تحليلات واراء
أيران: القيادة التاريخية تفتح أفاق المستقبل…لشعب يستحق المجد
أ.د. عبدعلي كاظم المعموري
في المفصلات التاريخية التي تمثل انعطافات كبرى في حياة الشعوب الحية، توضع القيادات تحت المجهر، فإما أن تحملها لتضعها على مسار التطور والتقدم غير المرتد الى الخلف وتخرجها من عنق الزجاجة، وإما أن لا تحملها وتخضع للأتواء والانحدار والارتداد إلى الوراء البعيد، وعند كشف الحساب بعد 35 سنة من عمر الثورة الإسلامية في إيران أي منذ عام 1979-2015، يحق لكل المتابعين للشأن الإيراني سواء أكانوا محبين أو كارهين، أن يكونوا موضوعيين في التقويم، وهو ما أمكن ملاحظته فيما أطلق عليه تباركاً (ليلة القدر الايراني)، فقد أشاح المحبين عن عواطفهم فرحاً وغبطة، فيما التصقت شفاه الكارهين ولم تنبس شفاههم بشيء يذكر، وصمتوا صمت الساكنين تحت الثرى، وفاضت صدورهم بالغيض والنكد والحسرة.
ونحن هنا نقف في جانب الموضوعية والحيادية كباحثين عن الحقيقة ليس إلا، لنجري إعادة الحساب للآفاق المفتوحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونقارن ذلك بما أنجزته حكوماتنا العربية من طنجة الى صلالة.
منذ عقود مضت كانت تدبج صحفنا وكتبنا وخطابنا السياسي المبثوث، عبر عشرات القنوات الإعلامية المختلفة،أن القيادة الإيرانية هي (نظام حكم الملالي)، حتى بعضهم يختزل كل ذلك في أن القيادة الإيرانية هي حفنة من رجال دين لا شغل لهم، إلا بتطبيق المعايير الدينية قسراً على الناس، واضحت موضع تندر ورفض وافتراء وغيلة،وتم نعتها بما يعجز عنه (الفراهيدي) واضع أسس اللغة العربية من الأتيان به، لم تبقى مفردة محرضة إلا واطلقها الكارهون، وكنا نحن العرب نعول بأصرار على اصدقائنا وحماتنا الأميركان والبريطانيين، في أن يتصرفوا لتخليصنا من تجربة الحكم هذه، لا نكاية بإيران الشيعية فحسب، بل أن لا تكون على اعتاب خيامنا ومراعي جمالنا، حواضر وتقدم وتقنية وصناعة وسيادة وندية تامة، مع أقوى دولة في التاريخ (نظراً لفائض القوة العسكرية التي تمتلكها الولايات المتحدة وقوتها الاقتصادية وهيمنتها على (80%) من مصادر التقنية الفائقة، ناهيك عن قدرتها النووية التي باستطاعتها محو الكرة الارضية ومن فيها أكثر من 30 مرة)،- لفشلنا في كل شيء حتى في الحفاظ على جغرافيتنا الموروثة- ويعترف رئيسها (أوباما) بأنهم واجهوا نداً ذكياً. وهو اعتراف ليس بسهل أو أن يتم المرور عليه مرور الكرام. بل يحتاج من طبقتنا السياسية العربية وشعوبها ومثقفيها أن يتمعنوا ويأخذوا الدرس منها، وأنا أشك في ذلك؟.
إيران دولة خرجت من أتون حرب عالمية عام 1988، تجمعت فيها كل الدول الصديقة وغير الصديقة للعرب أميركا، والمانيا وفرنسا وبريطانيا … الخ في حرب دامت 8 سنوات، دفع العراق اليها دفعاً تحت عنفوان البداوة وانعدام الخبرة والافتقاد الى مسؤولية رجل الدولة وليس السلطة، لتبدأ رحلة التحدي الايراني، وأولى مسارات هذا التحدي هو الخطة الخمسية للاكتفاء الذاتي من الغذاء والتي ابتدأت من عام 1989-1994، والتي نتج عنها تأمين غذاء الشعب بكل مفرداته بنسبة تتراوح ما بين (75-100%)، وتابعت بسعي حثيث استكماله (100%) مستفيدة مما يحصل على حدودها من حرب الغذاء، وهذا انجاز كبير أعطى أكلوه المثمرة اليانعة لاحقاً، ووفر فرصة صمودها برغم العقوبات الاقتصادية، ثم سارت في طريق التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي، لتفتخر في عام 2014 بأن بعض من جامعاتها ضمن أفضل 100 جامعة بالعالم، وأن ترتيبها (8) بين دول العالم في تقنيات (النانو تكنولوجي)، و12 في (تقنيات السدود)، .. الخ.وأحدى دول نادي الفضاء العالمي، ودولة نووية تسيطر على الدورة النووية بشكل كاملة، بل وتصنع أجهزة الطرد المركزي، وتفك اسرار الماء الثقيل والبلوتونيوم، هذه انجازات حقيقية على الأرض، وليس مجرد اطلاق بالونات إعلامية في فضاء الحاكم الفاشل والشعوب المترهلة.
وفي ظل المنجز الإيراني المتوج بأعتراف العالم،بحق ايران بالطاقةالنووية، وهي تقف بقوة في فك لغز هذه التكنولوجيا ومعارفها وأسرارها، وأنها على مسافة ليست ببعيدة من السلاح النووي أن أرادت،لاسيّما وانها تملك الوسائل الناقلة له (الصواريخ القادرة على حمله)، وأنها تمكنت من بناء قاعدة معرفية ترتكز على مئات من المختصين بمختلف شؤون الطاقة النووية، وليس على أفراد كما في المشروع العراقي والمصري، والذين تم اغتيالهم من قبل الموساد، فلو اغتالات اسرائيل عشرات الخبراء الايرانيين لن تستطيع ايقاف منهجها وبرنامجها، وهذا تفكير استراتيجي ايراني عميق في بناء القدرات العلمية.
والسؤال أين نحن العرب من جيراننا، إيران نووية، تركيا الدولة تسلسل (16) اقتصادياً، اثيوبيا واحدة من سبعة أسرع اقتصادات في العالم من حيث النمو الاقتصادي.
جميع المؤشرات المعتمدة عالمياً لاغراض المقارنة والقياس، يأتي العرب في مؤخرة الركب، إلا في حالة واحدة، نحن الأول في العالم من حيث التهجير والقتل والمشاكل والازمات واصدار الفتاوى، غذائنا بنسبة 60-70% مستورد، جامعاتنا تقبع في التسلسلات الأخيرة في ترتيب جامعات العالم، عدد الأميين العرب ما بين 70-80 مليون، عدد العاطلين تجاوز100 مليون، من أكثر الدول استيراداً للسلاح في العالم… الخ، هل يمكن للعالم أن يحترمنا ولماذا؟
أنه يحترم الانداد والاقوياء ويحترم الشعوب وقياداتها الحريصة على بناء مستقبل لاجيالها، وحجز مقاعدها في الترتيب المتقدم من العالم، القيادات الكبيرة هي التي تفتح الفرص لشعوبها وتوسع خيارات التطور والتقدم لا تضيق عليها، لأن الله سبحانه وتعالى وسع علينا معيشتنا (الحياة الدنيا) في الأرض ووسع لنا الفرص في الرحمة والمغفرة للحياة (الأخروية)، ولكن حكامنا وأحزابنا ومفتي مذاهبنا ضيقوا علينا أرض الله الواسعة.جل ما نجيد فعله هو التغني على الاطلال والامجاد والتاريخ المزيف والقتل.
سيفتح ما أطلق عليه (ليلة القدر الايراني)، المجال رحباً صوب اعتلاء ناصية العلم والتقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي لإيران، هذا العام 2015ربما لا يعطي ثماره كاملة، واعتقد أن مع تحسن الوضع الاقتصادي شيئاً فشيئاً واستعادة العملة الايرانية لعافيتها، وتراجع التضخم وحوافز النمو الكامنة، وحجم الاستثمارات الضخمة المتربصة بقطاعات الاقتصاد الايراني، ومقارنة بحجم الناتج المحلي الاجمالي لعام 2014، والذي يتجاوز 365 مليار دولار، فأن الاقتصاد الايراني سيخطو في غضون 3 سنوات ليتجاوز حاجز 500 مليار دولار وهو ما سيضعه ضمن 20 أكبر اقتصاد في العالم. ناهيك عما ستفعله (120) مليار دولار التي سيتم الافراج عنها، من فرص استثمار لمشروعات عملاقة وكبيرة.
بجانب ذلك كله حجزت إيران موقعها كقوة اقليمية راسخة، لا يمكن للكبار أن يتجاوزها عند أي ترتيبات اقليمية، فمثلما لهم مصالح لابد أن يتحسبوا جيداً لمصالح ايران وتأثيراتها، لا سيّما وأن الأميركان يعترفون أن إيران قوة تستطيع اعاقتها في المنطقة، وهو ما سينعكس سلبياً على مصالحها مقابل تعظيم مصالح الدول المنافسة لها من مثل الصين وروسيا.
لمن يحسب هذا الفعل التاريخي للشعوب الحية المتطلعة، أم للشعوب النائمة الخاوية التي تعتاش على ريع النفط، هل هو يحسب للقيادات الذكية والعقلانية والشجاعة أم للقيادات المتخلفة المتهورة والخانعة، هل يمكن أن يشكل هذا صدمة لشعوبنا، بحيث نرى محاسبة شعبية للنظم والحكام والطبقة السياسية، عن هدر فرصتنا في التقدم لأكثر من 70 سنة. أم نردد بيت الكبير الجواهري:
يا دجلة الخير قد هانت مطامحنا ……. حتى لإدنى طماحٍ غير مضمونِ
حتى الكهرباء والماء الصالح للشرب والطرق المبلطة ومدارس نظيفة ومستشفيات تقدم خدمة حقيقية، وطبقة سياسية تحترم الشعب بدلاً من احترام حساباتها المصرفية، ورجل دين تتحلى فيه شجاعة ابا ذر الغفاري، كل هذه المطامح البسيطة المتواضعة التي تشكل ألف باء مسؤولية الحاكم والسلطة والحزب والدين والدولة غير مضمونة في دولنا وبخاصة العراق… رحم الله الجواهري عندما اختزل مستقبلنا ببيت شعر واحد وليس بقصيدة. وطوبى للشعوب التي تستحق المجد ولقيادتها المخلصة والذكية