ابحاث ودراساتسلايدر

جريمة مطار بغداد الدولي من المنظورين الدولي والوطني

(دراسة مقارنة بين قانون المحكمة الجنائية العليا العراقية وقانون المحكمة الجنائية الدولية)

الدكتور مصدق عادل

كلية القانون- جامعة بغداد

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

في الوقت الذي انتهينا فيه إلى أنَّ جريمة اغتيال قادة النصر في محيط مطار بغداد الدولي بسبب القصف الصاروخي الامريكي بالطائرات المسيرة بتاريخ 3/1/2020 تعد جريمة قتل عمدي معاقب عليها وفق المادة (406/1) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969، غير أنَّ هناك نزاع قانوني دائر حول مدى شمول هذه الجريمة بنطاق تطبيق القانون الوطني باعتبارها جريمة حرب وفقاً لقانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005، أم يصار الى تطبيق نصوص قانون المحكمة الجنائية الدولية؟

لئن تأملنا قانون المحكمة الجنائية العراقية رقم (10) لسنة 2005[1] نجد أنَّ المواد (11-14) منه حددت الجرائم الخاضعة لاختصاص المحكمة، والتي تتمثل بأربعة جرائم هي (جريمة الإبادة الجماعية) و(الجرائم ضد الإنسانية) و(جرائم الحرب) و(انتهاكات القوانين العراقية).

ومن امعان النظر في الأفعال المكونة للجرائم المذكورة أعلاه نجد أنَّ جريمة اغتيال قادة النصر ورفاقهم في محيط مطار بغداد الدولي يمكن تكييفها على أنها جريمة حرب، وفقاً لأحكام المادة (13) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا التي تنص (تعني جرائم الحرب لأغراض هذه القانون ما يأتي:

أولاً: خروقات جسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 اب 1949 وبالتحديد أي فعل من الأفعال المدرجة في أدناه المرتكبة ضد الأشخاص أو الممتلكات المحمية بموجب أحكام اتفاقية جنيف ذات العلاقة:

أ- القتل العمد).

وعلى الرغم مما تقدم غير أنَّه يلاحظ في الواقع العملي عدم إمكانية تطبيق التكييف القانوني المذكور أعلاه على جريمة المطار، على الرغم من النص الصريح في هذا القانون على خضوع جريمة الحرب لولاية المحكمة الجنائية العراقية العليا، وذلك لعدة أسباب يمكن إجمالها بالآتي:

1- إنَّ المادة (2) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا قد حددت النطاق الزمني لسريان ولاية المحكمة بمدة زمنية محددة، وذلك النص على أنه (ثانياً: تسري ولاية المحكمة على كل شخص طبيعي سواء أكان عراقياً أم غير عراقي مقيم في العراق ومتهم بارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد (11) ، (12) ، (13) ، (14) من هذا القانون والمرتكبة من تاريخ 17/7/1968 ولغاية 1/5/2003 في جمهورية العراق أو أي مكان آخر…).

2- إنَّ ممارسة المحكمة لولايتها محكوم بقاعدة الشرعية الجنائية (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)، فضلاً عن أنَّ القواعد العامة للقانون الجنائي تقضي بعدم جواز القياس في الأمور الجنائية المتعلقة بالتجريم.

وبناء على ما تقدم يمكن القول بعدم إمكانية اخضاع جريمة المطار لاختصاص المحكمة الجنائية العراقية العليا إلا بعد تعديل القانون رقم (10) لسنة 2005 من قبل مجلس النواب، وذلك بحذف النطاق الزمي المحدد للجرائم المرتكبة.

هذا من الناحية الوطنية، أما من الناحية الدولية فإنه بالرجوع إلى نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998 النافذ في 1 تموز 2002 [2]نجد أنَّ المادة (5) منه حددت الجرائم الخاضعة لاختصاصها بالنص على أنه (1-  يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره, وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية:

أ- جريمة الإبادة الجماعية.

ب- الجرائم ضد الإنسانية.

ج – جرائم الحرب.

د – جريمة العدوان).

وبتطبيق ذلك على جريمة اغتيال قادة النصر في محيط مطار بغداد الدولي فإنه يمكن القول أنها تعد جريمة حرب تنطبق عليها أحكام المادة (8) من قانون المحكمة الجنائية الدولية التي تنص على أنْ (1-يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب, ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم.

2-لغرض هذا النظام الأساسي تعني “جرائم الحرب” :

  • الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب / أغسطس 1949، أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص , أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة:
  • القتل العمد).

وفي الوقت ذاته فإنه ليس بإمكان الرئيس الأمريكي التحجج بالحصانة لغرض منع إثارة مسؤوليته الفردية والشخصية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وذلك لصراحة المــادة (27) من القانون التي تقر عدم الاعتداد بالصفة الرسمية بالنص على أنْ (1- يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية, وبوجه خاص فإنَّ الصفة الرسمية للشخص, سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً, لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي, كما أنها لا تشكل في حد ذاتها, سبباً لتخفيف العقوبة.

2- لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي, دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص).

وفضلاً عن ذلك فإنَّ المــادة (28) من القانون تعالج مسئولية القادة والرؤساء الآخرين المساهمين في جريمة المطار بالنص على أنه (بالإضافة إلى ما هو منصوص عليه في هذا النظام الأساسي من أسباب أخرى للمسئولية الجنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة:

1- يكون القائد العسكري أو الشخص القائم فعلاً بأعمال القائد العسكري مسئولاً مسئولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب قوات تخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين, أو تخضع لسلطته وسيطرته الفعليتين, حسب الحالة, نتيجة لعدم ممارسة القائد العسكري أو الشخص سيطرته على هذه القوات ممارسة سليمة.

2- فيما يتصل بعلاقة الرئيس والمرؤوس غير الوارد وصفها في الفقرة 1 , يسأل الرئيس جنائياً عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب مرؤوسين يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين نتيجة لعدم ممارسة سيطرته على هؤلاء المرؤوسين ممارسة سليمة.

ب‌-  إذا تعلقت الجرائم بأنشطة تندرج في إطار المسئولية والسيطرة الفعليتين للرئيس.

ج‌-  إذا لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة).

وبناءً على ما تقدم يمكن القول بتشابه الأحكام القانونية لجريمة المطار باعتبارها تشكل جريمة حرب وفق قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا أو قانون المحكمة الجنائية الدولية، وذلك لاقتباس غالبية الأحكام المتعلقة بهذه الجريمة من قبل المشرع العراقي.

وعلى الرغم مما تقدم غير أنه يلاحظ عدم إمكانية اخضاع جريمة المطار للاتهام والمحاكمة أمام المحكمة الجنائية العراقية العليا، وذلك لتحديد النطاق الزمني لسريان ولاية المحكمة.

وفي الوقت ذاته فانه ليس بالإمكان اخضاع هذه الجريمة لقانون المحكمة الجنائية الدولية، وذلك لعدم مصادقة وانضمام كل من جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية إلى نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998[3].

ويُلاحظ بهذا الصدد عدم سقوط الجرائم الدولية بالتقادم، إذ تنص المادة (29) من قانون المحكمة الجنائية الدولية على أنه (لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم أياً كانت أحكامه).

نخلص مما تقدم عدم وجود تعارض بين قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا وقانون المحكمة الجنائية الدولية، إذ إنَّ كليهما يعتبران جريمة المطار بأنها جريمة حرب، فضلاً عن عدم سقوط هذه الجرائم بالتقادم، وعلى الرغم من ذلك غير أنَّ الحكومة العراقية لم تلتزم بتحقيق مبدأ التكامل، والذي يتوجب معه على الدول الأعضاء ملزمة بإنجاز تشريع وطني يـُشرِّع التحقيقات والملاحقات في الجرائم الواقعة في اختصاص المحكمة.

وإزاء ما تقدم فإننا ندعو إلى اتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية الآتية:

1- ندعو مجلس النواب العراقي الى اعداد مقترح قانون انضمام جمهورية العراق الى قانون المحكمة الجنائية الدولية، وذلك من اجل منع تكرار انتهاك خرق السيادة وازهاق أرواح العراقيين من قبل القوات الامريكية على غرار جريمة المطار.

2- وفي حالة تعذر الانضمام ندعو مجلس النواب الى تعديل قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005 بالشكل الذي يسمح بمقاضاة جريمة مرتكبي المطار بإلغاء النطاق الزمني المحدد لسريان ولاية المحكمة وجعله شاملاً لجميع الأوقات والازمنة.

3- ندعو مجلس النواب الى التلويح بالرغبة في انهاء العمل باتفاقية الإطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون دائم بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية المصادق عليها بالقانون رقم (52) لسنة 2008، فضلاً عن ارسال اشعار انهاء العمل بالاتفاقية الى وزارة الخارجية العراقية لتتولى إرساله الى وزارة الخارجية الامريكية.

4- ندعو رئيس مجلس القضاء الى توجيه قاضي التحقيق إلى الإسراع في اصدار مذكرات القبض ضد مرتكبي جريمة المطار، وفي حالة وجود مبررات تستوجب التأخر في إصدار هذه المذكرات فإنه يتوجب أنْ يصار الى إصدار بيان يتضمن اطلاع الشعب وذوي الشهداء على النواقص الموجودة في القضية التحقيقية.

5- ندعو وزارة الخارجية الى الإسراع في تشكيل الفريق الدولي المكلف بإقامة الشكوى الدولية ضد الولايات المتحدة الامريكية لارتكابها جريمة المطار باعتبارها جريمة حرب وعدوان ومطالبتها بالتعويض عن انتهاكات السيادة العراقية وعن جريمة القتل لذوي الشهداء.

6- ندعو المفوضية العليا لحقوق الانسان إلى بذل الجهود الدولية لغرض تطبيق مفهوم العدوان وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3314 لسنة 1974 على جريمة المطار.

 

الهوامش:

[1] – نُشر هذا القانون في الوقائع العراقية بالعدد 4006 في 18/10/2005.

[2] –  أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار اعتماد النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية في روما بتاريخ 17 تموز 1998 بأغلبية 130 صوتاً مقابل 7 وامتناع 21 عن التصويت، وتمثلت الدول السبعة بـ(أمريكا، إسرائيل، الصين، العراق، قطر، ليبيا، اليمن)، ويبلغ عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة الجنائية الدولة (121) دولة حتى 1 يوليو/تموز 2015، واعتمد القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات من قبل جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في دورتها الأولى المنعقدة في نيويورك خلال الفترة من 3 إلى 10 أيلول/سبتمبر 2002.

[3] – تجدر الاشارة الى انه لا زالت العديد من الدول ترفض الاعتراف بولاية المحكمة وتمتنع عن التوقيع على نظام روما الأساس، ومنها الصين والهند والولايات المتحدة وروسيا لغاية يومنا هذا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق