ابحاث ودراساتسلايدر
عقود تراخيص الهاتف النقال في العراق بين مطرقة صلاحيات مجلس الوزراء وسندان المخالفات الدستورية والقانونية
مركز حمورابي للدراسات الاستراتيجية
الدكتور مصدق عادل طالب (مركز حمورابي للدراسات الاستراتيجية)
الاستاذ في كلية القانون – جامعة بغداد
أصدر مجلس الوزراء العراقي قرار المؤرخ في جلسة يوم 7/7/2020 المتضمن تجديد عقود تراخيص الهاتف النّقال، رغم أنَّ هذه الفقرة لم تدرج ضمن جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء في التاريخ المذكور أعلاه، غير أنَّ رئيس مجلس الوزراء استخدم الصلاحيات الممنوحة له وفق المادة (6/ثانياً) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019، ومن ثم تم التصويت على القرار بأغلبية عدد الأصوات الحاضرين من الوزراء بعد تحقق النصاب القانوني لانعقاد الجلسة، وما كان من مجلس النواب العراقي – وبضمنها لجنة الإعلام والاتصالات – إلا الاعتراض على هذا القرار من خلال البيانات أو المخاطبات أو التصريحات الإعلامية غير المؤثرة.
ومن امعان النظر في القرار أعلاه نجد ان الصلاحيات الدستورية لمجلس الوزراء قد حُددت بموجب أحكام المادة (80) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وليس من بينها منح المجلس صلاحية تجديد عقود تراخيص الهاتف النقال، وهو الأمر الذي يمكن معه القول بعدم وجود سند دستوري لقرار مجلس الوزراء بتجديد عقود تراخيص الهاتف النقال.
وينطبق الحكم ذاته بالنسبة الى رئيس مجلس الوزراء، ففي الوقت الذي يملك فيه صلاحية إدراج فقرة جديدة ضمن جدول أعمال مجلس الوزراء وفقاً لنصوص النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019، غير أنه بالمقابل لا يملك صلاحية تجديد عقود تراخيص الهاتف النقال وفقاً للصلاحيات الدستورية المناطة به وفق المادة (87) من الدستور العراقي.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يلاحظ عدم دستورية قرار مجلس الأمناء في هياة الإعلام والاتصالات المتخذ بتاريخ 6/7/2020 المنعقد بحضور الرئيس و(3) أعضاء، والذي أُرسل إلى مجلس الوزراء بموجب الكتابين المرقمين (107) و (36) المؤرخين في 6/7/2020، وذلك لعدم دستورية تعيين المومأ إليهم وفق نصوص دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والقوانين النافذة.
فمن امعان النظر في الأمر الديواني بالتعيين رقم (82) في 25/6/2020 نجد أنَّ مجلس النواب هو المختص بالتعيين وفقا ًلأحكام المادة (61/خامساً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي تنص على ان (يختص مجلس النواب بما يأتي: خامساً: الموافقة على تعيين كل من: ب- السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة باقتراح من مجلس الوزراء)، وكذلك المادة (80/خامساً) من الدستور التي تنص على أنْ (يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الآتية: خامساً: التوصية الى مجلس النواب بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء وأصحاب الدرجات الخاصة).
فضلاً عن المخالفة الصريحة لتعيين المومأ إليهم لأحكام أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم (65) لسنة 2004 الذي ينص البند (1/ه) منه (…أما رؤساء المجلس وأعضائه اللاحقين فيتم تعيينهم أو إعادة تعيينهم من قبل رئيس الوزراء لفترات مدتها اربع سنوات، ويخضع هذا التعيين لإقراره بواسطة أغلبية أصوات أعضاء الهيئة الوطنية المخولة بسلطة التشريع)، لذا فإنه يتوجب تطبيق القاعدة القانونية (ما بُني على باطل فهو باطل).
أما الناحية القانونية فإنَّ القاعدة القانونية المطبقة بشأن تجديد العقد هي (أنَّ العقد شريعة المتعاقدين) المنصوص عليها في المادة (147) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951، ومن ثم في حالة وجود بند صري في العقد المبرم مع شركات الهاتف النقال يُجيز التجديد فلا مانع من ذلك، شريطة مراعاة جودة الخدمة والسعر المقدم للمواطن العراقي، فضلاً عن مدى التزام الشركات المتعاقدة ببنود العقد، وبالأخص تسديد المستحقات المالية السابقة على التجديد المترتبة عليها.
وفضلاً عن ذلك فإنه بالرجوع الى نص المادة (2) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 فإنها اوجبت على مجلس الوزراء متابعة حسن تطبيق التشريعات وإصدار القرارات اللازمة لتنفيذها وكذلك متابعة حسن تطبيق الموازنة العامة، وهو الامر الذي لم يلتزم به مجلس الوزراء عند إصدار قراره بالتجديد.
وينطبق الحكم ذاته بالنسبة الى رئيس مجلس الوزراء وفقاً للمادة (14) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء التي تنص على أن (يمارس الرئيس مسؤولياته ومهماته المخولة له بموجب الدستور والتشريعات النافذة بموجبه بصفته المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة).
أما المخالفات القانونية الأخرى فتتمثل بالربط بين دفع نصف المستحقات المالية المتحققة للدولة العراقية بذمة شركات الهاتف النقال وبين تجديد العقد لمدة (5) سنوات، وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنَّ المادة (15/ثانياً) من قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (1) لسنة 2019 الزمت شركات الهاتف النقال بتسديد المبالغ المتحققة بذمتها في النصف الأول من السنة المالية، وهو الأمر الذي لم يتحقق، على الرغم من صدور قرارات قضائية بذلك، فضلا ًعن أنَّ البند (ثانياً) من المادة أعلاه الزم وزارة الاتصالات وهياة الإعلام والاتصالات بإيقاف الطيف الترددي لشركات الهاتف النقال وشركات تجهيز الانترنيت بعد مرور (60) يوماً عند عدم تسديدهم ضريبة المبيعات وضريبة الدخل، مما يعني أنَّ تجديد العقد ينطوي على تحويل هذه المخالفات إلى فعل مباح ومشروع من قبل الجهات المذكورة أعلاه.
كما يلاحظ بهذا الصدد عدم مطالبة وزارة الاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات ومجلس الوزراء – وفق قراره الأخير – بالفوائد القانونية المتأتية عن عدم تسديد المبالغ المالية والبالغ قدارها (7%) من قيمة المبلغ المدين وفقاً لأحكام المادة (171) من القانون المدني العراقي، مما يشكل مخالفة صريحة للقانون ولبنود العقد المبرم بين الطرفين، فضلاً عن عدم تطبيق الغرامات التأخيرية المنصوص عليها وفق المادة (9/رابعاً) من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2) لسنة 2014.
وعلى الرغم من صراحة قانون تحصيل الديون الحكومية رقم (56) لسنة 1977 بشأن وجوب الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لشركات الهاتف النقال لحين قيامها بتسديد المبالغ المستحقة عليها.
ويمكن القول أنَّ سكوت مجلس الوزراء ووزارة الاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات عن المطالبة بالفوائد والغرامات التأخيرية – رغم وجود نصوص قانونية بوجوب استحصالها وقرارات قضائية – يشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (329) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل التي عاقبت بالجبس كل من يمتنع عن تنفيذ القوانين او يعطل القرارات القضائية، إذ إنَّ قرار مجلس الوزراء وجه بالتعامل مع المبالغ المستحقة سابقاً بموجب قرارات قضائية البالغة (ترليون) دينار بتسديد (50%) منها فقط نهاية السنة، مع تأجيل باقي المبالغ المستحقة عن تجديد الترددات الحالية البالغة (233) مليون ليسدد خلال (5) سنوات القادمة من دون المطالبة بأي فوائد قانونية أو غرامات تأخيرية.
أما بالنسبة لمنح شركات الهاتف النقال مدة تعويضية لمدة (3) سنوات نتيجة الحرب على داعش الإرهابي فإنَّ مجلس الوزراء غير مختص بذلك، إذ إنَّ المحاكم المختصة ممثلة بمحكمة البداءة هي التي تقرر وجود قوة قاهرة من عدمه ووفقاً لأحكام المادة (146) من القانون المدني العراقي التي تنص على أنه (إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها… جاز للمحكمة أنْ تنقص الالتزام المرهق الى الحد المعقول ان اقتضت العدالة ذلك، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك)، وهو الامر الذي يتضح معه عدم وجود سند قانوني لقيام مجلس الوزراء بمنح الشركات مدة تعويضية، بل يتوجب بطلان منح المدد التعويضية، لأنها جاءت مخالفة للنص أعلاه، فضلاً عن عدم اللجوء الى المحاكم المختصة وقت حصولها، ومن ثم فلا يملك مجلس الوزراء إحلال إرادته محل إرادة القضاء في منح هذه المدة بعد انتهاء مدة العقد.
ناهيك عن المخالفات الفنية والمالية الأخرى المتعلقة بتجديد رخصة شركات الهاتف النقال، إذ لم يصار إلى تطبيق معايير الشفافية والمنافسة العادلة المنصوص عليها في قانون العقود العامة الصادر بأمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم (87) لسنة 2004، وكذلك تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2) لسنة 2014، كما لم يصار – بموجب قرار مجلس الوزراء بتجديد العقد – إلى الزام شركات الهاتف النقال بتحسين جودة الخدمة المقدمة للمواطن العراقي وتخفيض أسعارها مقارنة بالأسعار السائدة في الدول المجاورة.
لكل ما تقدم فإننا ندعو مجلس الوزراء الى العدول عن قرار تجديد رخصة الطيف الترددي لشركات الهاتف النقال العاملة في العراق، وتبني أسلوب المناقصة المحدودة أو الدعوات المباشرة في يتعلق برخص الهاتف النقال في العراق تحقيقاً للشفافية من جهة، وحماية المال العام من جهة أخرى.
كما ندعو مجلس الوزراء في الوقت ذاته الى تبني ومحاكاة تجربة المنافع الاجتماعية مع الشركات النفطية، وذلك بإلزام شركات الهاتف النقال بتخصيص جزء من وارادتها أو قيام الحكومة العراقية بتخصيص جزء من مبالغ العقد لإعادة تأهيل الشبكات الوطنية للاتصالات تمهيداً لتشغيل الخطوط الأرضية الوطنية، وكذلك العمل على بناء شبكة وطنية للاتصالات في العراق تحاكي الدول المجاورة.
فضلاً عن ضرورة الغاء ضريبة المبيعات عن بطاقات تعبئة الهاتف النقال البالغة (20%) المفروضة على المواطن، وذلك لعدم قيام الحكومة العراقية باستيفائها من شركات الهاتف النقال.
كما ندعو في الوقت ذاته مجلس النواب إلى توجيه اللجان النيابية المختصة ومنها لجنة الإعلام والاتصالات واللجنة القانونية إلى أخذ دورها القانوني الرقابي الفعال، وذلك من خلال تقديم طلب استجواب أو تشكيل لجنة تحقيق برلماني تتولى التحقيق في هذه المخالفات.
وفضلاً عن ذلك فإنَّ الادعاء العام باعتباره الحامي للمال العام وأموال العراقيين مطالب بأنْ يتخذ الإجراءات القانونية الكفيلة بالحفاظ على أموال العراقيين ضد المقصرين وفقاً للدور المناط به في قانون الادعاء العام رقم (49) لسنة 2017.