ابحاث ودراساتسلايدر

مدى دستورية وقانونية تعيين رئيس الهيئات المستقلة واعضائها من مكتب رئيس الوزراء

صدرت في الآونة الأخيرة العديد من الأوامر الديوانية المتعلقة بإجراء تعيينات جديدة في الهيئات المستقلة، ومنها تكليف أعضاء مجلس المفوضين في هيئة الاعلام والاتصالات، وكذلك تكليف رئيس ديوان الوقف الشيعي، وغيرها من الأوامر الأخرى، ولدى امعان النظر في مقدمات هذه الأوامر نجد انها تستند الى عبارة (استناداً الى موافقة السيد رئيس مجلس الوزراء على وفق الصلاحيات المخولة لسيادته بموجب الدستور).

وبالرجوع الى نصوص دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نجد انها اقرت تمتع الهيئات المستقلة بالاستقلال المالي والإداري، سواء ارتبطت بمجلس النواب او مجلس الوزراء من عدمه، وهو ما أكدته المادتين (103/اولاً وثالثاً) من الدستور.

وبالرجوع الى امر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم (65) لسنة 2004 نجد ان القسم الرابع منه ينص صراحة في البند (1/ه) على انه (…اما رؤساء المجلس واعضائه اللاحقين فيتم تعيينهم او اعادة تعيينهم من قبل رئيس الوزراء لفترات مدتها اربع سنوات، ويخضع هذا التعيين لإقراره بواسطة اغلبية اصوات اعضاء الهيئة الوطنية المخولة بسلطة التشريع).

لذا من اجراء مطابقة بسيطة بين الامر الديواني رقم (82) في 25/6/2020 وبين النص أعلاه يتضح لنا عدم امتلاك مدير مكتب رئيس الوزراء صلاحية انهاء تكليف رئيس وأعضاء الهيئة المستقلة، كما لا يملك صلاحية تعيين أعضاء جدد لمجلس الإدارة في هيئة الاعلام والاتصالات، وينطبق الحكم ذاته بالنسبة الى رئيس مجلس الوزراء الذي لا يملك هذه الصلاحية ايضاً، وذلك لصراحة المادة أعلاه التي منحت رئيس الوزراء سلطة اقتراح التعيين فقط، والتي تعد مشروطة بموافقة السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب.

ويكمن سبب ذلك في اعتبار رئيس وأعضاء هيئة الاعلام والاتصالات من ذوي الدرجات الخاصة، وبالتالي فان النص الوارد في الامر رقم (65) لسنة 2004 يجيئ منسجماً مع نص المادة (61/خامساً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي تنص على انه (يختص مجلس النواب بما يأتي: خامساً: الموافقة على تعيين كل من: ب- السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة باقتراح من مجلس الوزراء)، وكذلك المادة  (80/خامساً) من الدستور التي تنص على ان (يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية: خامساً: التوصية الى مجلس النواب بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء وأصحاب الدرجات الخاصة).

وهو الامر الذي يمكن معه القول بعدم استيفاء الإجراءات الدستورية والقانونية الواجب اتباعها فيما يتعلق بالتعيين في الهيئات المستقلة، اذ لم يصار الى النص في الامر الديواني على اشعار مجلس النواب بالتعيين لغرض المصادقة عليه كما يشترطه الدستور والقوانين النافذة.

أما بالنسبة إلى تكليف رئيس جديد لديوان الوقف الشيعي بموجب الامر الديواني رقم (81) في 25/6/2020، فمع الإقرار بعدم وجود أي تنظيم دستوري او قانوني للتكليف، غير ان ما يلفت النظر هو عدم الالتزام بالاستقلال المالي والإداري الذي يتمتع به الوقف الشيعي وفق المادة (103/ثالثاً) من الدستور، فضلا ًعن مخالفة الالية التي بينتها المادة (4) من قانون ديوان الوقف الشيعي رقم (57) لسنة 2012 التي تنص على انه (ثانياً: يكون رئيس الديـوان بدرجة وزير ويعين باقتراح من مجلس الوزراء بعد موافقة المرجع الديني الاعلى – وهو الفقيه الذي يرجع اليه في التقليد اكثر الشيعة في العراق من فقهاء النجف الاشرف)، ناهيك عن عدم صدور الامر الديواني من رئيس مجلس الوزراء باعتبار رئيس ديوان الوقف بدرجة وزير.

وبهذا يتضح عدم وجود سند قانوني للتكليف اعلاه، ويتوجب مراعاة الالية والإجراءات الدستورية والقانونية المتمثلة باقتراح التعيين من مجلس الوزراء وبقرار يصدره المجلس، ثم يصار الى موافقة المرجع الديني في النجف الاشرف، حينذاك يصار الى اصدار الامر الديواني بالتعيين.

لذا فإننا ندعو دولة السيد رئيس مجلس الوزراء إلى تصحيح المسارات القانونية والإدارية غير الدقيقة المذكورة أعلاه فيما يتعلق بتعيينات الهيئات المستقلة، وإعادة الأمور الى نصابها الدستوري والقانوني السليم، إذا ما علمنا أنَّ من أهم بنود البرنامج الحكومي الذي التزمت به الحكومة الجديدة هو مبدأ سيادة القانون المنصوص عليه في المادة (4) من الدستور.

كما ندعو في الوقت ذاته إلى اشراك مجلس الخدمة العامة الاتحادي في التعيينات الجديدة لشاغلي الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة والعليا في الدولة العراقية وذلك وفقا ًلأحكام المادة (9) من قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي رقم (4) لسنة 2009 على اساس المعايير المهنية والكفاءة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق