ابحاث ودراساتسلايدر

موقف الدستور العراقي من جريمة اغتيال قادة النصر في محيط مطار بغداد

الدكتور مصدق عادل

كلية القانون – جامعة بغداد

مركز حمورابي للدراسات والبحوث الاستراتيجية

يُعدّ الدستور القانون الأساسي والأعلى في كل دولة، وتنبع أهميته من اعتباره الوثيقة التي يصار بموجبها تنظيم عمل السلطات العامة، فضلاً عن تكريس الحقوق والحريات لجميع المواطنين والأفراد وكفالة ممارستها.

وعلى الرغم مما تقدم غير أنَّ الواقع العملي يُشير إلى حصول العديد من الانتهاكات الدستورية الصريحة والضمنية، يستوي في ذلك ارتكابها من قبل السلطات العامة أو من قبل الدول الأجنبية، ولعل من أهمها انتهاك السيادة العراقية، وذلك بقيام القوات الامريكية بقصف محيط مطار بغداد الدولي بالعديد من الصواريخ التي تم اطلاقها من الطائرات المسيرة، والتي أدت الى استشهاد نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ورئيس الأركان القائد (أبو مهدي المهندس) وضيوفه ورفاقهم.

ونزولاً على ما تقدم فلئن تأملنا نصوص دستور جمهورية العراق نجد أنَّ أول الانتهاكات الدستورية من قبل القوات الأمريكية تتمثل بانتهاك السيادة العراقية، وذلك من خلال التحليق في الأجواء العراقية دون استحصال موافقة القائد العام للقوات المسلحة أو قيادة القوة الجوية العراقية، فضلاً عن الاسقاط العمدي للصواريخ الموجهة في محيط مطار بغداد ضد مسؤول حكومي رفيع يشغل منصب نائب رئيس الهيئة ورئيس الأركان، مما يشكل انتهاكاً لسيادة العراق على أراضيه وأجوائه.

وبهذا يمكن القول أنَّ الأفعال المذكورة تشكل مخالفة صريحة لنص المادة (1) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي تنص على أنْ (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة)، إذ إنَّ النص واضح وصريح في تمتع العراق بالسيادة الكاملة غير المنقوصة، ومن ثم فإنَّ قيام القوات العسكرية الامريكية باختراق الأجواء العراقية وقصف نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ورئيس الأركان يعد انتهاك صريحاً لهذه المادة.

فيما تتمثل ثاني المخالفات لجريمة الاغتيال في مخالفتها لأحكام المادة (5) من الدستور التي تنص على أنَّ (السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يُمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعِبر مؤسساته الدستورية)، لذا فإنَّ استخدام الولايات المتحدة الامريكية للقوة المسلحة في تنفيذ جرائم المطار يُدلل على انتهاك سيادة القانون وإحلال القوة محلها في العلاقات بين الدول، إذ يمكن تكييف هذه الجرائم وفق القانون الوطني بأنها جريمة قتل عمدي معاقب عليها وفق المادة (406) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969، وكذلك تُعد في الوقت ذاته جريمة (اعدام خارج القضاء) وفقاً للتقرير المقدم الى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة لسنة 2020، ناهيك عن مخالفة مبدأ سيادة الشعب الذي انصرفت إرادته الى انتخاب أعضاء مجلس النواب الذين قاموا بتشريع قانون هيئة الحشد الشعبي رقم (40) لسنة 2016 باعتبارهم ممثلين عن كل الشعب العراقي وفق المادة (49/اولاً) من الدستور وبدلالة المادة (61/اولاً) منه.

وعلى الرغم من هذا الانتهاك السافر للسيادة العراقية غير أنَّ مجلس النواب لم يستعمل الصلاحيات الدستورية الممنوحة له بتشريع القوانين وفق المادة (61/اولاً) من الدستور بإصدار قانون يجرم الاعتداءات الإرهابية للولايات المتحدة في العراق أو تمرير مشروع قانون مقاضاة الدول الداعمة للإرهاب كالولايات المتحدة الامريكية وعلى غرار (قانون جاستا الأمريكي)، كما لم يقم مجلس النواب في الوقت ذاته بتقديم اقتراح قانون يتضمن الغاء قانون تصديق اتفاقية الاطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية رقم (52) لسنة 2008[1] وذلك للانتهاكات العديدة للسيادة العراقية المرتكبة من قبل الولايات المتحدة الامريكية في العراق رغم مطالبة بعض النواب بذلك، وإنما تم تسويف هذا المطلب من قبل رئيس مجلس النواب، والاكتفاء بالتصويت على القرار النيابي بإخراج القوات الأجنبية من العراق في 5/1/2020 وبأغلبية 172 نائباً.

أما ثالث الانتهاكات الدستورية فيتمثل بمخالفة أحكام المادة (7) من الدستور التي تنص على أنه (أولاً: يحظر كل كيانٍ أو نهجٍ يتبنّى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير…)، إذ إنَّ جرائم مطار بغداد يمكن وصفها بأنها عمل ونهج إرهابي مرتكب من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وتنطبق عليها وصف الجريمة الإرهابية المجرمة وفق أحكام المادتين (2) و(4) من قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّ جريمة المطار تخالف المادة (7/ثانياً) من الدستور التي تنص على أنْ (تلتزم الدولة بمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله، وتعمل على حماية أراضيها من أنْ تكون مقراً أو ممراً أو ساحة لنشاطه)، وهو الأمر الذي فشلت معه الحكومة العراقية ممثلة بمجلس الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة في القيام بمهمة محاربة الإرهاب أو حماية الأراضي والأجواء العراقية من أنْ يكون ساحة للأنشطة الإرهابية الامريكية، كما هو الحال بالنسبة إلى جرائم المطار.

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب، بل نجد أنَّ المخالفة الدستورية الرابعة تتمثل بمخالفة المادة (8) من الدستور التي تنص على أنْ (يرعى العراق مبدأ حُسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية، ويُقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم التزاماته الدولية).

وبهذا يلاحظ أنه في الوقت الذي التزم فيه العراق باحترام الالتزامات الدولية التي توجب عليه حل النزاعات بالوسائل السلمية وليس باستخدام وسائل القوة، نجد بالمقابل أنَّ الولايات المتحدة الامريكية لم تلتزم بذلك، وإنما عمدت إلى قصف موكب قادة النصر في محيط مطار بغداد الدولي أمام انظار السلطات العامة والأجهزة الأمنية العراقية، فضلاً عن أنَّ الجريمة المذكورة تشكل تدخلاً في الشأن الداخلي العراقي، وتدلل هذه الجريمة على أنه في الوقت الذي يحترم فيه العراق الالتزامات الدولية المفروضة عليه بموجب نصوص ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الامريكية، نجد بالمقابل عدم احترام الولايات المتحدة لهذه الالتزامات الدولية، مما يشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (8) من الدستور، ناهيك عن إمكانية تحميل العراق المسؤولية الدولية عن جريمة قتل الضيوف التي ارتكبت على الأراضي العراقية دون اتخاذ الإجراءات الحكومية اللازمة لحمايتهم من الاستهداف الأمريكي.

وفضلاً عن ذلك فإنَّ جريمة المطار تشكل مخالفة للمادة (9/اولاً) من الدستور التي تنص على أنه (أولاً: أ- تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي)، إذ إنَّ جرائم المطار موجهة إلى هياة الحشد الشعبي التي تُعد جزءً من القوات المسلحة العراقية وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة وفقاً للبندين (اولاً) و(ثانياً/1) من المادة (1) من قانون هياة الحشد الشعبي رقم (40) لسنة 2016، وهو الأمر الذي يمكن معه القول بأنَّ جريمة مطار بغداد تُعد انتهاكاً أجنبياً موجهاً ضد القوات المسلحة العراقية بصورة عامة وهيئة الحشد الشعبي بصورة خاصة، فضلاً عن أنَّ هذه الجريمة قد تضمنت إهانة لمكونات الشعب العراقي الذي تتكون منه القوات المسلحة وفق المادة المذكورة أعلاه.

كما أنَّ جريمة المطار تتعارض مع المادة (13) من الدستور التي تنص (أولاً: يُعَدُّ هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزماً في أنحائه كافة، وبدون استثناء.

ثانياً: لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نصٍ يرد في دساتير الأقاليم، أو أي نص قانوني آخر يتعارض معه)، إذ إنَّ الأعلوية المقررة لنصوص الدستور تمنع أي دولة من الدول أو أي من السلطات العامة الوطنية انتهاكه، والقول بخلاف ذلك معناه تحلل العراق من احترام التزاماته الدولية المفروضة عليه وفق المادة (8) من الدستور.

وفضلاً عما تقدم فإنَّ الانتهاك الدستوري الخامس يتمثل بمخالفة المادة (15) من الدستور التي تنص على أنَّ (لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرار صادر من جهةٍ قضائيةٍ مُختصة).

وبهذا يتضح أنَّ جريمة المطار تشكل انتهاكاً صارخاً للحماية الدستورية المكفولة للحق في الحياة وفق النص الدستوري والمواثيق الدولية، يستوي في ذلك بالنسبة إلى القائد أبو مهدي المهندس أو ضيوفه أو رفاقهم.

أما المخالفة الدستورية الأخرى لجريمة المطار فتتمثل بمخالفة المادة (19/سادساً) من الدستور التي تنص على أنه (لكل فردٍ الحق في أنْ يعامل معاملة عادلة في الإجراءات القضائية والإدارية)، وهو الأمر الذي لم يتحقق في الواقع العملي، مما يعني أنَّ جريمة المطار تشكل صورة من صور عدم العدالة وعدم المساواة في الإجراءات القضائية بالنسبة لذوي الشهداء خلافاً لنص المادة أعلاه، والمادة (14) من الدستور التي اقرت بأنَّ (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز)، ففي الوقت الذي نجد فيه أنَّ الإجراءات التحقيقية الخاصة بارتكاب أي جريمة قتل لا تستغرق التحقيقات اللازمة سوى عدة أيام أو أسابيع لاستصدار مذكرات القبض ضد الجناة والفاعلين، نجد بالمقابل تأخر إجراءات إصدار مذكرات القبض من قبل قاضي التحقيق المختص ضد الجناة الذين اعترفوا بارتكاب هذه الجريمة.

كما تشكل جرائم المطار مخالفة صريحة للمادة (27) من الدستور التي تنص على أنَّ (أولاً: للأموال العامة حُرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن)، إذ إنَّ السيارات العائدة ملكيتها لهيئة الحشد الشعبي التي كانت تقل الشهداء وضيوفهم تُعد من المال العام، ومن ثم فإنَّ قصفها يشكل انتهاك لحرمة المال العام المحمية بموجب نصوص الدستور والقوانين النافذة.

فضلاً عن ذلك فإنَّ جرائم المطار تخالف المادة (29/اولاً) من الدستور التي تنص على أنْ (تكفل الدولة حماية الشيخوخة)، إذ إنَّ قادة النصر ينطبق عليهم الوصف المذكور، ومن ثم أخفقت الحكومة في توفير الحماية الأمنية والقانونية لهم، ناهيك عن مخالفة جريمة المطار للمادة (29/ثانياً) من الدستور التي تنص على (رابعاً: تُمنع كل أشكال العنف والتعسف في… المجتمع)، إذ يمكن تصنيف جريمة المطار على أنها عنف موجه ضد المجتمع العراقي من قبل القوات المسلحة الأمريكية.

وفضلاً عن ذلك فإنَّ المخالفة الدستورية الأخرى تتمثل في مخالفة المادة (37) من الدستور التي أقرت حرية الإنسان وكرامته مصونة، فضلاً عن وجوب تمكين المتضرر من المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقاً للقانون، وهو الأمر الذي لم يتحقق بالنسبة لجرائم المطار، إذ لم تقم الدولة العراقية ممثلة بوزارة الخارجية أو رئاسة الادعاء العام بتحريك الدعوى أو الشكوى الدولية للمطالبة بالتعويضات للحكومة العراقية عن جريمة اغتيال شهداء النصر، كما لم تقم بتوفير المساعدة القانونية لذوي الشهداء، من أجل الاقتصاص من الجناة وحصولهم على التعويض المادي والمعنوي عن الأضرار التي تسببت بها الولايات المتحدة الامريكية نتيجة قصف ذويهم، وهو الأمر الذي يتوجب القيام به.

كما أنَّ جرائم المطار تخالف المادة (44/اولاً) من الدستور التي كفلت (للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه)، إذ إنَّ مصادرة حرية التنقل المكفولة دستورياً، واستهداف الشهداء داخل حدود الأراضي العراقية وبالتحديد في محيط مطار بغداد يشكل انتهاك صريحاً لهذه الحرية.

أما بالنسبة إلى مجلس النواب العراقي، فنجد أنَّ جرائم المطار تشكل مخالفة صريحة للواجبات النيابية المفروضة على رئيس وأعضاء مجلس النواب وفق أحكام المادة (50) من الدستور التي تنص على أنْ (يؤدي عضو مجلس النواب اليمين الدستورية أمام المجلس، قبل أنْ يباشر عمله، بالصيغة الآتية: (أُقسم بالله العلي العظيم، أنْ أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية بتفانٍ وإخلاصٍ، وأن أُحافظ على استقلال العراق وسيادته، وأرعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وأنْ أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، وألتزم بتطبيق التشريعات بأمانةٍ وحيادٍ، والله على ما أقول شهيد)، وهو الأمر الذي لم يتحقق في الواقع العملي، إذ لم يقم مجلس النواب بالمحافظة على السيادة العراقية أو استقلال العراق أو السهر على سلامة أراضيه أو سمائه، كما لم يتم المحافظة من مجلس النواب على الحقوق والحريات ومنها الحق في الحياة بالنسبة إلى شهداء جريمة المطار.

وينطبق الحكم المذكور أعلاه بالنسبة إلى رئيس الجمهورية الذي انتهك المادة (67) من الدستور التي تنص على أنَّ (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور)، فضلاً عن مخالفة جريمة المطار للواجب المفروض على رئيس الجمهورية في المحافظة على استقلال العراق وسلامة أراضيه وفق المادة (71) من الدستور[2].

وينطبق الأمر ذاته بالنسبة إلى رئيس وأعضاء مجلس الوزراء الذين انتهكوا الواجبات الدستورية الملقاة على عاتقهم وفق أحكام المادتين (79) و(50) من الدستور[3]، فلم يقم وزير الخارجية ووزير العدل بتقديم الشكوى الدولية أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن كما يوجبه القرار النيابي الصادر في 5/1/2020، كما لم يصار إلى تبني مجلس الوزراء مشروع قانون انهاء العمل باتفاقية الاطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون دائم بين جمهورية العراق وبين الولايات المتحدة الامريكية لسنة 2008، على الرغم من انتهاك الولايات المتحدة للسيادة العراقية ولمبدأ المساواة والتكافؤ في السيادة بين الدول عند ارتكاب جريمة المطار وغيرها.

كما أنَّ جرائم المطار تشكل انتهاكاً دستورياً في مواجهة مجلس النواب ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء الذين تنصلوا عن ممارسة السلطات الحربية الممنوحة لهم وفق المادة (61/تاسعاً) من الدستور التي اختصت مجلس النواب بـ(أ- الموافقة على إعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية (الثُلثين)، بناءً على طلبٍ مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء)، فلم يقم كلُّ من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بتقديم طلب إعلان حالة الحرب أو حالة الطوارئ نتيجة هذه الجرائم، وهو الامر الذي يمكن معه القول بانتهاك نصوص الدستور وارتكاب جريمة الحنث في اليمين الدستورية.

فضلاً عن ذلك فإنَّ جريمة المطار قد كشفت لنا عن مخالفة صريحة للمادة (61/ثانياً وسابعاً وثامناً) من الدستور المتعلقة برقابة مجلس النواب على عمل مجلس الوزراء واستخدام وسائل السؤال والاستجواب وطرح موضوع عام للمناقشة وسحب الثقة نتيجة التلكؤ الحاصل في استكمال المجلس التحقيقي في جريمة الاغتيال، وعدم إرسال نتائج التحقيقات إلى مجلس النواب خلال (7) أيام كما يوجبه القرار النيابي، فضلاً عن عدم قيام الحكومة بتشكيل الفريق الدولي لإقامة الشكوى الدولية أو الشكوى الوطنية أمام المحاكم الامريكية.

ناهيك عن أنَّ جرائم المطار تنتهك أحكام المادة (78) من الدستور التي تنص (رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة)، إذ إنَّ عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية لحماية رئيس اركان هياة الحشد الشعبي الذي يشغل منصباً عسكرياً امنياً رفيعاً وضيوفه الذين يحملون رتباً عسكرية رفيعة تستوجب مساءلة رئيس مجلس الوزراء ومحاسبته عن هذا التقصير.

وفضلاً عن ذلك فإنَّ جريمة المطار تشكل انتهاكاً صريحاً لاستقلال القضاء المنصوص عليه في المادة (88) من الدستور التي تنص (القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة)، وكذلك مخالفة لأحكام المادة (19/اولاً) من الدستور[4]، إذ إنَّ التأخير الحاصل في تحقيق العدالة الجنائية وتطبيق الإجراءات القضائية التي ينتظرها ذوي الشهداء تعد مخالفة دستورية للاستقلال وسيادة القانون، فلا يوجد مبرر قانوني للتأخير الحاصل بشأن إصدار مذكرات القبض ضد الجناة الأصليين والمساهمين.

كما أنَّ المدد القانونية التي حددتها القوانين النافذة لغرض حسم الدعاوى من قبل المحاكم لم تلغَ أو تعدل، ومن ثم يتوجب على مجلس القضاء الأعلى الالتزام بهذه المدد وذلك بالاستناد الى المادة (130) من دستور جمهورية العراق التي تنص على انه (تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تُلغ أو تعدل وفقاً لأحكام هذا الدستور)، وهو الامر الذي يمكن معه القول بانتهاك مدة (4) أربعة أشهر المحددة لحسم التحقيق المنصوص عليها في قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم (669) لسنة 1987 وتعليمات السقوف الزمنية الخاصة بحسم الدعاوى في المحاكم رقم (4) لسنة 1987[5].

كما تخالف جرائم المطار أحكام المادة (109) من الدستور التي تنص (تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي)، وهو الأمر الذي لم تقم به السلطات الاتحادية الثلاثة.

فضلاً عن مخالفة جرائم المطار للدور الدستوري المناطة بالمفوضية العليا لحقوق الانسان المنصوص عليه في المادة (102) من الدستور التي تنص ( تعد المفوضية العليا لحقوق الانسان … هيئات مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب وتنظم اعمالها بقانون)[6].

كما أنَّ جرائم المطار تخالف أحكام المادة (110/اولاً) من الدستور التي تختص السلطات الاتحادية بالعديد من الاختصاصات الحصرية منها رسم السياسة الخارجية، اذ لم تقم الحكومة العراقية بمراجعة رسم السياسة الخارجية مع الولايات المتحدة الامريكية التي قامت بتنفيذ الجريمة، وكذلك مخالفة هذه الجريمة لأحكام المادة (110/ثانياً) من الدستور التي تتعلق بوضع سياسة الأمن الوطني وتنفيذها لتأمين حماية وضمان أمن حدود العراق، والدفاع عنه، وهو الأمر الذي لم يتحقق في مواجهة جريمة المطار أو الحد من وقوعها من قبل مجلس الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة.

كما لا تفوتنا الإشارة إلى أنَّ جريمة المطار تنتهك بعض الإشارات والمرجعيات الفلسفية التي يطبق عليها (الفكرة القانونية السائدة) أو (فلسفة الدستور) الواردة في ديباجة دستور جمهورية العراق لسنة 2005، ومنها ضرورة مواجهة الإرهاب الواردة في عبارة (لمْ يُثْنِنِا التكفيرُ والإرهابُ من أنَّ نَمْضِيَ قُدُماً لبناءِ دَوْلةِ القانونِ)، وكذلك عدم احترام قواعد القانون المنصوص عليها في عبارة (نَحنُ شَعْب العراقِ … عَقَدَنا العزمَ برجالنا ونِسائنا، وشُيوخنا وشبابنا، على احْتِرامِ قَوَاعدِ القَانُون، وَتحقيقِ العَدْلِ وَالمساواة، وَنبْذِ سِياسَةِ العُدوان…ونَزْعِ فَتِيلِ الإرهاب)، فضلاً عن انتهاك السيادة الواردة في عبارة (إنَّ الالتزامَ بهذا الدُسْتورِ يَحفَظُ للعراقِ اتحادَهُ الحُرَ شَعْبَاً وأرْضَاً وسَيادةً).

نخلص مما تقدم إلى أنَّ جريمة اغتيال قادة النصر على تنظيم داعش الإرهابي في محيط مطار بغداد الدولي قد كشف لنا عن انتهاكات دستورية عديدة من قبل الولايات المتحدة الامريكية، والتي تتمثل بعدم احترام الدستور العراقي، وعدم الاعتراف بالسيادة العراقية على أراضي العراق وسمائه وأجوائه، فضلاً عدم احترام الولايات المتحدة الامريكية والحكومة العراقية الالتزامات الدولية المفروضة بموجب نصوص الدستور العراقي وميثاق الأمم المتحدة واتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الامريكية.

ولا تقتصر الانتهاكات الدستورية على المستوى الدولي فحسب، بل تتعداه الى المستوى الوطني، إذ تم انتهاك الدستور العراقي من قبل السلطات العامة العراقية ممثلة بمجلس النواب ومجلس الوزراء ورئيس الجمهورية، كما يشكل سكوت السلطات المذكورة اعلاه أو عدم اتخاذها الإجراءات الدستورية أو القانونية جريمة الحنث في اليمين الدستورية والواجبات المفروضة بموجبها.

ويمكن القول أنَّ مجلس النواب قد فقد صفة الشرعية الدستورية اللازمة لممارسة مهامه، إذ تنصل المجلس عن القيام بالدور التمثيلي (باعتباره ممثل عن الشعب وحامي للحقوق والحريات)، كما لم يقم بالدور الرقابي الممنوح له (مساءلة رئيس مجلس الوزراء والوزراء عن عدم اتخاذ الإجراءات القانونية في جريمة المطار)، ناهيك عن التنصل عن الدور التشريعي المناط به (تشريع قانون انهاء الانسحاب الأجنبي من العراق).

وإزاء هذه الانتهاكات الدستورية فإننا ندعو إلى اتخاذ الإجراءات الدستورية الآتية:

1- إنَّ الشعب يعد مصدر السيادة، وطالما أنَّ السلطات العامة مجتمعة قد انتهكت الدستور، وارتكبت جريمة الحنث في اليمين الدستورية بعدم استكمال الإجراءات القانونية في جريمة المطار وغيرها لذا فإنها فقدت الشرعية الدستورية الشعبية، كونها لم تعد ممثلة عن الشعب في الدفاع عن حقوقه وحرياته، ويتوجب ان يصار إلى انتخابات نيابية مبكرة.

2- ندعو مجلس القضاء الأعلى العراقي إلى ممارسة الدور المنشود في تطبيق نصوص الدستور والقوانين النافذة في إصدار مذكرات القبض ضد الجناة في جرائم اغتيال قادة النصر في محيط مطار بغداد.ندعو مجلس القضاء الأعلى الى توجيه محكمة التحقيق المختصة بالالتزام بمدة (4) أشهر المحددة لحسم التحقيق في جريمة المطار باعتبارها من الجنايات وفقاً للتشريعات النافذة.

3-ندعو مجلس القضاء الأعلى الى توجيه محكمة التحقيق المختصة بالالتزام بمدة (4) أشهر المحددة لحسم التحقيق في جريمة المطار باعتبارها من الجنايات وفقاً للتشريعات النافذة.

4- ندعو مجلس النواب ومجلس الوزراء ورئيس الجمهورية الى تقديم (مشروع قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق)، وذلك من اجل المحافظة على السيادة العراقية وتجسيد النصوص الدستورية الى واقع عملي ملموس، وليس مجرد شعارات.

5- ندعو رئيس وأعضاء مجلس النواب إلى استكمال تشريع (مقترح قانون مقاضاة الدول الداعمة للإرهاب في العراق)، وذلك من أجل توفير الغطاء الدستوري والقانوني لمعاقبة كل من تسول له انتهاك حرمة السيادة العراقية (ارضاً وشعباً واجواءً) أو الاعتداء على حقوق العراقيين وحرياتهم من خارج العراق وداخله.

6- ندعو القائد العام للقوات المسلحة إلى ممارسة دوره المرسوم في الإشراف والمتابعة على تطبيق التشريعات والإجراءات القانونية باعتباره المسؤول التنفيذي الأول في الحكومة العراقية وفق المادة (78) من الدستور.

7- ندعو وزارة الخارجية وهيئة الحشد الشعبي إلى تدويل قضية جريمة المطار وتحويلها أمام المحاكم الدولية باعتبارها جريمة موجهة ضد العراق وسيادته وأمنه القومي.

8- ندعو المفوضية العليا المستقلة لحقوق الانسان الى ممارسة دورها المرسوم في الدستور والقانون رقم (53) لسنة 2008 في تقديم التقارير الى منظمة الأمم المتحدة عن انتهاكات حقوق الانسان في جريمة المطار، فضلاً عن نشر التقرير الذي اشارت اليه المادة (4) من القانون وتضمنيه انتهاكات حقوق الانسان في جريمة المطار كونها تصنف ضمن حالة ووضع حقوق الانسان في العراق لعام 2020.

 

الهوامش:

[1] – نشر هذا القانون في الوقائع العراقية بالعدد 4102 في 24/12/2008.

[2] – تنص المادة (71) من الدستور (يؤدي رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام مجلس النواب بالصيغة المنصوص عليها في المادة (50) من الدستور).

[3] – تنص المادة (79) من الدستور (يؤدي رئيس وأعضاء مجلس الوزراء اليمين الدستورية أمام مجلس النواب بالصيغة المنصوص عليها في المادة (50) من الدستور).

[4] – تنص المادة (19) من الدستور على أن (أولاً: القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون).

[5] – ينص قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) رقم (669) لسنة 1987 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 3165 في 31/8/1987 (1-تلتزم المحاكم المدنية والجزائية بحسم الدعاوى خلال السقوف الزمنية التي تحدد مدتها بالتعليمات إلا إذا كانت طبيعة الدعوى تتطلب اجراءات خاصة بها أو كان العائق في حسمها خلال المدة المحددة لها سببا لا دخل للمحكمة فيه على أنْ تذكر ذلك في محاضر الجلسات. 2- تنفيذاً للفقرة (1) يصدر وزير العدل تعليمات بالسقوف الزمنية التي تحدد لحسم أنواع الدعاوى وكل ما يقتضي لتسهيل تنفيذ أحكام هذا القرار على أنْ ينص فيها على ابتداء مدة السقف الزمني من تاريخ اكمال التبليغات في الدعاوى التي تحتاج إلى تبليغ المتداعين على تولي هيئة الاشراف العدلي متابعة التزام المحكمة بالسقف الزمني).

3- أ- تكون طلبات التأجيل المتكررة قرينة على ضعف حجة الخصم طالب التأجيل يمكن أنْ تعتمدها المحكمة عند اصدارها الحكم . ب- للقاضي الذي اجرى التحقيق في الواقعة وللمحكمة التي تنظر الدعوى المدنية او الجزائية في غرامة لا تقل عن مئة دينار ولا تزيد على الف دينار على كل موظف أو مكلف بخدمة عامة تسبب في تأخير حسم الدعوى لعدم قيامه بإجراءات التبليغ أو عدم استجابته لطلبات المحكمة واستيضاحاتها في المواعيد المحددة لها، ويكون هذا القرار باتاً، وتستحصل الغرامة المحكوم بها بالطرق التنفيذية، ولا يمنع ذلك من اتخاذ الاجراءات الانضباطية وفق القانون .

4- توجه وزارة العدل (مجلس القضاء حالياً) تنبيها إلى القاضي إذا خالف أحكام التعليمات فإذا كرر المخالفة تتخذ الاجراءات الانضباطية بحقه.

5- يعمل بهذا القرار بعد مرور ستين يوماً على نشره في الجريدة الرسمية).

كما تنص تعليمات السقوف الزمنية الخاصة بحسم الدعاوى في المحاكم رقم (4) لسنة 1987 المنشورة في الوقائع العراقية بالعدد 3181 في 21/12/1987 على أنه (يكون السقف الزمني الأقصى لإنجاز القضايا التحقيقية في محاكم التحقيق شهراً واحداً في المخالفات وشهرين في الجنح و(أربعة) أشهر في الجنايات اعتباراً من تاريخ تسجيل الإخبار فيها).

[6] – تنص المادة (3) من قانون المفوضية العليا لحقوق الانسان رقم (53) لسنة 2008 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4103 في 30/12/2008 على انه (تهدف المفوضية إلى:أولاً: ضمان حماية وتعزيز احترام حقوق الإنسان في العراق. ثانياً: حماية الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور وفي القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل العراق)، كما تنص المادة (4) من القانون (تتولى المفوضية المهام الاتية: سابعاً: تقديم التوصيات والمقترحات إلى اللجان المكلفة بإعداد التقارير التي تلتزم الدولة بتقديمها إلى منظمة الأمم المتحدة. ثامناً: تقديم تقرير سنوي إلى مجلس النواب متضمناً تقييماً عاماً عن حالة حقوق الإنسان في العراق ويتم نشره في وسائل الإعلام المختلفة).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق