تحليلات واراء
السعودية ورهاب الأعداء الأبديين
منيب السائح
بعد فشل وكلائها ، السياسيين والمسلحين، في وضع العصي في عجلة ثورة الشعب اليمني ، اخذت السعودية تعدد وبشكل علني بالتدخل عسكريا في اليمن ، لاعادة اليمنيين الى بيت الطاعة السعودي.
بعد تخبط عبد ربه منصور هادي ، رجلها الضعيف في اليمن ، وعدم قدرته على تنفيذ أجندات السعودية ، وبغض اليمنيين للقاعدة و”داعش” وجميع المجموعات التكفيرية المسلحة التي تمولهم وتدعمهم السعودية ، لم يعد أمام السعودية من وسيلة الا التلويح بالتدخل العسكري المباشر، تحت شعار وقف “عدوان الحوثيين” والدفاع عن الامن القومي السعودي.
التهديد السعودي بالتدخل عسكريا في اليمن جاء على لسان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره البريطاني فيليب هاموند ، حيث هدد الفيصل وبشكل حازم انه في حال لم تحل الأزمة اليمنية سلميا، فان دول المنطقة ستتخذ الخطوات اللازمة ضد العدوان.
تهديدات الفيصل تزامنت مع البيان الصادر عن اجتماع مجلس الوزراء السعودي الذي ترأسه الملك سلمان بن عبد العزيز ، والذي كرر ذات التهديدات عندما أعلن ان السعودية تجدد وقوفها الى جانب الشرعية والشعب اليمني بامكانياتها كافة.
هذه التهديدات ، تأتي على وقع مطالبة وزير خارجية عبد ربه منصور هادي ، رياض ياسين، مجلس التعاون الخليجي ودرعه “درع الجزيرة” للتدخل عسكريا في اليمن من أجل الدفاع عما أسماه المصالح الحيوية وكذلك الحدود قبل ان يتمدد الحوثيون ويسقطون كل اليمن.
لسنا بصدد تحليل هذه التهديدات وهل هي واقعية ام لا، لان زمن التدخل العسكري في شؤون البلدان الأخرى قد ولى ، فهذه تجربة فشلت فيها دول تدعي زعامة العالم كامريكا ، فما بالك بدول مثل السعودية تهدد بغزو دولة مثل اليمن ، فهذه تهديدات أشبه بالمزحة ، فاليمن ليس البحرين التي غزتها السعودية، فالحالة البحرينية حالة استثنائية، لها خصوصياتها التي تنفرد بها ، وتعود الكثير منها الى اصرار قيادة المعارضة والشعب البحريني على الخيار السلمي في مواجهة الاستبداد الخليفي والاحتلال السعودي.
الذي نود التأكيد عليه في هذا المقال هو: لماذا كل هذا الحقد السعودي على الشعب اليمني وخاصة انصار الله والحوثيين؟، ترى كيف يمكن للسعودية ان تدعي الحرص على اليمن وهي التي كانت ومازالت تنظر الى الشعب اليمني نظرة استعلائية ، والى اليمن كحديقة خلفية لها ، ورفضت ومازالت دعوة اليمنيين للانضمام الى مجلس التعاون الخليجي ، خوفا لافساد اليمن الفقير والمعدم لنادي الاثرياء العرب؟، وكيف يمكن لانصار الله ان يثقوا بالسعودية التي دعت الاطراف اليمنية للحوار في الرياض بينما هي تصنف حركة انصار الله على انها جماعة ارهابية ، ولاتخفي عداءها لهم ، بل وتتمنى ان تصحو يوما ولاتجد أثرا لانصار الله والحوثيين في اليمن؟.
الفشل السياسي المزمن للسعودية، ليس في اليمن فحسب بل في المنطقة عموما ، يعود الى تعاملها القبلي والطائفي مع القضايا السياسية الاقليمية والدولية ، وهذا التعامل لايعرف غير لونين ، اما الابيض ، وهو لون الاصدقاء ، واما الاسود ، وهو لون الاعداء ، الذين يجب القضاء عليهم باي شكل من الاشكال ، ولا مكان للون الرمادي في السياسة السعودية ،وهو اللون الذي يشغل المساحة الاكبر في العلاقات الدولية.
السعودية ترى في ايران وسوريا والعراق والبحرين وحزب الله وانصار الله وحماس والجهاد الاسلامي ، اعداء لايمكن ان تلتقي معهم مطلقا ، انطلاقا من عقيدتها الوهابية ، وهذا العداء الاعمى يحتم عليها ان تجند كل امكانات الداخلية وعلاقاتها الخارجية ، وان تنفق كل ميزانيتها ، وان تغرق الاسواق العالمية بنفط أرخص من التراب، من اجل القضاء على هؤلاء الاعداء، فهذه النظرة القبلية في التعامل مع الآخر والتي تعممها السعودية على علاقاتها مع الدول والشعوب، هي التي تجعل للسعوديين اعداء ابديين، وتعيش ايضا في صراع جدي ابدي معهم، ويمكن تلمس هذه السياسة من مواقف السعودية الغريزية ، ازاء ايران ، وحتى إزاء علاقات ايران مع باقي الدول الاخرى ، وكذلك موقفها من الحكومتين العراقية والسورية، ومن الثورة في البحرين، ومن حزب الله وانصار الله.
علاقة السعودية مع انصار الله والحوثيين، مؤطرة بتلك النظرة القبلية الطائفية الضيقة، فالسعودية، ورغم وجود انصار الله والحوثيين كاقوى لاعب في المشهد اليمني، الا انها تتجاهل هذا اللاعب الاقوى في تعاملها مع اليمن ، فالمراقب لتطورات الاحداث اليمنية خلال السنوات الاربعة الماضية ، يرى تجاهلا لافتا وغريبا وغير مفهوم للسعودية لانصارالله والحوثيين ، فلا اثر لهم في المبادرة الخليجية ، ولاتريد ان يكون لهم اي دور في مستقبل اليمن ، واذا ما أرادت الاشارة اليهم وضعتهم في خانة القاعدة و “داعش” فهم ارهابيون شأنهم شأن هذه المجموعات التكفيرية.
وعندما استطاع انصار الله الى جانب باقي القوى الثورية ، ان يفرضوا انفسهم على المشهد اليمني ، ويحرروا اليمن من الهيمنة السعودية ، اخذت السعودية ، وانطلاقا من تلك النظرة القبلية الطائفية الضيقة ، بتكرار اسطوانتها عن “الخطر الشيعي ” و”الطابور الايراني الخامس ” و”التدخل الايراني” و “التهديد الايراني ” و “التمدد الايراني” و “الامبراطورية الفارسية” ، وهي محاولة عقيمة وعبثية لاظهار الحوثيين والزيديين، الذين يمثلون نسبة لا يستهان بها من الشعب اليمني ، على انهم “عملاء لايران” ، دون ان تفكر بالتداعيات الخطيرة لمثل هذه السياسة والنظرة البلهاء لقضايا المنطقة الحساسة.
السعودية كانت ومازالت تدفع أثمانا باهظة لهذه السياسة ، عندما ناصبت العداء لنحو 70 بالمائة من الشعب العراقي ، لمجرد انهم من الشيعة ، وناصبت ومازالت العداء لاكثر من 80 بالمائة من الشعب البحريني ، لمجرد انهم شيعة ، ناصبت ومازالت العداء للحكومة السورية ، لمجرد ان بعض قيادتها من العلويين ، وناصبت ومازالت العداء لحزب الله ، لمجرد ان اعضائه من الشيعة ، كما ناصبت ومازالت العداء لانصار الله والحوثيين ، لمجرد انهم من الزيديين ، وناصبت ومازالت العداء لدولة اسلامية كبرى وجارة لها مثل ايران لمجرد انها دولة اغلب سكانها من الشيعة ، ولم تحاول يوما التواصل معهم عبرالروابط المشتركة العديدة التي تربطهم معها مثل رابطة الدين والتاريخ واللغة والثقافة والجغرافيا والعلاقات الاجتماعية والمصير المشترك والمصالح المشتركة ، بل على العكس تماما سخرت كل امكانياتها للتعامل معهم على انهم اعداء ابديون لايمكن الاطمئنان لهم او الثقة بهم ، والغريب ان السعودية تتصرف بعداء غريزي يتجاوز عداء الامريكيين والغربيين ، الذين قد تدفعهم الوقائع والحقائق على الارض في بعض الاحيان للرضوخ والاعتراف بايران كدولة اقليمية كبرى ، او بحزب الله كلاعب اقليمي لايمكن تجاوزه بعد ان مرغ أنف “اسرائيل” بالوحل، او العراق كدولة ذات سيادة يحكمها نظام يمقراطي منبثق من ارادة شعبية، او الحكومة السورية كحكومة تمتلك رصيدا شعبيا جعلها تقاوم الهجمة التي تعرضت لها خلال السنوات الاربع الماضية ، او حركة انصار الله ، كحركة وطنية يمنية اصيلة ، تمثل قطاعات واسعة من الشعب اليمني.
انه ومن اجل ان تتحول السعودية الى دولة تتعايش مع محيطها بشكل طبيعي، عليها ان تتجاوز نظرتها القبلية الطائفية لدول وشعوب المنطقة ، وان تتعالج من مرض الخوف من ايران ، ومن رهاب الاعداء الابديين ، وان تكف عن النظر الى الطوائف الاسلامية الاخرى التي تتالف منها شعوب المنطقة على انها عملاء لايران ، وان تتعامل مع ما يجري في اليمن على انه شأن داخلي يمني ، وان جميع الاطراف هناك ، عدا “الدواعش” والقاعدة ، هم يمنيون يمثلون الشعب اليمني ، وان تتعامل معهم بايجابية واحترام ، لا ان تمنح اوسمة الوطنية للبعض وتلبس البعض الاخر لباس العمالة ، فالسعودية لا يمكنها ان “توهبن” الناس بالقوة ، فما ذنب اليمني او العراقي او السوري او اللبناني او البحريني او السعودي او الكويتي ، اذا كان شيعيا؟، فلا يحق للسعودية ان تتجاهل التنوع المذهبي، او ان تسعى للقضاء عليه بالقوة، فهذا التنوع المذهبي موجود منذ اكثر من الف عام ، وان هناك حكمة الهية وراء ذلك .. “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة“.
نقلاً عن موقع شفقنا