تحليلات واراء
الحرب العبثية على اليمن.. إلى أين تقود العرب؟
حرب جديدة في البلدان العربية… وهذه المرة مجددا على فقرائها. هكذا، بكل بساطة، فتحت الحرب التي تقودها المملكة السعودية، جبهة جديدة في منطقة بالغة الحساسية، على المستويين الإقليمي والدولي، بعدما جمعت تسع دول أخرى في تحالف إقليمي ضد شعب اليمن، الذي يتلقى نيران “عاصفة الحزم” من سماء بلاده منذ ليل أمس الأول. ويبدو أن الحرب الجديدة التي تقودها المملكة ضد جارتها الفقيرة، تتجاوز فكرة “درء الخطر” الحوثي، و “دعم الشرعية” التي يمثلها، بحسب الخليجيين، عبد ربه هادي منصور، غداة سيطرة “أنصار الله” على عدن، التي سعى الرئيس المتراجع عن استقالته إلى تحويلها إلى عاصمة لليمن بدلا من صنعاء، وهو ما سارعت الدول الخليجية إلى تبنيه، برغم محاذيره في بلد، لطالما تأرجح، لأسباب تاريخية وسياسية وديموغرافية، بين الوحدة والتقسيم. وفيما تبدو الصورة الميدانية قاتمة، بالنظر إلى التخندق الإعلامي الذي صار سمة بارزة في “الربيع العربي”، فإن المؤكد أن ما يجري في اليمن اليوم، ليس مجرد حملة عسكرية تأديبية، على غرار الحملات العسكرية الست، التي خاضها نظام علي عبد الله صالح ضد الحوثيين، بتعاون وتنسيق مع السعوديين، بل ينذر بحرب شاملة وطويلة الأمد، في ظل مجموعة عوامل داخلية وإقليمية ودولية محفزة قد تساهم في تعزيز التشرذم العربي. وعلى المستوى الداخلي، فإن الحرب السعودية/ العربية، بتأييد أميركي بريطاني فرنسي تركي، على اليمن، تأتي في خضم أزمة سياسية، تجددت بعد تراجع منصور هادي نفسه، وبعض القوى القريبة منه أو المتقاطعة معه، عن اتفاق المصالحة، الذي تم التوافق عليه لحل الصراع السياسي، في أيلول الماضي، بديلا من لغة السلاح، غداة سيطرة الحوثيين على صنعاء، وهو ما أفضى إلى سلسلة تطورات بلغت مسارا تصاعديا، بدءا بإصدار “أنصار الله” الإعلان الدستوري بعد استقالة الرئيس الذي كان يفترض أن يكون رئيسا توافقيا، وصولا إلى بداية مرحلة الذروة من خلال إعلان الحرب. أما على المستوى الإقليمي، فإن الحرب الجديدة تأتي في سياق حرب أكبر بين الجماعات التكفيرية من جهة، وبين “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة والقوى الإقليمية من جهة ثانية، وفي خضم هجرة “داعشية” جديدة من العراق وسوريا، حيث يتكبد التنظيم المتشدد ضربات قاسية، إلى أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية التي صارت منذ فترة طويلة معقلا لإرهابيي تنظيم “القاعدة”. وعلى المستوى الإقليمي أيضا، لا يمكن تجاهل أن الحرب المتعددة الجنسيات على اليمن تأتي في سياق تنافس حاد بين الدول الخليجية وبين إيران، على خلفية المفاوضات النووية، وفي ظل استعادة المملكة السعودية زمام المبادرة، غداة تراجع الدور القطري، ولو شكليا، وتزعزع مشروع “الأخونة”، الذي أسقطه الحوثيون في اليمن، بعد الانتصار الذي حققوه على “حزب الإصلاح”، بالتعاون مع قبائل “حاشد” التي ينتمي إليها الجناح الأساسي في هذا الحزب، والمتمثل بآل الأحمر. وعلى المستوى الدولي، تأتي الحرب على اليمن، في خضم حربين يخوضهما الغرب: الأولى علنية (ومن المؤكد أن بعض تفاصيلها سرية) على جبهة “داعش”، والثانية خفية على جبهة الأسواق النفطية، التي ارتفعت مؤشراتها يوم أمس متأثرة بمخاوف من أن تفضي التطورات الأمنية إلى إقفال مضيق باب المندب. وفي العموم، يمكن القول إن اليمن، وبعد انقضاء منتصف ليل أمس الأول، لن يعود إلى ما كان عليه. وقبل يومين فقط، كان الميدان لمصلحة “أنصار الله” التي كانت قد أحرزت تقدما ميدانيا كبيرا على محاور جنوبية عدة كان أبرزها وصولها إلى عدن، وسيطرتها على قاعدة العند الجوية. لكن ما لم يكن مقدرا، في هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها المنطقة، حصل بقرار إقليمي وغطاء دولي أقرا لزوم محاربة جار المملكة الضعيف، ليبقى كذلك، والحجة أن التوازنات الاستراتيجية لا تسمح لجماعة متحالفة مع إيران بالسيطرة على أحد الملاعب الخلفية للمملكة. اتخذ قرار بالعدوان، وانطلق بمشاركة عشر دول تقودها السعودية وتدعمها لوجستيا الولايات المتحدة، فيما علت الأصوات المرحبة عربيا ودوليا. ويبدو أن التحضيرات للحرب، باسم “عاصفة الحزم”، بدأت منذ مدة، وتحديدا بعد دعوة الرئيس، المتراجع عن استقالته، عبد ربه منصور هادي مجلس الأمن الدولي إلى تدخل عسكري في بلاده، تحت الفصل السابع، إلا أن الدعوة تلك لم تلق اذانا صاغية من قبل المجلس، فعاد الرئيس وزكاها برسالة إلى مجلس التعاون الخليجي يستنجد فيها بحلفائه ويدعوها كي تتدخل قوات “درع الجزيرة” لوقف التمدد الحوثي في اليمن، خصوصا أن مضيق باب المندب بات في متناول “أنصار الله”. قبل ذلك بساعات، كانت الجماعة قد أحكمت طوقها حول عدن وسيطرت على مطارها الدولي، وباتت قاب قوسين من المضيق الإستراتيجي، كل التقدم الذي أحرز بعد سيطرتها على تعز ولحج الجنوبيتين، حصل خلال يومين من دون مقاومة تذكر. ويعود السبب في ذلك إلى التشرذم الذي ظهر في صفوف الجيش والقوات المسلحة التي انقسمت ما بين معسكري هادي وميليشياته، والحوثيين. وضم “تحالف عاصفة الحزم” إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية، قطر، البحرين، الإمارات والكويت)، كلا من مصر والأردن والسودان وباكستان والمغرب. بدأت الطلعات الجوية فوق العاصمة واستمرت طيلة يوم أمس على امتداد الأراضي اليمنية، فاستهدفت مطار صنعاء الدولي وقاعدة الدليمي الجوية، كما ألحقت أضرارا كبيرة في أحياء العاصمة، وأدت إلى مقتل وجرح عشرات المدنيين، وطالت الضربات الجوية معقل الحوثيين في صعدة وتعز جنوبا، والهدف المعلن لدول “التحالف”: وقف تقدم الحوثيين لمنعهم من السيطرة على اليمن. وهذه العملية التي أعلن عن بدئها سفير السعودية في واشنطن عادل الجبير، والتي قد تكون سابقة، باعتبار أن قرار الحرب ضد دولة أخرى يعلنه عادة إما وزير الدفاع أو حكومة البلاد، لكن الأمر اختلف مع المملكة التي يبدو أنها قررت اتخاذ قرارها من العاصمة الأميركية، التي أيدت وتفهمت العملية العسكرية، مع دعوات مبطنة إلى استئناف المفاوضات، كحل نهائي للأزمة في اليمن. ويبقى أن المواقف البارزة جاءت على لسان كل من الاتحاد الأوروبي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إذ لم يظهر لدى الطرفين الدعم المعهود للخطوات والقرارات التي يتخذها حلفاء الولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن الدولي كان قد اكتفى بدعمه “شرعية” هادي، إلى جانب تجديد دعوته إلى الحوار السياسي بين اليمنيين، من دون الموافقة على التدخل العسكري الذي دعا إليه هادي. ويعتبر انضمام مصر إلى العملية بديهيا بالنسبة إلى كثيرين، بعدما كانت قد أكدت أن أمن الخليج (الفارسي) يمثل خطا أحمر بالنسبة إليها، وانطلاقا من الحفاظ على مصالحها، خصوصا أن الصراع في اليمن كان يقترب من مضيق باب المندب، مهددا بذلك الملاحة في المضيق، وبالتالي في البحر الأحمر، الأمر الذي من شأنه أن يشكل خطورة على حركة مرور السفن في قناة السويس. وفي هذا السياق، وجه زعيم “أنصار الله” عبد الملك الحوثي كلمة للمصريين، قال فيها: “إذا دخلت جيوشكم إلى مدن هذا الشعب وقراه، فسترون ما سيحل بها، ويعلم الله من سيعود، وأتوجه هنا إلى الشعب المصري… لا تكرروا التجربة الخاطئة… نحن نعلم أن الشعب المصري شعب عزيز يحب اليمن، ولكن لا تبيعوا جيشكم بقليل من المال”. وفي “إسرائيل” بدت المواقف مرحبة، إذ إن تقدم الحوثيين في اليمن كان يشكل قلقا بالنسبة إليها، والسبب في ذلك يعود إلى احتمال سيطرة إيران على مضيق باب المندب، ما يعني احتمال المساس بالسفن الإسرائيلية التي تمر هناك. لكن، وبحسب محرر الشؤون العربية في موقع “والا” الإخباري آفي يسخاروف، فإن الأمر لا يتوقف عند ضرب السفن، لأن سيطرة الحوثيين على اليمن تثير مخاوف في “إسرائيل” جراء صعود قوة إيران وتحسين مواقعها التفاوضية حول مشروعها النووي. نقلاً عن موقع السفير