ابحاث ودراساتسلايدر
أزمة الهوية في المجتمعات المنقسمة
نزار محمد جودة
باحث في الفكر السياسي
لم تعد المجتمعات المعاصرة قائمة على أساس الترادف الإثني المعهود في بناء الدولة القومية المنتجة في إطار مقررات مؤتمر وستيفاليا سنة 1648م، بل أصبحت الدولة الحديثة اليوم قائمة على أساس مبدأ المواطنة المرتكزة على المساواة، والإقرار بمشروعية التنوع الثقافي، الديني، والتباين في مرجعياته الفكرية وتكويناته، مما أفضى لإنتاج الدولة المدنية القائمة على أساس المؤسساتية الهادفة إلى صياغة منظومة قيمية فكرية، وسياسية تهدف إلى وضع قواعد التفاهم والتعاون المشترك بين الجماعات المتعددة الإنتماء المنضوية تحت ظلال دولة المؤسسات والتي يطلق عليها دولة المواطنة المسؤولة عن إيجاد المناخ الملائم لتحقيق الإندماج للتنوعات المتعددة الثقافات کوحدة منسجمة الأدوار والوظائف في بنية الدولة.
وفي ضوء ذلك تتحد إشكالية الموضوع محل القراءة من الناحية العامة” “كيفية تحقيق الإندماج لتلك التنوعات الإثنية في بوتقة الدولة من جانب، وكيف يمكن للدولة التعامل مع المتغيرات المجتمعية للحد من التعارض بين المكونات المتعددة الثقافات الذي يمهد لإشكاليات التصادم الناشئ بسب تباين مرجعيات وأصول الجماعات الإثنية، لاسيما محدداتها الفكرية التي تشكل البوصلة لرسم حدود مساحة التواصل مع الآخر من عدمه، لتفادي الأزمات السياسية المنتجة بفعل ضبابية العقد الاجتماعي المؤسس لحركة الفعل السياسي (الدستور، الهوية) في العالم بشكل عام، والمنطقة العربية على نحو الخصوص؟”
وإذا ما كانت الهوية تعني “مجموعة من السمات والخصائص العامة التي تميز جماعة ما أو شعب، وتعطيه خصائص شخصية متميزة شريطة أن تعطي لأعضاء الجماعة الإحساس بالانتماء إلى كيان اجتماعي معين مما يجعلها تدين له بالولاء”.
اما الازمة تشير الى حالة اللا استقرار والوفاق بين جماعة ما، وعدم شعورها بالرضا والأمان المؤسس لولاء المجتمع السياسي بسبب غياب العدالة، مما ينتج حالة من الاغتراب عن المناخ الذي تعيش فيه الجماعة بسبب التناقض بين المنظومة القيمية للجماعة التي تؤكد ذاتها من جهة، والتوافق مع متطلبات وحاجات الجماعات الأخرى ضمن إطار التفاعل المتبادل بين الطرفين تجاه الأهداف المشتركة.
بمعنى أوضح أزمة الهوية مؤشر لحالة عدم الولاء تجاه المخاطر، او التحديات التي تواجه المجتمع من قبل جماعة معينة بسبب عدم الاعتراف بوجود هذه الجماعة أو تلك المترجم من خلال الاستبعاد السياسي وعدم جدية المشاركة الفاعلة في إدارة المرافق العامة على كافة الأصعدة وفق مقتضيات الانتماء المولد لشعور الولاء كونه من اهم اشتراطات الهوية.
وإذا ما كانت المجتمعات العربية تمثل نسيجاً متنوعاً متكاملاً من ناحية الانتماء الجغرافي والتماثل النسبي في اطار البنية الثقافية (الدين- العادات- التقاليد)، لم عجزت تلك المجتمعات عن انتاج هوية واضحة المعالم تحقق الاستقرار السياسي؟
- هل أن الاشكالية تتحدد وفق معطيات الدين والاسر التاريخي والتباين في الخلفيات والرؤى المتحكمة في الاستنباط لمعالجة التنوع وعلاقته بالوطن السياسي؟
- ماهي العلاقة بين الدين والعنف؟ وهل أن التنوع الإثني مكمن نشوء ظاهرة الحركات العنفية في المنطقة “الحالة المصرية”؟
- هل أن نزعات الاحتراب الداخلي بسبب التنوع المذهبي يمثل ثقافة مجتمع؟ ام حالة سياسية طارئة بفواعل خارجية “الحالة اللبنانية/ العراقية”؟
- ماهي طبيعة العلاقة بين الهوية وبرامج ومؤسسات التربية والتعليم “الحالة السعودية”؟
إن ازمة الهوية في المنطقة العربية تكمن في انعدام المنهج المعرفي الذي يحقق التوازن بين الخصوصية والعالمية في اطار الانفتاح على المنتج الحضاري للآخر على المستوى الداخلي بشكل يسهم في ايجاد اسس التفاهم بين الثقافات والأديان بشكل يوظف لإنتاج وحدة مجتمعية كوحدة هرمونية متسقة مع الوحدات المكونة لبنية الدولة ولإدارة الدولة وتأكيد حضورها على المستوى الدولي، وذلك يرجع الى اسباب عدة ابرزها:
- النشأة التاريخية للدولة العربية وانعدام الخبرة المؤسسية بفعل الأداء السلطوي لإنتاج مؤسسات داعمة لإيديولوجية السلطة.
- اعتماد آلية المظهرية المؤسساتية بفعل لوازم الشعبية السياسية لتلك الأنظمة والمنظمات والمحاور الدولية وفق نظرية الفاعل والقابل الذي يعد من لوازم الاستمرار في السلطة بالنسبة الماسكين بالسلطة.
- اعتماد الحداثة السياسية الغربية (العلمنة) في ادارة الدولة مما ولد حالة من تزايد التوتر والاحتقان للمكونات الاثنية بسبب الكبت وعدم السماح للأخر بممارسة منطلقاته الفكرية والعقائدية والثقافية بشكل أسس لعمق الأزمة بين الفرد والسلطة من جهة، وبين الفرد والمجتمع من جهة أخرى، مما اوجد مناخاً مناسباً لنشوء حالات التطرف والانقسام الداخلي المشرعن الذي ترجم من خلال مطالبات انفصالية.