ابحاث ودراساتسلايدر
العلاقات الصينية – الايرانية في عالم متغير!!
د. فاضل عبدعلي حسن
مركز ذي قار للدراسات التاريخية والآثارية
جامعة ذي قار
لم تعد اليوم قوة الدول العظمى كما كانت في السابق تقاس بمدى قدرة الدولة على امتلاك القوة الصلبة ( العسكرية والاقتصادية ) فحسب، بل أصبح التوجه نحو القوة الناعمة والافتراضية، وهنالك دول ركزت على النمو الاقتصادي المتسارع كالصين، فالأخيرة هي الوصيفة من حيث الترتيب العالمي لمستوى قوة الاقتصاد بعد الولايات المتحدة الأمريكية بناتج اجمالي يصل نحو 14 ترليون دولار، مقارنة بالناتج الاجمالي الأمريكي الذي يصل نحو22 ترليون دولار(*)، من هنا تتطلع الصين الى اعادة تجربة طريق الحرير الصيني القديم، عبر مبادرة الحزام والطريق الجديد لربط أغلب طرق العالم التجارية في استراتيجية الحزام والطريق الجديد، لتتمكن الصين من السيطرة والنفوذ والهيمنة على التجارة العالمية، إلا أن هذه المبادرة واجهت الكثير من التحديات كونها لا تتلاءم مع مصالح بعض الدول لا سيما الكبرى منها كالولايات المتحدة الأمريكية والهند و حتى ايران وبعض الدول العربية وغيرها.
من هنا فقد قامت الصين وبحكم موقعها ومكانتها الاقتصادية والسياسية والديموغرافية والاستراتيجية ودورها الاقليمي والدولي في التفاعلات الدولية، وقد حتمت عليها هذه المعطيات من أن تعزز وجودها والسعي نحو الوصول الى مرحلة تحقيق المصالح الصينية العليا، وعليه فقد تم طرح استراتيجية الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، كون أن هذه الاستراتيجية الجديدة جاءت لتتلاءم ومتطلبات متغيرات طبيعة النظام الدولي وفواعله.
وعلى الرغم من أن ايران لم تبدِ موقفاً صريحاً علنياً يقف بالضد من دخول ميناء غوادر(**) الى العمل، هذا الميناء الذي دفعت الصين ثمنه الى باكستان من أجل استثماره لمدة 46 سنة لأن الأخير يؤثر بشكل مباشر على حركة التجارة في منطقة الخليج العربي ويؤثر أيضاً على العائدات التجارية لكل دول المنطقة، إلا أن ايران وبمساعدة الإمارات وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والهند أقدمت الى إعادة تأهيل وتطوير ميناء تشابهار(***) الإيراني وإعادته الى العمل لمنافسة ميناء غوادر والذي يبعد عن الأخير بنحو 70 كم.
وعلى الرغم من التحالف الهندي – الايراني بشأن تطوير ميناء تشابهار إلا أنه كانت هنالك مخاوف هندية من عدم جدية ايران في اتفاق ميناء تشابهار وتطويره، لأن ايران من الممكن أن لا تساعد الهند في تحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة مستقبلاً، وهذا بسبب قوة العلاقات الاقتصادية والسياسية ما بين ايران والصين، كون الأخيرة لا تستطيع الاستغناء عن النفط الايراني وتعد أكبر مستورد للنفط الايراني وتعد الصين هي الأخرى بالنسبة الى ايران احدى أهم أولوياتها، لذا لم تبدِ ايران اعتراضاً علنياً على مشروع ميناء غوادر بل على العكس رحبت به، ومن جانب آخر تسير ايران بخطى حثيثة للتعاون الاقتصادي مع باكستان المختلفة والمتنازعة مع الهند، ومن الجدير بالذكر فان ايران تحاول فك الحصار عنها بسبب العقوبات الدولية واجتذاب الاستثمارات الأجنبية لا سيما في مجال الطاقة، وهي تعول على الصين في هذا الأمر كأحد أهم الحلفاء، وميناء تشابهار هو مشروع من عدة مشاريع تحاول ايران تطويرها بالاستعانة بالشركاء الاقليميين والحلفاء، لذا ومن خلال ما تقدم فان الصين تعد حليف استراتيجي الى ايران لا يمكن الاستغناء عنه.
ومن الجدير بالذكر فالصين تعد من بين أهم المستهلكين للطاقة في العالم وبالأخص النفط الروسي والايراني، وعليه فعلى الرغم من أهمية روسيا الكبيرة بالنسبة للصين وأهمية الطاقة والنفط الروسي لها إلا أنه في الوقت نفسه هذا الأمر يعد مصدر قلق للصين من أن تقع تحت رحمة الضغط الروسي بسبب حاجتها للنفط والطاقة التي جعلتها تدخل في تنافس مع دول أخرى من أجل ضمان أمن الطاقة لديها، من هنا فان الصين لم تقلل من مستوى أهمية علاقتها الاستراتيجية مع ايران فالصين تعد من بين أهم المستهلكين للطاقة الايرانية، ومن جانبها فإن ايران أيضاً فقد مسكت العصا من الوسط في علاقاتها الدولية مع الصين والهند وروسيا من أجل رسم استراتيجية مستقبلية في تطوير ملفها النووي والحد من الهيمنة الدولية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أوجدت مشتركات عديدة في علاقاتها مع الصين والهند وروسيا عبر انضمامها الى منظمة شنغهاي للتعاون(****) بصفة مراقب.
فبالإضافة إلى الدول الأعضاء أصبح لإيران مكانة مهمة كمراقب في منظمة شنغهاي للتعاون، كونها تعد من بين أهم الدول التي تمتلك الطاقة ( النفط والغاز) فضلاً عن روسيا، بالتالي فحاجة الصين والهند للطاقة، أدى إلى الاعتماد على نفط وغاز إيران، بالتالي فان هذا التداخل في العلاقات ما بين الهند والصين وايران وروسيا يزيد من قوة منظمة شنغهاي للتعاون وتأثيرها في السياسة الدولية، ما يثير حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما حيال الهند التي تعتبرها الحليف الاستراتيجي المهم والمؤثر في آسيا والموازن للصين، بالتالي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية التنسيق مع كافة الدول المحيطة بإيران لعزلها، ومع أن الهند تتمتع بعلاقات ايجابية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ينبغي عليها انتهاج استراتيجيتها الخاصة بها حيال إيران، فإذا تخلت الهند عن إيران أملاً بالحصول على الطاقة النووية من الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تخرج من الأمر خالية الوفاض، إذ يمكن أن تخسر الهند خط أنابيبها الاستراتيجي مع ايران، وأن تتخلى الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً عن الصفقة النووية في أي وقت من الأوقات مستقبلاً، أما خطوط الأنابيب من إيران وآسيا الوسطى فتعد أحدى شرايين الحياة الاستراتيجية في أمن الطاقة الهندية.
فالصين اليوم تؤدي دوراً مهماً ومحورياً واستراتيجياً في العالم لرسم ملامح نظام دولي جديد تكون الصين أحد الفواعل واللاعبين المؤثرين فيه إن لم تكن في مقدمة هؤلاء اللاعبين والفواعل، وهي أيضاً من بين الدول التي تسعى للحصول على مكانة عالمية في النظام الدولي، فهي القوة الاقتصادية المرشحة لمنافسة الولايات المتحدة الأمريكية في النظام الدولي، وهذا ما أدركته الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الاقتصاد المتسارع النمو للصين والذي بدأ قفزاته السريعة مطلع عقد التسعينيات، وقدراتها الديموغرافية وقوتها العسكرية وهذا ما يجعلها المنافس الأهم والأكبر للولايات المتحدة الأمريكية.
ويظهر مما تقدم بأن إبرام الاتفاقية الصينية – الايرانية في هذا الظرف له عدة اعتبارات ورؤى استراتيجية تتمثل في أن البلدين ليهما مصالح مشتركة، فالصين البلد المنافس الأول للولايات المتحدة الأمريكية وهذا ما ينعكس ايجاباً على مستقبل العلاقة بين الطرفين سيما وأن ايران تخضع الى حصار دولي الأمر الذي يدفعها الى الانفتاح على العالم الخارجي ولا سيما الدول المهمة والكبرى كالصين لإضفاء جانب من التوازن الدولي في علاقاتها الدولية، فبعد التوتر الحاصل في العلاقات الأمريكية – الايرانية والحصار الدولي على ايران لا بد من أن تبحث الأخيرة عن البديل الناجح، فالصين تعد من بين الدول المهمة والكبيرة وتعد من بين الدول الدائمة كعضو في مجلس الأمن، فإبرام تلك الاتفاقية الاستراتيجية التي أمدها 25 سنة بين الصين وايران ما هي إلا اعتمادية متبادلة بين الطرفين، ايران تلك الدولة التي تبحث عمن يقف بجانبها ويوفر لها الغطاء والدعم من أجل تطوير مشروعها النووي وتطوير قدراتها التكنولوجية وحماية مؤسساتها كدولة ثيوقراطية مهددة اقليمياً ودولياً، والصين التي تعتزم نجاح مشروعها الاقتصادي الكبير ( طريق الحرير ) وهذا ما يوفر وقتاً وأموالاً كبيرة الى الصين فضلاً عن النفط والطاقة الايرانيتين كون أن ايران تعد ثاني بلد في احتياطي النفط بعد روسيا وهذا ما يوفر استمرار الطاقة التي تحتاجها الصين طيلة تلك الفترة المقبلة، فالصين تستورد جزء من احتياجها للنفط من دول تابعة للنفوذ الأمريكي في الخليج العربي، بالتالي من الممكن أن تضغط الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الجانب على الصين للتقليل من منافستها اقتصادياً، لذا وجدت الصين البديل لذلك في النفط الايراني والذي يبدو أكثر قرباً من نفط دول الخليج الذي تتزود به الصين عبر الممرات الملاحية، وتأسيساً على ما تقدم فان الصين تعتقد بأنها قد كسبت حليفاً مهماً وقوياً اقليمياً وان الحصار المفروض على ايران لم يعد يؤثر بشكل كبير بعد هذه الاتفاقية .
الهوامش:
(*) المؤشرات الاقتصادية للبنك الدولي https://data.albankaldawli.org/indicator.
https://www.avatradear.com/education/economic-indicators المؤشرات الاقتصادية الدولية
(**) ميناء غوادار ميناء عميق يقع على بحر العرب في جوادر في مقاطعة بلوشيستان في باكستان، ويبرز الميناء بشكل جلي في خطة الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، وهو يعتبر حلقة وصل بين المشروع الطموح في الحزام الواحد والطريق الواحد، وقد ثبت لأول مرة إمكانية غوادر في أن يكون ميناء بحري عميق المياه في عام 1954، في حين كانت المدينة لا تزال تحت سيطرة سلطنة عُمان، ولم تتحقق خطط بناء الميناء حتى عام 2007، عندما تم افتتاح الميناء من قبل بارويز مشرف بعد أربع سنوات من البناء، بتكلفة 248 مليون دولار، في عام 2015 أعلن أن المدينة والميناء سيتم تطويرها في إطار كبيكCPEC بتكلفة 1.62 مليار دولار بهدف ربط شمال باكستان وغرب الصين بميناء المياه العميقة وسيكون الميناء أيضا موقعا لمرفق غاز طبيعي مسال عائم سيتم بناؤه كجزء من الجزء الأكبر من غوادار الذي يبلغ 2.5 مليار دولار من مشروع خط أنابيب الغاز الإيراني الباكستاني، بدأ البناء في يونيو 2016 على منطقة غوادر الاقتصادية الخاصة، التي يجري بناؤها على 2992 فدان الموقع المتاخم لميناء غوادر في أواخر عام 2015، تم تأجير الميناء رسميا للصين لمدة 46 عاما، حتى عام 2059.
متاح على النت على الرابط التالي : https://ar.wikipedia.org/wiki/
(***) ميناء تشابهار مشروع ايراني هندي توقف لعدة سنوات بسبب العقوبات الدولية المفروضة على ايران، وتمت العودة من جديد للعمل بهذا المشروع بعد توقيع اتفاقية بين الهند وايران وأفغانستان وتكفلت الهند بجزء كبير من تطوير الميناء وانشاء سكك حديد تصل الميناء بأفغانستان لتحقيق أهداف اقتصادية واستراتيجية طموحة تخدم مصالح الأطراف كافة، ويقع الميناء في منطقة تشابهار الحرة على بعد اكثر من 1800 كم من العاصمة الايرانية في محافظة سيستان وبلوشستان الواقعة جنوب شرقي ايران بالقرب من الحدود الباكستانية، وهو الميناء الايراني الوحيد على شمالي المحيط الهندي وأول ميناء ايراني خارج مضيق هرمز، وهو الميناء المكتظ بحركة المرور الكثيفة للسفن التجارية وناقلات النفط، وهو يضمن سهولة وسرعة حركة البضائع وصادرات الطاقة الايرانية، ومن بين الأهداف الاستراتيجية للميناء التي دعت الهند الى المساهمة في تطويره مع ايران، هو تهميش النفوذ الباكستاني في المنطقة كون باكستان تعد حلفية الى السعودية المنافس اللدود الى ايران، فضلاً عن ذلك فيعد ميناء تشابهار عنصر توازن ما بين القوى الاقليمية والدولية عبر السيطرة وفرض الهيمنة على العمليات التجارية في الاقليم، وتحجيم الدور المحوري الى ميناء غوادر . ينظر : احمد شمس الدين ليلة، الأهمية الاقتصادية لميناء تشابهار والفرص المتاحة لإيران والهند وأفغانستان، مجلة الدراسات الايرانية، مركز الخليج العربي للدراسات الايرانية، السنة الأولى، العدد الأول، ديسمبر 2016، ص 118-128 .
(****) هي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية، تأسست في 15 يونيو 2001 في مدينة شنغهاي، على يد قادة ستة دول آسوية؛ هي الصين، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان، وأوزبكستان. وقع ميثاق منظمة شانغهاي للتعاون في يونيو 2002، ودخل حيز التنفيذ في 19 سبتمبر 2003، كانت هذه البلدان باستثناء أوزبكستان أعضاء في «مجموعة شانغهاي الخماسية» التي تأسست في 26 أبريل 1996 في شنغهاي، ودخلت في عام يونيو/ 2017 الهند وباكستان كعضوين دائمين في المنظمة، فأصبح عدد الأعضاء الدائمين 8 أعضاء، ويذكر بأن الصين كانت بمعية روسيا قد أسستا تلك المنظمة لمحاولة الحد من الهيمنة الأمريكية في النظام العالمي ومنطقة آسيا الوسطى. للمزيد من التفاصيل يراجع : موقع المنظمة متاح على شبكة الأنترنت، https://ar.wikipedia.org/wiki .
5- 7- احمد عبدالجبار عبدالله، الصين والتوازن الاستراتيجي العالمي بعد عام 2001 وآفاق المستقبل، الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، بيروت 2015.
6- مجموعة باحثين، الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية التنافس على موارد الطاقة، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط1، أبو ظبي 2008.
7- بافل باييف، القوة العسكرية وسياسة الطاقة بوتين والبحث عن العظمة الروسية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، دراسات مترجمة 41، ط1، أبو ظبي 2010.