إشارات متضاربة حول الضم الاسرائيلي تعكس انقساماً بين المسؤولين
تحليل في صحيفة نيويورك تايمز 22-6-2020
ديفيد م. هالبفينجر, و مايكل كراولي
اسهم في التقرير اليزابيث دياز من واشنطن و آدم راسغون من تل أبيب
ترجمة: ضحى الخالدي
المسؤولون الاميركيون و الاسرائيليون منقسمون حول الضم فيما اذا كان وسيلة لجلب الفلسطينيين الى الطاولة, او ان خطة السلام وسيلة للضم.
القدس- حين اجتمع فريق الرئيس ترامب الخاص بالشرق الاوسط هذا الاسبوع لتفصيل ما يمكن فعله حول خطة اسرائيل لضم اراضي الضفة الغربية, سؤال جوهري كان يحوم أمامهم: هل ان آفاق الضم هي تكتيك للضغط على الفلسطينيين لينخرطوا في خطة سلام الادارة –الاميركية- , ام ان خطة السلام هي شاشة ضبابية – تمويه- للضم.
المسؤولون الاميركيون و الاسرائيليون مختلفون بعمق حول هذا السؤال, و هي قضية تحدد كيف و متى يجري أي ضم.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعهد بضم ما يصل الى 30% من الضفة الغربية المحتلة كما هو مخطط –مرسوم- في خطة سلام ترامب بحلول الاول من تموز-يوليو. و هو يعتمد على دعم إدارة ترامب ما دام معظم العالم ينظر الى المستوطنات اليهودية الموجودة في الضفة الغربية على أنها غير شرعية, و سيتعامل مع اي ضم أحادي الجانب على أنه انتهاك صارخ للقانون الدولي.
الا ان الإدارة أرسلت إشارات مختلطة, في البداية إعطاء الضوء الأخضر بالضم, ثم الضغط على الفرامل, و الآن, على ما يبدو هناك إعادة نظر في الخطوة في اجتماعات البيت الابيض المقرر أن تبدأ يوم الثلاثاء.
بينما يدعم المسؤولون الاميركيون و الاسرائيليون كلاهما الضم من حيث المبدأ, فإن تشجيع البيت الابيض يأتي في سياق خطته لحل الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني.
السيد نتنياهو أبعد نفسه عن بعض أجزاء الخطة التي تنادي كذلك بإقامة دولة فلسطينية و تجميد أي توسع للمستوطنات الاسرائيلية على المساحات –المناطق- المقررة لهذه الدولة. هذه الشروط هي لعنة على المستوطنين الإسرائيليين اليمينيين الذين سعى نتنياهو إلى جذبهم بالضم في المقام الأول.
الإدارة الاميركية تصر على السيد نتنياهو بأن يحصل على موافقة شريكه في تحالف الوسط وزير الدفاع بيني غانتز في أي عملية ضم. السيد غانتز في مدونة له يعارض الضم أحادي الجانب, قائلاً بأنه لن يوافق عليه دون إذعان ملك الأردن.
الملك عبد الله الثاني حذَّر من صراع هائل مع اسرائيل فيما لو تصرفت –أجرت- الضم. بيني غانتز أيضاً يصر على أن أي ضم يحدث فقط اذا كان جزءاً لا يتجزَّأ من خطة إدارة ترامب للسلام, و التي يقول انه يدعمها بالكامل و ليس جزئياً.
بالنسبة لأي شئ يحدث, على المرء أن يتزحزح – يوازن أو يحسب حسابه-
“نحن نرى التناقضات” يقول عوفير زالزبرغ المحلل في مجموعة الأزمة الدولية “لكننا حتى الآن لا نرى كيف ستُحَل”
يقول المسؤولون الاميركيون و الاسرائيليون بأن حل هذه التناقضات يتطلب حل اختلاف الآراء بين اثنين من الثقات المقربين من الرئيس ترامب: جاريد كوشنر صهر السيد ترامب و كبير مستشاريه, و ديفيد فريدمان سفير الولايات المتحدة في اسرائيل و محامي ترامب في قضايا الإفلاس لوقت طويل.
السيد كوشنر كان المؤلف الرئيسي لخطة سلام ترامب, و يقال انه يعتقد بأنها طريقة قابلة للتطبيق لحل الصراع طويل الأمد, و يحتمل ان تعيد تشكيل الشرق الاوسط.
السيد فريدمان هو متبرع سخي لمؤسسة المستوطنات الاسرائيلية قبل دخول الحكومة, و قد لعب دوراً رئيسياً في أن يقلب –يعكس- تعامل السياسة الاميركية العائد لزمن طويل مع المستوطنات الاسرائيلية على انها غير شرعية. لقد جعل الامر معروفاً في انه يستثمر في الضم أكثر مما في خطة السلام.
استراتيجية السيد كوشنر لجلب الفلسطينيين للانخراط في السلام هي باستخدام الضم كمحفز إيجابي, كما يقول المسؤولون. الضم أُحادي الجانب من الممكن ان يزيل هذا الحافز.
بالنسبة للسيد فريدمان فإن تأخير الضم ينطوي على مخاطر تفويت كل شئ تماماً فيما لو لم يفز السيد ترامب بإعادة انتخابه.
بدأ الانقسام بين الاثنين بعد ساعات فقط من وقوف السيد ترامب و بجانبه السيد نتنياهو ليعلن عن خطته للسلام في البيت الابيض في كانون الثاني- يناير. مباشرةً بعد ذلك أكَّد السيد نتنياهو و السيد فريدمان للصحفيين الاسرائيليين أن اسرائيل حرة في ضم أراضي الضفة الغربية فوراً. لكن السيد كوشنر قال بسرعة ان اسرائيل تحتاج للتريُّث, على الأقل حتى تتشكل الحكومة الجديدة.
مسؤولو الإدارة قلّلوا من الانقسام و يصرون على ان الاثنين ببساطة يشغلان مناصب مختلفة في نفس الفريق: رسالة السيد فريدمان محددة باسرائيل و الفلسطينين, بينما مسؤوليات السيد كوشنر تضم الشرق الأوسط بشكل اوسع, و كذلك حملة إعادة انتخاب ترامب. لكن مسؤولين آخرين يقولون بأن تسرع السيد فريدمان يجعله يصطف بشكل أكثر قرباً الى جانب السيد نتنياهو و السفير الاسرائيلي في واشنطن رون ديرمر الذي يضغط باتجاه التحرك السريع نحو الضم.
السيد فريدمان رفض –نبذ- خطة السلام بفعالية باعتبارها غير مرجحة. يقول بان الشروط التي تفرضها الخطة على الفلسطينيين لإقامة الدولة تكون معقولة فقط حينما يصبح الفلسطينيون كنديين.
استغل النقاد تلك الملاحظة. يوسي كلاين هيلافي, مؤلف و زميل أقدم لمعهد شالوم هارتمان في القدس, أشار في وول ستريت جورنال الاسبوع الماضي الى ان السيد فريدمان و قادة المستوطنين كانوا يتعاملون مع السيد ترامب (كغبي مفيد) و ان خطته للسلام ستخدم مصالح المستوطنين لكنها لن توصل الى دولة فلسطينية ابداً.
طبقاً لمسؤولين اميركيين و اسرائيليين, فإنه حتى في الاجتماعات الخاصة فإن السيد فريدمان يتم سؤاله باستمرار من قبل المسؤولين الاسرائيليين فيما اذا كان يتلفظ بوجهات نظره الخاصة او بوجهات نظر إدارة ترامب.
يقول المسؤولون بأنه لا توجد خلافات بين السيد فريدمان و السيد كوشنر أكثر وضوحاً من توقيت الضم.
السيد نتنياهو و حلفاؤه يضغطون من اجل الإسراع بالضم بالقول ان ادارة ترامب ترقى الى (فرصة ذهبية) للموافقة الأميركية, التي من الممكن ان تختفي فيما لو جوزيف آر. بايدن جونيور المعارض للضم أُحادي الجانب هزم ترامب في تشرين الثاني –نوفمبر- لكن المحللين والمسؤولين يشيرون إلى أن هذا الرأي يضع السيد فريدمان في موقف التحوط من أن يصبح رئيسه رئيسًا لفترة واحدة.
يقول دينيس ب. روس مفاوض السلام المخضرم في ظل رؤساء جمهوريين و ديمقراطيين: “”يراد الاستفادة مما تقدمه رئاسة ترامب مع توقعات منخفضة للغاية بشأن رئاسة ترامب” “انه أمر لافت للنظر -استثنائي- تماماً”
الاسبوع الماضي حاول السيد فريدمان ان يتوسط بين السيد نتنياهو و السيد غانتز و فشل, يقول مسؤولون بأنه ظل ينتظر على الأريكة لعدة ساعات بينما كان السيد نتنياهو و السيد غانتز يتساومان بخصوص مواضيع اخرى خلف الابواب المغلقة. تدخل السيد فريدمان تم تفسيره في اسرائيل بشكل واسع النطاق على انه محاولة للضغط على السيد غانتز.
مناقشات البيت الابيض يوم الثلاثاء يتوقع ان تضم السيد كوشنر, السيد فريدمان, وزير الخارجية مايك بومبيو, مستشار الأمن القومي روبرت سي. أوبرين, مبعوث السلام للشرق الأوسط آفي بيركوفيتز, نائب الرئيس مايك بنس, و ربما الرئيس ترامب. و حسب مسؤولين اميركيين و اسرائيليين كبار فإن الادارة الاميركية ستزن الخيارات بما فيها ضم محدود جداً للفوز بموافقة السيد غانتز, أو ترك السيد نتنياهو يمضي قُدُماً دون موافقة السيد غانتز, و ما الذي يمكن تقديمه للفلسطينيين لتهدئتهم.
أيضاً من الممكن ان يقرر أن التحرك الاسرائيلي الأحادي الجانب و الصخب الناجم عنه و الذي قد يشمل اندلاع العنف بين الاسرائليين و الفلسطينيين هو صداع غير مرحب به لرئيس يواجه اصلاً مشاكل محلية عنيفة و حملة إعادة انتخاب صعبة.
هناك ايضاً قضية فيما اذا حُرِمَ السيد نتنياهو من الضوء الاخضر الذي يعتمد عليه, فيجب أن يُعطى شيئاً آخر يحفظ ماء وجهه عند العودة الى (الوطن).
وقال مسؤولون إنه من بين الحوافز المحتملة لتعليق الضم ، إحياء الجهود للتوصل إلى اتفاقية “عدم العدوان” بين إسرائيل وأربع دول خليجية: البحرين وعمان وقطر والإمارات العربية المتحدة.
السيد روس, المفاوض الأميركي السابق, و مسؤول مطلع على تلك المحادثات, كلاهما قال بأن الضم سيقتل اي فرصة لمثل هكذا اتفاقية. ” الرسالة التي تم نقلها, و أنا لا انظِّر في هذا, الضم يعني الخروج من الطاولة, ليس الآن فحسب. بل و الى الأبد” كما قال السيد روس.
بالنسبة للشأن السياسي فإن الضم يبدو ذو قيمة محدودة للسيد ترامب. العالَم المسيحي الانجيليكاني, الذي يمثل شريحةً حيويةً من قاعدته, هو في الغالب غير مُبالٍ بالضم في حد ذاته, هكذا يقول روبرت جيفرس القس المعمداني الأول في دالاس, و أحد مستشاري السيد ترامب الانجليكانيين غير الرسميين.
جويل سي. روزنبرغ و هو مؤلف انجليكاني أسس مجموعة تحشد المسيحيين لدعم اسرائيل, حذَّر من ان الضم اذا خلق اضطرابات فمن الممكن ان ياتي بنتائج عكسية للسيد ترامب. “أنا لا أرى اي إسراع –تمسُّك, نقطة التقاء- نحو هذا التحرك بين المصوّتين الانجليكانيين, و هناك مخاطرة بإمكانية ان تخسر بعض الاصوات الانجليكانية, بالذات في الولايات التي لا تكون حصيناً فيها” هكذا قال.
المسؤولون كانوا كارهين –مشمئزين- من وضع اي تنبؤات لما يمكن ان تفضي اليه النقاشات, خصوصاً بالنظر الى عدم قدرة الرئيس على التنبؤ. “اذا لم يرَ ترامب منفعة انتخابية فهو ممكن ان يقول فقط: مشوش جداً, معقد جداً, سأتعامل مع هذا حين يعاد انتخابي” هكذا قال ديفيد ماكوفسكي, مفاوض سلام سابق, و الآن في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
جسدت الرسائل المزدوجة للسيد نتنياهو الانقسام فيما يمكن ان يمثله الضم. في اسرائيل, هو و حلفاؤه المقربون يصرون على ان ركيزتين من خطة ترامب – الدولة الفلسطينية و تجميد انشاء المستوطنات لأربع سنوات حيث سيتم انشاؤها- لن يحدث في المستقبل القريب.
لكن سفير السيد نتنياهو الى الولايات المتحدة, السيد ديرمر, كتب في صحيفة الواشنطن بوست بأن الضم سوف “يفتح الباب أمام حل-الدولتين واقعي) في ظل خطة ترامب.
أحد ثقات نتنياهو ، النائب تساحي هنغبي ، قال إن الكلمة الرئيسية كانت “واقعي”. يقول هنغبي: ” نحن لا نهتم اذا كنت تسميها دولة ناقصة, أو استقلالية زائدة, طالما انك تفهم انها ليست ذات سيادة حقاً “.
أشار السيد روس الى ان السيد كوشنر ربما استخلص استنتاجات مختلفة” وقال على الأرجح إلى جاريد ، “بالنسبة لبيبي وشركاه في الوقت الحالي ، هذه مجرد خطة ضم” ، وذلك باستخدام لقب السيد نتنياهو. “وهذا ليس ما نعلنه”.
(انتهى)