان سيادة القانون وحماية الدستور من الانتهاك والحفاظ على استقرار النظام السياسي من خلال حفظ التوازن بين السلطات الدستورية وحل الخلافات السياسية التي تنشأ بينها من خلال صلاحياتها في تفسير الدستور ودورها المهم في الفصل بنتائج الانتخابات وتمارس المحكمة الاتحادية العليا عمها بكل استقلالية من دون تعرضها الى أية ضغوط من باقي السلطات الاخرى في الدولة.
والجدير بالذكر ان المحكمة الاتحادية تشكلت بوجب المادة 44 من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 الملغي، والذي كان بمثابة دستور مؤقت للعراق وقد صدر القانون رقم 30 لسنة 2005 الذي نظم احكام واختصاصات المحكمة الاتحادية، والذي نصت المادة 6 منه على صلاحية بقاء اعضاء المحكمة ورئيسها في مناصبهم مدى الحياة الا اذا اراد أياً منهم ترك العضوية بناءً على رغبته. ثم قام مجلس رئاسة الجمهورية بتعيين رئيس واعضاء المحكمة الاتحادية العليا بالمرسوم الجمهوري المرقم 398 في 30/3/2005 بناءً على ترشيحات مجلس القضاء الاعلى. واستمر عمل المحكمة برئيسها واعضائها الثمانية من دون تغيير عدا قاضي واحد تم استبداله بتاريخ 19/2/2007 .
وبعد دخول الدستور العراقي لسنة 2005 حيز التنفيذ، والذي نظم تشكيل المحكمة الاتحادية العليا وتركيبتها في المادة 92 منه، في حين نصت المادة 93 منه على اختصاصات المحكمة التي استمر عملها حتى عام 2012 حيث تم فصل رئاسة المحكمة الاتحادية عن رئاسة مجلس القضاء الاعلى من قبل مجلس النواب العراقي واصبح هناك رئيس للمحكمة الاتحادية في حين تسلم أحد القضاة الاخرين رئاسة مجلس القضاء الاعلى، الا ان المحكمة الاتحادية نقضت ذلك بموجب قرارها 87/2013 في 16/9/2013 لتعود رئاسة المحكمة ومجلس القضاء الى سابق عهدهما وتدار من قبل السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى، ثم صوت مجلس النواب العراقي بعد ذلك في جلسته ليوم 10/2/2016 على اختيار احد القضاة رئيساً اصيلاً لمحكمة التميز العراقي والذي اصبح فيما بعد رئيس مجلس القضاء الأعلى بعد صدور قانون مجلس القضاء الاعلى رقم 45 لسنة 2017 وظل قانون المحكمة الاتحادية القديم نافذاً لحد الان، والذي ينص في المادة 5 منه على عدم انعقاد المحكمة الاتحادية الا بعد حضور جميع اعضائها، وهذا النص تسبب بتعطيل عمل المحكمة الاتحادية في العراق بعد احالة القاضي فاروق السامي على التقاعد ولعدم وجود نص دستوري او قانوني يحدد آلية ترشيح وتعيين البديل بسبب قيام المحكمة الاتحادية بإلغاء النص الوحيد الذي كان نافذاً والمتمثل بالمادة 3 من الامر التشريعي لسنة 2005 بموجب القرار رقم 38 في 21/5/2019، ولعدم تشريع مجلس النواب العراقي لقانون المحكمة الاتحادية بموجب الدستور العراقي لسنة 2005 او قيامه بتعديل القانون السابق واحالة الاعضاء الاحتياط على التقاعد، الامر الذي جعل المحكمة معطلة وليس لها ان تمارس مهام عملها الدستوري لعدم اكتمال نصاب انعقادها الذي يستوجب الاجماع، ولكون الاحالة على التقاعد حصلت بالتزامن مع انتشار جائحة كورونا التي عطلت جميع المؤسسات بشكل شبه تام ومنها مجلس النواب العراقي الذي لا يعقد جلساته الا للضرورة في جلسة استثنائية يحدد موضوعها مسبقاً، مما يعني استمرار تعطيل عمل المحكمة الاتحادية لحين قيام مجلس النواب العراقي باستئناف عمله التشريعي ويعمل على تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا أو يعدل القانون الحالي ويعيدها لعمل القضاء الدستوري مرة ثانية لان الظرف الحالي لا يحتمل التأخير أكثر من ذلك كون القضاء الدستوري قضاء مهم جداً في الانظمة الديمقراطية التي تحترم الدستور والسيادة الشعبية، اما الاستمرار بهذه الحالة فقد يؤدي الى انتهاك الدستور من قبل احدى السلطات السياسية في الدولة من دون وجود رادع قانوني يواجه ذلك الانتهاك، وكذلك استبعاد اجراء انتخابات مبكرة والتي هي مطلب شعبي على اساسه تم استقالة الحكومة السابقة وتشكيل الحكومة الحالية للتحضير واستكمال اجراء انتخابات مبكرة.