د. مصدق عادل
في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن العراقي – الذي اثقلته الآهات والتخبطات الحكومية السابقة – تعزيز مبدأ سيادة القانون المنصوص عليه في المادة (4) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وكذلك المنصوص عليه في البرنامج الحكومي للسيد رئيس مجلس الوزراء، غير أنّنا نشاهد من هنا وهناك صدور أوامر ديوانية بتعيين رؤساء أجهزة امنية واستخبارية دون استيفاء الإجراءات الدستورية والقانونية، وبالأخص تلك الأوامر المتعلقة بتعيين رئيس جهاز مكافحة الإرهاب، ورئيس جهاز الامن الوطني ومستشار الامن الوطني.
ومن امعان النظر في ديباجات هذه الأوامر نجد انها تستند إلى عبارة (استناداً إلى موافقة السيد رئيس مجلس الوزراء على وفق الصلاحيات المخولة لسيادته بموجب الدستور).
وبالرجوع إلى نصوص دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نجد ان المادة (61) منه تنص على انه (يختصمجلسالنواببمايأتي: خامساً:خامساً:-الموافقةعلىتعيينكلٍمن :ب- السفراءوأصحابالدرجاتالخاصة،باقتراحمنمجلسالوزراء.
ج- رئيسأركانالجيشومعاونيه،ومنهمبمنصبقائدفرقةفمافوق،ورئيسجهازالمخابرات،بناءًعلىاقتراحمنمجلسالوزراء).
كما تنص المادة (80/خامساً) من الدستور على انه (يمارسمجلسالوزراءالصلاحياتالآتية:خامساً:التوصيةإلىمجلسالنواببالموافقةعلىتعيينوكلاءالوزارات،والسفراء،وأصحابالدرجاتالخاصة،ورئيساركانالجيشومعاونيه،ومنهمبمنصبقائدفرقةفمافوق،ورئيسجهازالمخابراتالوطني،ورؤساءالأجهزةالأمنية).
يتضح من النصوص الدستورية أعلاه ان مجلس الوزراء هو الذي يختص بإصدار قرار باقتراح تعيين رؤساء الأجهزة الأمنية، فيما يتولى مجلس النواب التصويت على تعيينهم.
أما من الناحية القانونية فبالنسبة إلى تعيين رئيس جهاز مكافحة الإرهاب بتاريخ 9/5/2020 فبالرجوع إلى قانون جهاز مكافحة الإرهاب رقم (31) لسنة 2016 نجد أن المادة (4/ثانياً) منه تنص على انه (ثانياً:يكونرئيسالجهازبدرجةخاصةويماسصلاحياتالوزيرالمختصويتمتعيينهوفقاللقانونويكونعضوافياللجنةالوزاريةللامنالوطني)، كما ان المادة (9) من القانون تنص على انه(تلتزمتشكيلاتجهازمكافحةالارهابعندممارسةمهامهابتطبيقالقوانينالعراقيةالنافذةوبمايتلائممعالمعاييرالدوليةلحقوقالانسان).
لذا من اجراء مطابقة بسيطة بين امر تكليف رئيس جهاز مكافحة الارهاب وبين النصوص أعلاه يتضح لنا عدم امتلاك مدير مكتب رئيس الوزراء صلاحية تكليف رئيس جهاز مكافحة الارهاب، وينطبق الحكم ذاته بالنسبة إلىرئيس مجلس الوزراء الذي لا يملك هذه الصلاحية ايضاً، وذلك لصراحة المواد أعلاه التي اعتبرت رئيس الجهاز بدرجة خاصة، ومن ثم يصار إلى اقتراح التعيين من رئيس مجلس الوزراء، ثم صدور قرار من مجلس الوزراء بالتوصية بالتعيين، وبعد ذلك يصار إلى عرض الموضوع على انظار مجلس النواب للموافقة على التعيين.
أما بالنسبة إلى رئيس جهاز الأمن الوطني، فبالرجوع إلىالأمر الديواني الصادر في 4/7/2020 نجد أنه استند في ديباجته إلى نصوص الدستور والصلاحيات المفوضة لرئيس الوزراء، مخالفاً بذلك نصوص المادتين (61/خامساً/ب وج) و(81/خامساً) من الدستور.
فضلاً عن المخالفة الصريحة لقانون الخدمة والتقاعد العسكري رقم (3) لسنة 2010، إذ لم تجز المادة (45) منه تعيين من أكمل السن القانوني للإحالة على التقاعد المحدد بـ(63) سنة.
وفضلاً عن ذلك فإنَّ الواقع العملي يشير إلى عدم وجود قانون مستقل ينظم عمل جهاز الأمن الوطني، مما يتوجب معه اسراع مجلس الوزراء بتقديم مشروع القانون إلى مجلس النواب لغرض إقراره، ومن ثم تطبيق المعايير الدولية لعمل هذا الجهاز الأمني في مشروع القانون المزمع تشريعه.
وينطبق الحكم المذكور ذاته بالنسبة إلىالأمر الديواني بتكليف مستشار الأمن الوطني الصادر في 4/7/2020، والذي يعد بدرجة خاصة – إنْ لم نقل أنه بدرجة وزير- ففي ظل عدم وجود قانون خاص بمستشارية الامن الوطني، وبالأخص بعد الغاء أمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة)رقم(68) لسنة 2004 (اللجنةالوزاريةللأمنالوطني) فانه يتوجب في تعيين المستشار ضرورة قيام مكتب رئيس الوزراء والمستشار القانوني لمجلس الوزراء اتباع النصوص الدستورية لحين صدور القانون الجديد الذي ينظم عمل (مستشارية الامن الوطني).
ويمكن القول بعدم استيفاء الإجراءات الدستورية والقانونية الواجب اتباعها فيما يتعلق بتعيين وتكليف رؤساء الأجهزة الأمنية المذكورين اعلاه، اذ لم يصار إلىاصدار القرار من مجلس الوزراء بالتوصية بالتعيين، كما لم ينص الامر الديواني على اشعار مجلس النواب بالتعيين لغرض المصادقة عليه كما يشترطه الدستور والقوانين النافذة.
وانطلاقاً من الرغبة الحثيثة في استكمال دعائم سيادة القانون، والتطبيق السليم لنصوص الدستور والقوانين النافذةفإننا ندعو دولة السيد رئيس مجلس الوزراء إلىضرورة مراعاة الإجراءات الدستورية والقانونية فيما يتعلق بتعيينات رؤساء الأجهزة الامنية، وكذلك تعيينات قادة الفرق أو ما يعادلها مستقبلاً، وتعييين رئيس جهاز المخابرات، وجميع رؤساء الأجهزة الأمنية، كما ندعو إلى تحديد مدة اشغالهم للمناصب بمدة قصوى لا تتجاوز (أربع) سنوات وبالقياس على مدة ولاية مجلس النواب ومجلس الوزراء، فضلاً عن ضرورة انهاء ملف إدارة الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارية بالوكالة، وبالأخص بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا في كانون الثاني 2019 بإنهاء المحاصصة في توزيع المناصب الحكومية.