ابحاث ودراساتسلايدر
ماذا بعد إصدار القضاء العراقي مذكرة القبض ضد الرئيس الامريكي في جريمة مطار بغداد؟
الدكتور مصدق عادل
كلية القانون – جامعة بغداد
مركز حمورابي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية
بتاريخ 7 كانون الثاني 2021 استهل القضاء العراقي أعماله للسنة الميلادية الجديدة بإصدار محكمة تحقيق الكرادة التابعة لمحكمة استئناف بغداد الرصافة الاتحادية مذكرة القبض المرقمة 4588-6-1-2021 ضد المتهم الرئيس الأمريكي (دونالد جون ترامب) وفقاً لأحكام المادة (406) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 [1]عن جريمة القتل العمدي لنائب رئيس هيئة الحشد الشعبي (أبو مهندس المهندس) وضيوفه في محيط مطار بغداد الدولي صبيحة يوم 3/1/2020.
وعلى الرغم مما يتراءى للبعض من القانونيين والمحليين السياسيين عدم جدوى قانونية وراء إصدار هذه المذكرة ضد الرئيس الأمريكي، وذلك لقرب انتهاء ولايته في 20 كانون الثاني 2021، فضلاً عن تعذر تنفيذ مذكرة القبض داخل حدود الولايات المتحدة الامريكية وغيرها من الدول الأخرى، غير أنَّ هناك العديد من الابعاد الاستراتيجية المترتبة على هذه المذكرة، إذ تُعدّ مذكرة القبض أول باكورة الإجراءات القانونية والقضائية المتخذة ضد جرائم القتل المستمرة والمتتابعة المرتكبة من الولايات المتحدة الامريكية ضد أبناء الشعب العراقي منذ عام 2003 ولغاية يومنا هذا، فضلاً عن أنَّ هذه المذكرة تحمل في طياتها العديد من الأبعاد الاستراتيجية، لعل من أهمها أنَّ الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته قد أصبح مجرماً بنظر القضاء العراقي وأبناء الشعب العراقي في آن واحد، وهو الأمر الذي يوجب على كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء وباقي دوائر الدولة والقطاع العام والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية أنْ تتعامل مع الرئيس الأمريكي على أنه مطلوباً للقضاء العراقي عن الجريمة المذكورة أعلاه.
ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب، بل يتعداه إلى وجوب قيام أعضاء الضبط القضائي[2] في العراق بإلقاء القبض على المتهم (دونالد ترامب) حال قدومه أو زيارته للأراضي العراقية أو القواعد العسكرية الامريكية (غير الشرعية) المقامة في العراق.
ونزولاً على ما تقدم يترتب على ذلك نتيجة تبعية مهمة ألا وهي تقويض طبيعة العلاقات الامريكية – العراقية في ظل نفاذ اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعلاقة الصداقة والتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية المصادق عليها من مجلس النواب العراقي بالقانون رقم (52) لسنة 2008[3]، ويتوجب على مجلس النواب العراقي مراجعة بنود ونصوص هذه الاتفاقية، وبالأخص في ظل امتناع الرئيس الأمريكي المتهم عن تقديم الاعتذار الرسمي لجمهورية العراق عن هذا الانتهاك الدستوري والقانوني نتيجة جريمة المطار.
أما بشأن الإجراءات التي يتوجب اتباعها بعد إصدار مذكرة القبض من قبل السلطات العراقية فهي متعددة ومتشعبة، إذ تتمثل في وجوب تعميم مذكرة القبض على جميع أعضاء الضبط القضائي، وإجراء صحة الصدور لها.
وفي الوقت ذاته فإنه يتوجب إرسالها الى وزارة الداخلية العراقية/ مديرية الشرطة العربية والدولية، لتتولى الأخيرة إحالتها الى المنظمة الدولية للشرطة الدولية (الانتربول) لغرض تنفيذها باعتبار العراق عضواً فيها منذ 27 سبتمبر 1967[4].
وبالرجوع إلى القانون الأساس للمنظمة الدولية للشرطة الدولية فإنه يتوجب استيفاء النواحي الشكلية والموضوعية من اجل اعتماد مذكرة القبض ووضعها في النشرة الحمراء للانتربول[5]، وفي حالة استيفاء هذه الإجراءات تجدر الإشارة إلى أنه لا يستطيع الإنتربول إلزام أجهزة إنفاذ القانون في أي بلد على اعتقال الشخص الذي صدرت بحقه نشرة حمراء، ويكمن السبب في ذلك في استقلال كل دولة عضو في تحديد القيمة القانونية التي يسبغها على النشرة الحمراء والسلطة الممنوحة لموظفي أجهزة إنفاذ القانون في إجراء الاعتقالات من عدمه.
كما أنه بإمكان الشرطة الدولية أنْ تمتنع عن وضع المتهم الصادر به مذكرة القبض في القائمة الحمراء، وذلك في حالة اقتناعها باستناد الطلب إلى اعتبارات غير قانونية وفقاً لأحكام المادة (3) من القانون الأساس للشرطة الدولية التي تنص على أنه (يحظر عل المنظمة حظراً باتاً أنْ تنشط أو تتـدخل في مسـائل أو شــــؤون ذات طــــابع سياســــي أو عسكري أو ديني أو عنصري).
ويشير الواقع العملي في العراق إلى وجود الآف مذكرات القبض التي قامت وزارة الداخلية العراقية برفعها إلى الانتربول والتي لم يصار الى تنفيذها لغاية يومنا هذا من جانب المنظمة، فضلاً عن قيام الانتربول برفع العديد من الأسماء الموضوعة في القائمة الحمراء من تلقاء نفسه دون الرجوع إلى السلطات العراقية المختصة على الرغم من صدور مذكرات قبض من المحاكم العراقية المختصة.
وبناء على ما تقدم فإنه على الرغم من صدور مذكرة القبض ضد المتهم (دونالد جون ترامب) فإنه من المتوقع أنْ تقوم المنظمة الدولية للشرطة الدولية بالامتناع عن تنفيذ هذه المذكرة، مستندة إلى الاعتبارات السياسية المزعومة، وعلى غرار ما فعلته مع الطلب المقدم من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران[6].
وفي الوقت ذاته فإنه ستقوم الولايات المتحدة الامريكية باتخاذ المزيد من الإجراءات والقرارات القانونية ضد المسؤولين العراقيين كردة فعل على مذكرة القبض المذكورة أعلاه، ولعل من بين أهم هذه القرارات فرض العقوبات الاقتصادية على مسؤولين عراقيين.
وإزاء ما تقدم فإننا نرى من جانبنا ضرورة اتباع الإجراءات القانونية التالية، وعدم الاكتفاء بمذكرة القبض أعلاه، والتي تتمثل بالآتي:
1- ندعو الرئيس الامريكي الجديد (جو بايدن) أو وزير خارجيته الجديد تقديم اعتذار رسمي لجمهورية العراق عن الجرائم التي ارتكبها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، والتي تشكل مخالفات صريحة للدستور العراقي، وانتهاكات واضحة لاتفاقية الاطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية.
2- في حالة عدم تقديم الاعتذار الرسمي فإننا نؤكد على ضرورة قيام وزارة الخارجية بإقامة الشكوى الدولية ضد الولايات المتحدة الامريكية عن انتهاك سيادة العراق وأمنه وفقاً للبند (4) من القرار النيابي الصادر في 5/1/2020، مع تشكيل فريق دولي يتولى المطالب بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي للحكومة العراقية ولذوي الشهداء عن جريمة المطار.
3- ضرورة قيام مجلس الوزراء أو رئيس الجمهورية وفق المادة (60/اولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 بإعداد مشروع قانون انضمام العراق إلى نظام روما الاساس للمحكمة الجنائية الدولية والقبول بولاية المحكمة، من أجل تحريك الدعوى الدولية عن جريمة المطار.
4- في حالة عدم ايفاء الحكومة بالمطلب السابق فإننا ندعو مجلس النواب العراقي الى تقديم مقترح قانون انضمام العراق إلى نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية في حالة امتناع الحكومة عن إرسال مشروع هذا القانون الى مجلس النواب.
5- نرى عدم اللجوء إلى الحلول الترقيعية المتمثلة بتعديل قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (12) لسنة 2005 وعدم مدّ الولاية القضائية لها لتشمل جريمة المطار، سيما وأنها جريمة دولية تنطبق احكامها مع جريمة العدوان التي تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ولمواجهة احتمالية عدم تنفيذ مذكرة القبض الصادرة من القضاء العراقي مستقبلاً.
الهوامش:
[1] – تنص المادة (406) من قانون العقوبات (1– يعاقب بالإعدام من قتل نفساً عمداً في احدى الحالات التالية:
أ – إذا كان القتل مع سبق الاصرار او الترصد.
ب – إذا حصل القتل باستعمال مادة سامة، او مفرقعة او متفجرة.
ج – إذا كان القتل لدافع دنيء أو مقابل أجر، أو إذا استعمل الجاني طرقاً وحشية في ارتكاب الفعل.
هـ – إذا وقع القتل على موظف أو مكلف بخدمة عامة اثناء تأدية وظيفته أو خدمته او بسبب ذلك.
و – إذا قصد الجاني قتل شخصين فأكثر فتم ذلك بفعل واحد.
ز – إذا اقترن القتل عمداً بجريمة أو أكثر من جرائم القتل عمداً أو الشروع فيه).
[2] – تنص المادة (39) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971 (أعضاء الضبط القضائي هم الأشخاص الآتي بيانهم في جهات اختصاصهم:
1– ضباط الشرطة ومأمورو المراكز والمفوضون.
2– مختار القرية والمحلة في التبليغ عن الجرائم وضبط المتهم وحفظ الأشخاص الذين تجب المحافظة عليهم.
3– مدير محطة السكك الحديدية ومعاونه ومأمور سير القطار والمسؤول عن إدارة الميناء البحري أو الجوي وربان السفينة أو الطائرة ومعاونه في الجرائم التي تقع فيها.
4– رئيس الدائرة أو المصلحة الحكومية أو المؤسسة الرسمية وشبه الرسمية الجرائم التي تقع فيها.
5– الأشخاص المكلفون بخدمة عامة الممنوحون سلطة التحري عن الجرائم واتخاذ الإجراءات بشأنها في حدود ما خولوا به بمقتضى القوانين الخاصة).
[3] – نشر هذا القانون في الوقائع العراقية بالعدد 4102 في 24/12/2008، وينص القسم الأول (مبادئ التعان) من ديباجة الاتفاقية على أنه (4.على الولايات المتحدة أنْ لا تستخدم أراضي ومياه وأجواء العراق منطلقاً أو ممراً لشن هجمات على بلدان أخرى وأن لا تطلب أو تسعى لأن يكون لها قواعد دائمة أو وجود عسكري دائم في العراق).
[4] – صدر قانون تصديق انضمام العراق الى منظمة الشرطة الجنائية الدولية رقم (204) لسنة 1975، اذ تنص المادة (1) منه (يصدق بهذا القانون، انضمام العراق إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية المعروفة باسم (الأنتربول) على أنْ لا يعتبر هذا الانضمام بأي حال من الأحوال اعترافاً بإسرائيل أو سبباً لإنشاء أي علاقات معها مما نص عليه دستور المنظمة). أما المادة (2) فتنص (ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، وينفذ اعتباراً من تاريخ قبول انضمام العراق في المنظمة المذكورة في 27 9 1967).
[5] – يقصد بالنشرة الحمراء بانها لا تعد عن كونها مجرد طلب مقدم إلى أجهزة إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم لتحديد مكان المجرم واعتقاله مؤقتاً في انتظار تسليمه أو اتخاذ إجراء قانوني مماثل. فلا توصف هذه النشرة بانها مذكرة توقيف دولية، وتحتوي هذه النشرة على نوعين أساسيين من المعلومات: 1- المعلومات اللازمة للتعرف إلى الشخص المطلوب، كالاسم، وتاريخ الولادة، والجنسية، والشعر، ولون العينين، والصور الفوتوغرافية، وبصمات الأصابع في حال توفرت. 2- المعلومات المتعلقة بالجريمة التي هو مطلوب لارتكابها، والتي تكون عادة جريمة قتل، أو اغتصاب، أو اعتداء جنسي على الأطفال، أو سطو مسلح، وينبغي أن تمتثل النشرات الحمراء للقانون الأساسي للإنتربول ونظامه.
[6] – تجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أنه سبق أنْ أصدر القضاء الإيراني بتاريخ 29/6/2020 مذكرة اعتقال بحق الرئيس الأميركي (دونالد ترامب)، وطالب الشرطة الدولية الإنتربول بالمساعدة في تنفيذ عملية القبض، غير أنَّ هذا الطلب جوبه بالرفض، بالاستناد إلى المادة (3) من القانون الأساس للشرطة الدولية، مما يعني أنَّ المنظمة اعتبرت هذه المذكرة عديمة الأثر، كونها مستندة إلى اعتبارات سياسية، خلافاً للواقع الذي يشير إلى أنَّ المذكرة استندت الى أسس قانونية تتمثل بارتكاب جريمة قتل عمدي ضد مواطنيها.