ابحاث ودراسات

نبض السطور في نقد مآخذ مسودة الدستور

نبض السطور في نقد مآخذ مسودة الدستور

 

 

يعتبر الدستور وثيقة تعتمد من طرف الدولة كإطار للقوانين والتشريعات التي تسنها من اجل حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية والمصالح العليا للبلاد. وإذ يحدد الدستور النظام السياسي الذي يحكم تسيير شؤون البلاد كما يعد القانون الأساسي الذي يصون مبدأ حرية اختيار الشعب وممارسته للسلطة (المادة 7من الدستور) ويضفي الشرعية على أعمال السلطات العمومية. وقد عرفت الجزائر دساتير عدة أخرها مشروع تعديل دستور2020 مستها تعديلات دستورية جمة حالت دون معرفة تصنيفها هل هي من الدساتير الجامدة أو المرنة.

الدساتير الجزائرية بين المرونة والجمود

استقراءً للتعديلات الدستورية والإجراءات الشكلية المتبعة يتبين حال الدستور الجزائري بين المرن تارة الجامد تارة أخرى، فالدستور الجامد هو الذي لا يمكن إجراء تعديل مواده بسهولة ويسر ولا نقصد هنا استحالة تعديله وإنما تعديل الأحكام والمواد يكون أكثر صعوبة من القوانين العادية وتحال إجراءات التعديل إلى هيئة غير تلك المكلفة بالتشريع وهذه صفة مسودة مشروع تعديل الدستور موضوع قضية الحال.

أما الدستور المرن فهو دستور يمكن تعديل أحكامه بالطريقة ذاتها التي تعدل بها القوانين العادية وتتولى السلطة المكلفة بالتشريع التعديل الدستوري. الإشكال المطروح هاهنا إن الدستور الجزائري لا يكاد يبين هل هو مرن آم جامد؟، ذلك أن الدساتير المرنة تكون غير مدونة باعتبارها نشأت بناءً على الأعراف والأحكام القضائية السابقة إذ تسقط صفة المرونة جزئيا على الدستور الجزائري للاعتبارات الأنفة الذكر. وعليه يمكن القول بان الدستور الجزائري جامد تطبيقياً مرن نظرياً على اعتبار إن إجراءات التعديل معقدة وتتكفل بها هيئة مستقلة غير تلك المكلفة بالتشريع وهذا يخلق إشكال وغموض ودفعا للإشكال والغموض نقترح دسترة الهيئة التي تتولي إعداد مشروع إي تعديل دستوري.

دسترة هيئة إعداد مشاريع تعديل الدستور

لقد اغفل مشروع مسودة تعديل الدستور الذي نحن بصدد مناقشته تحديد طبيعة الهيئة التي تسند لها إعداد مشروع تعديل دستوري إذ كان لابد من تدارك هذا العيب الدستوري بتحديد كيفية انتخاب أو تعيين أعضاء الهيئة المكلفة بإعداد مشروع التعديلات الدستورية وإذ نقترح ان تنبثق هذه الهيئة من بين السلطات الثلاث (السلطة القضائية، السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية)، بالاصافة إلى المجالس الاستشارية لدى رئيس الجمهورية المواد (195 إلى 207) من الدستور.

مأخذ على مسودة مشروع تعديل الدستور

بمراجعة المواد المقترحة في مسودة مشروع تعديل الدستور نجد مأخذ عديدة تتوزع بين المأخذ الشكلية والموضوعية والإجرائية والتي نعرضها في متن المقالة كما يلي:

1/ مأخذ إجرائية وشكلية: حيث تنصب على إغفال المشرع الدستوري إحداث هيئة تسند لها مهمة إعداد مشروع تعديل دستوري إذ كان لزاماً دسترة هذه الهيئة وتحديد كيفية اختيار أو تعيين الأعضاء والشروط الواجب توفرها وهو ما يصطلح عليه بالهيئة التأسيسية إن إغفال دسترة هيئة تاسيسة توكل لها مهمة اعداد تعديل دستوري يعد عملاً معيب بعدم الدستورية طبقاً للمادة 8 من الدستور بتعزيز فكرة السلطة التاسيسة ملك الشعب. واعتبار إن الدستور الجزائري مرن نظرياً جامد تطبيقياً.

وإذ نقترح انتخاب أو تعيين أعضاء الهيئة المكلفة بإعداد إي تعديل دستوري من بين السلطات الثلاثة بمعية المجالس الاستشارية ومجلس الدولة والمجلس الدستوري حالياً والمجلس الأعلى للغة العربية والمجلس الإسلامي الأعلى طبقاً للمواد (195 إلى 207) من الدستور الحالي.

ابقت مسودة مشروع تعديل الدستور على نظام الزامية الإخطار فيما يخص عمل المجلس الدستوري في الرقابة على دستورية القوانين ولم تأت بجديد يرفع القيد على الرقابة الدستورية للقوانين واللوائح والتنظيمات والمعاهدات هذا الإبقاء على الإجراءات السابقة يمس بدستورية رقابة المؤسسات ونقترح رفع قيد الإخطار فيما يخص رقابة على دستورية القوانين تجنبا لرفع دعوى عدم دستورية الأحكام التشريعية بعد نفاذها.

2/ المأخذ الموضوعية: يأخذ على مسودة مشروع تعديل الدستور الحالي عدم تدارك الاختلال الحاصل في الدساتير الجزائرية السابقة. إذ يشوب النص الدستوري المقترح الغموض بتجنب تبني نظام دستوري واضح المعالم وابقي على صفة الجمع بين النظامين البرلماني والرئاسي.

إن عدم تحديد طبيعة النظام الدستوري يؤثر سلباً على مبدأ الفصل بين السلطات وتداخل مهامها حتماً إن لم نقل اغتصاب السلطة. والذي يستنبط مما أتي بيانه متناً.

استحدثت مسودة مشروع تعديل الدستور في (المادة 101) الفصل الثاني تسمية رئيس الحكومة عوضاً عن الوزير الأول الذي يطرح إشكالية البرنامج السياسي الواجب التطبيق ذلك أن انتخاب رئيس الجمهورية في النظام الدستوري الجزائري إنما يتم بناءً على أساس البرنامج الانتخابي طبقاً لقانون الانتخابات. فما هو البرنامج الانتخابي الواجب التطبيق؟، هل هو برنامج رئيس الجمهورية الذي زكاه وانتخبه الشعب باعتباره صاحب السلطة والسيادة المادة (7ف1-2) أم هو البرنامج الذي أعدته الحكومة وناقشه النواب وتم المصادقة عليه؟، إن العودة إلى طرح منصب ريس الحكومة يحدث إشكاليات دستورية فيما يخص البرنامج والتعيين تفصيلاً هل نطبق برنامج حزب الأغلبية البرلمانية أم برنامج الحكومة؟، طبقاً للمادة (108ف1-2). وعليه فان مشروع مسودة تعديل الدستور لم يصحح الاختلال الذي قدمنا إلى عرضه. رغم آن الدستور الجزائري يميل إلى النظام البرلماني في غلب أمره وأحكامه إذ تظهر فيه الحكومة مؤسسة قائمة بذاتها إلى جانب رئيس الجمهورية في السلطة التنفيذية اذ تعد الحكومة مسؤولة امام البرلمان سياسياً.

بالتالي كان لزاماً أن تنبثق من البرلمان ورئيسها يعين من الحزب الحاصل على الأغلبية البرلمانية ضماناً للسير الحسن وتماشياً مع قواعد الممارسة الديمقراطية الجاري بها في الدول الديمقراطيات الكبرى.

إن مسودة مشروع تعديل الدستور لم تأتي بنص حاسم يزيل هذا الغموض المضمر بين المواد الدستور الذي يتجسد في عدم النص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الحاصل على الأغلبية في البرلمان (المادة 95ف1) مما يساهم في أخلقة الحياة السياسية والتعددية الحزبية ونظام الحكم الديمقراطية التشاركية.

على رغم من إضافة عبارة بعد استشارة الأغلبية البرلمانية التي تبدو عارية من صفة الإلزام (المادة108ف1) وعليه فإننا نقترح صياغة النص الدستوري بصيغة (يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة من الحزب الذي يحوز الأغلبية مقاعد البرلمان)، ذلك إن رئيس الجمهورية ومن خلال استقراء المادة (108ف1) تمكنه من استشارة الأغلبية البرلمانية في تعيين رئيس الحكومة دونما أن يكون ملزم برأي الأغلبية البرلمانية.

مما سبق عرضه في النص المقترح من طرفنا والذي يعدل نص مسودة مشروع تعديل الدستور فيما يخص البرنامج الواجب التطبيق وتعيين رئيس الحكومة فإننا نشدد على إلزامية تعيين رئيس الحكومة من الحزب الحائز على الأغلبية والبرلمانية و كنتيجة لذلك البرنامج الواجب التطبيق هو برنامج  الأغلبية البرلمانية  وصولا إلى الحكم التشاركي والتوازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية على اعتبار إن مسودة مشروع تعديل الدستور لم تعزز دور البرلمان في التشريع وهو مالم نعهده إذ يكتفي النواب بالمصادقة على القوانين التي تعدها السلطة التنفذية المجسدة في الحكومة  ولم نسجل أي مباردة للنواب بطرح مشروع قانون.

من بين المأخذ على مسودة مشروع تعديل الدستور نص المادة 52 التي فيها تعارض مع الديباجة ونص المادة 2 إذ تنص الديباجة بان الجزائر ارض الإسلام…، وكذلك نص المادة 2 الإسلام دين الدولة إذ المأخذ النص هنا صناعة أقليات دينية رغم أن الدين واحد والتي تصبح فيما بعد جماعات ضغط على النظام السياسي من الداخل والخارج باعتبارها صاحبة حقوق مكتسبة تستغل من طرف المنظمات الدولية والحكومية وغير الحكومية.

وعليه وجب التحري والتمييز عند صياغة نص المادة (51ف1-2-3) موضوع الحال بين الشرائع السماوية والمذاهب المختلفة على اعتبار أن المشرع الجزائري يأخذ بالشريعة الإسلامية كمصدر من مصادر التشريع. والنص موجود وهذا بيانه قوله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (85) سورة آل عمران، وقوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) الآية 19 سورة آل عمران. فلا اجتهاد مع وجود النص بما لا يدع مجالا لصناعة أقليات دينية وطائفية تكون معول هدم تماسك الشعب الجزائري.

إذ لا نرى مبررا أيضا لإضافة عبارة دون تمييز في مسودة مشروع تعديل الدستور فهذه العبارة يشوبها الغموض والتأويل وبالتالي فوضى ممارسة الشعائر والطقوس الدينية. وعليه لزاماً استبعاد النص والاكتفاء بالشرائع السماوية الكتابية دون غيرها التي لها حق ممارسة العبادة.

هذا النص المبهم والغامض يعرض بشكل صريح ديباجة الدستور ونص (المادة2) لذا وجب نقضه دستوريا.

ويظهر تعارض في (المادة31 ف1-2) التي تنص عل إمكانية مشاركة الجزائر في حفظ السلام في إطار منظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي إذ لا مبرر لخروج الجيش الوطني الشعبي اعتبارا أن منظمة الأمم المتحدة إنما تأن تحت وطئة القوى الكبرى ولوبيات النفط والمال وما حرب الخليج عنا ببعيد ولا تخلو غريماتها الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية من هذا النعت. (المادة 31ف2) تعارض سابقتها في جوهر الحرب والسلم. ان النص بتخصيص بعض البلديات بنظام خاص غير دستوري أصلا إذ كان بإمكان تعديل تجنب هذا الطرح بتعديل قانون الولاية والبلدية بإعطاء رؤساء المجالس المنتخبة صلاحيات أوسع من اجل المساهمة في تمنية مناطقهم.

انه برغم المأخذ التي تم عرضها أدرك مشروع مسودة تعديل الدستور بعضا من مدارك العمل الدستوري فيما يخص الحد من سلطة رئيس الجمهورية في التشريع بالأوامر وتقليص عدد نصاب النواب عند اقتراح مشاريع قوانين من عشرين نائب في دستور 1996م إلى خمس عشر نائباً في مشروع التعديل الحالي وعدم إمكانية ممارسة أكثر من عهدتين متتالتين أو منفصلتين.

وتجنبا للمأخذ على تعديلات دستورية مرتقبة كان لزاما الاعتماد على بيان أول نوفمبر الذي حدد معالم الدولة الجزائرية بدقة ووضوح لا نظير له في كل الدساتير الجزائرية والأخذ بمبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدر من مصادر التشريع الأصلية.

بقلم الكاتب والباحث

الأستاذ محمد عدنان بن مير

مجاز في الحقوق

ماستر1 قانون اقتصادي عام

عضو مؤسسة بيلر الدولية

عضو مركز الإصباح للتعليم و الدراسات و البحوث الإستراتجية

عضو منظمة السلام والثقافة الدولية

الجمعة 26-6-2020م

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق