تحليلات واراء
بوتين وترامب… مقاربات جديدة تهمد توترات الماضي
سرى ثامر هادي
باحثة في مركز حمورابي للبحوث والدراسات الإستراتيجية
شاب العلاقات الأمريكية – الروسية في عهد الديمقراطي (باراك أوباما) التوتر والتباعد في العديد من القضايا لاسيما ما يخص التدخلات في الشرق الأوسط والحرب على داعش في سوريا والعراق. إلا أن وصول الجمهوري (دونالد ترامب) غير المتوقع إلى الرئاسة الأمريكية جاء ليقلب المعادلة التي لا يمكن أن تستمر على وفق القوانين القديمة، ويعيد ترتيب التوازن بين البلدين. فهو ينظر بعين التفاؤل نحو الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، إذ يرى فيه “قائداً حقيقياً وملهماً يمكن التعامل معه بثقة لمصلحة البلدين والعالم”، وهذا ماأفصح عنه رئيس بلدية نيويورك (رودي جولياني) أحد أبرز مرشحي الرئيس الأمريكي المنتخب لتولي وزارة الخارجية، عن نية وتطلعات (دونالد ترامب) لتحسين وإعادة ضبط علاقات واشنطن مع روسيا، إذ قال في مقابلة مع صحيفة (وال ستريت جورنال) 14 تشرين الثاني 2016: “إن إدارة دونالد ترامب تطمح لإعادة ضبط العلاقات مع روسيا والصين” مشيراً بذلك إلى أن إدارة أوباما السابقة قد “حولت روسيا إلى عدو”.
من جانب آخر إن (ترامب) لا يبدو أنه معجب بقوة (بوتين) وسلطته فحسب، وأنما سيعمل معه لتدمير عدد من الجماعات الإرهابية في سوريا وهي استراتيجية أفضل بكثير من أي نهج آخر اتبعته إدارة الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) كدعم الجماعات المعارضة أو محاولة التخلص من نظام الرئيس السوري (بشار الأسد)، معبراً (دونالد ترامب) عن استعداده لوقف دعم المعارضة معتبرا أن قتال الأسد يعني قتال روسيا حليف سوريا في الوقت الراهن، فضلا عن أنها حليفة لإيران التي هي حليفة ثانية لسوريا. منتقداً بذلك سياسة (أوباما) حين قال: “ارتكب أوباما الكثير من الأخطاء وخاصة في السياسة الخارجية، بدءا من تشجيع ما يسمى الربيع العربي، والتصدي غير الفعال للأصولية الإسلامية وصولاً إلى تسميم العلاقات مع روسيا ودفعها نحو التوتر وهو أمر له عواقب سلبية”. لذا أن توقعات “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” تميل إلى “أن ترامب سيميل إلى عقد صفقات مع روسيا”. وأن “من المحتمل جداً أن يرفع العقوبات عن روسيا مقابل تعاون الرئيس بوتين في سوريا، إذ ينظر كلاهما إلى الوضع السوري من الزاوية نفسها، ويعتقدان أن كل من يحارب الرئيس السوري (بشار الأسد) يكون إرهابياً.
إن لغة التواصل الحالية بين طرفي المعادلة تحمل بدايات طيبة، وتعكس مقدمات لتهدئة الأمور بعد أن أوصلتها إدارة الرئيس (باراك أوباما) إلى نقطة الغليان على مستويات عديدة وفي مناطق مختلفة، وفي مجالات حساسة، فضلاً عن السعي لتوحيد الجهود في محاربة الإرهاب. وهذه أرضية مهمة دعت روسيا مرارا وتكرارا لاعتمادها من أجل الحفاظ على البشرية، بدلا من ما اعتبرتها مغامرات توسع حلف الناتو شرقا، وعسكرة أوروبا، وهدم مبادئ التوازن الاستراتيجي في العالم، والمغامرات العسكرية التي لم تسفر إلا عن تهديد الأمن الإقليمي وانهيار الدول وتفككها. إلى جانب رغبة موسكو واستعدادها لبناء علاقات شراكة مع الإدارة الجديدة للولايات المتحدة. وهو ما يجب أن يقابلهما استعداد ورغبة من إدارة (ترامب) على أساس التكافؤ واحترام المصالح وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، لضرورة العمل المشترك والفعال من أجل تطبيع العلاقات وتشكيل قاعدة متينة للعلاقات الثنائية عن طريق تطوير مكوناتها التجارية – الاقتصادية.
إن ما يمكن رصده في علاقات الاتحاد الروسي ومن قبله الاتحاد السوفيتي بالولايات المتحدة هي المرونة والتصالحية في ظل الحكم جمهوري أكثر من الحكم الديمقراطي. وذلك يعود لإستعداد روسيا لكل التغيرات والتحولات، بالضبط مثل استعدادها للتعامل مع أي إدارة أمريكية. أما مسألة التحولات نفسها فهي مرهونة بعامل الزمن وبتوازن القوى. هذا فضلاً عن أن الجمهوريين يعتبرون أنفسهم “حزب السلام عن طريق القوة”، وداعمي مبدأ التميّز الأميركي، وهو “الاعتقاد بأن بلادهم تحتل مكانا ودورا متميّزيْن في التاريخ الإنساني”، وأن سياستهم العامة أنجع من سياسة الديمقراطيين.