تحليلات واراءسلايدر
التكييف القانوني لجرائم اغتيال قادة النصر في التشريع العراقي
الدكتور مصدق عادل
كلية القانون – جامعة بغداد
مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
في الوقت الذي كان فيه العراقيون يستقبلون السنة الميلادية الجديدة بالاحتفالات المعتادة، آملين العيش في عراق جديد آمن من براثن الاحتلال الأجنبي وأذنابهم بعد اعلان النصر المؤزر على تنظيم داعش الإرهابي في 10/1/2020 غير أنه تفاجأ الجميع في الساعات الأولى من يوم الجمعة المصادف 3/1/2020 بسماع دوي عدة انفجارات في محيط مطار بغداد الدولي، وما هي ساعات وانتشر خبر اغتيال القائد (جمال جعفر محمد) وضيفه ومرافقيهم[1]، وذلك بسبب قيام طائرتين أمريكيتين مسيرتين بقصف موكبهما بالصواريخ، واكتفى البيان الرسمي الأمريكي بالقول “بتوجيه من الرئيس اتخذ الجيش الأمريكي عملاً دفاعياً حاسماً، لحماية الأمريكيين في الخارج”.
ورغم بشاعة الجريمة المرتكبة وانتهاكها للسيادة العراقية المحمية بموجب المادة (1) من الدستور، غير أنه يصادف هذه الأيام مرور الذكرى السنوية الأولى على هذه الجريمة دون اتخاذ أي إجراءات قانونية رادعة.
ولعل من أهم المسائل التي يتوجب الوقوف عليها وتحليلها هي مسألة التكييف القانوني الصحيح لجريمة اغتيال قادة النصر ومرافقيهم في مطار بغداد الدولي.
فلئن تأملنا قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 نجد أنَّه يمكن تكييف جريمة المطار على أنها جريمة قتل عمدي تنطبق واحكام المادة (406) من القانون التي تنص (1– يعاقب بالإعدام من قتل نفساً عمداً في احدى الحالات التالية:
أ – اذا كان القتل مع سبق الاصرار او الترصد.
ب – اذا حصل القتل باستعمال مادة سامة، او مفرقعة او متفجرة.
ج – إذا كان القتل لدافع دنيء أو مقابل أجر، أو إذا استعمل الجاني طرقاً وحشية في ارتكاب الفعل.
هـ – إذا وقع القتل على موظف أو مكلف بخدمة عامة اثناء تأدية وظيفته أو خدمته او بسبب ذلك.
و – إذا قصد الجاني قتل شخصين فأكثر فتم ذلك بفعل واحد.
ز – إذا اقترن القتل عمداً بجريمة أو أكثر من جرائم القتل عمداً أو الشروع فيه).
وبهذا يمكن القول أنَّ اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد ورئيس الأركان فيها يعد جريمة قتل عمدي توافرت فيها عدة ظروف مشددة في وقت واحد، وهي (سبق الترصد) و(استعمال مادة متفجرة) و(دافع دنيء) و(وتوافر صفة المكلف بخدمة عامة) و(قتل عدة اشخاص).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه بالرجوع إلى قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005 فإنه يمكن تكييف جريمة المطار على أنها جريمة إرهابية تنطبق وأحكام المادة (2) من القانون التي تنص (تعد الأفعال الآتية من الافعال الارهابية:7- استخدام بدوافع إرهابية أجهزة متفجّرة أو حارقة مصممة لإزهاق الارواح وتمتلك القدرة على ذلك أو بث الرعب بين الناس أو عن طريق التفجير أو اطلاقة أو نشر أو زرع أو تفخيخ آليات أو اجسام أياً كان شكلها أو بتأثير المواد الكيماوية السامة او العوامل البايلوجية أو المواد المماثلة أو المواد المشعة أو التوكسنات).
وبهذا فإنَّ قتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي وضيفه ورفاقهم من قبل قوات الاحتلال الأمريكي يشكل جريمة إرهابية تنطبق وأحكام المادة (2) من قانون مكافحة الإرهاب، ومن ثم يتوجب تطبيق المادة (4) من القانون التي تنص (1- يعاقب بالاعدام كل من ارتكب – بصفته فاعلاً اصلياً أو شريك عمل أياً من الأعمال الارهابية الواردة بالمادة الثانية والثالثة من هذا القانون، يعاقب المحرض والمخطط والممول وكل من مكن الارهابيين من القيام بالجرائم الواردة في هذا القانون بعقوبة الفاعل الأصلي).
وعلى الرغم من جسامة الجرائم المرتكبة في محيط مطار بغداد الدولي، كونها قد وقعت على موظفين ومكلفين بخدمة عامة باعتبارهم من منتسبي القوات المسلحة العراقية وفقاً لأحكام المادة (1) من قانون هيئة الحشد الشعبي رقم (40) لسنة 2016[2]، غير انَّ الواقع العملي يشير إلى عدم استكمال نتائج التحقيق الإداري والجنائي لغاية يومنا هذا على الرغم من مرور سنة كاملة على ارتكاب الجريمة المذكورة، فضلاً عن عدم إصدار أي مذكرات قبض ضد قتلة الشهداء العراقيين والمحرضين عليه من قبل القضاء العراقي (قاضي التحقيق في المحكمة الجنائية المركزية) وفقاً لأحكام قانون العقوبات وقانون مكافحة الإرهاب، خلافاً لما هو عليه الحال بالنسبة إلى القضاء الإيراني الذي قام بالدور المطلوب منه في إصدار مذكرات القبض وتحقيق العدالة الجنائية لذوي الشهداء.
وحيث أنَّ التأخير غير المبرر في التعاطي مع الجريمة المذكورة واتخاذ القرارات الحاسمة بشأنها يُدلل على انتهاك حق كل فرد في الحياة الذي كفلته احكام المادة (15) من الدستور، فضلاً عن تعطيل نصوص قانون العقوبات وقانون مكافحة الإرهاب، لذا ندعو إلى اتخاذ الإجراءات الآتية:
1- ندعو مجلس القضاء الأعلى الاتحادي إلى حث قاضي التحقيق المختص بالتحقيق في الجريمة إلى ضرورة الإسراع في اصدار مذكرات القبض ضد الجناة الأصليين والمساهمين في الجريمة بصفة فاعلين اصليين وفقاً لأحكام المادة (406/1) من قانون العقوبات وبدلالة المواد (46) و(47) و(48) منه، إذ إنَّ السرعة في اتخاذ الإجراءات تحقق العدالة الجنائية الناجزة.
2- ندعو القائد العام للقوات المسلحة إلى إعلان نتائج المجلس التحقيقي الخاص بجريمة القتل العمدي لشهداء مطار بغداد الدولي على انظار الشعب العراقي، فضلاً عن ارساله إلى مجلس النواب الذي طالب الحكومة وفق القرار النيابي الصادر في 5/1/2020 بإجراء التحقيق الفوري والعاجل في ملابسات قضية مطار بغداد وارساله خلال (7) أيام.
3- ندعو وزارة الخارجية إلى تقديم الشكوى إلى الأمم المتحدة ومجلس الامن التي طالب بها مجلس النواب في قراره النيابي الصادر في 5/1/2020.
4- نطالب مجلس النواب بسؤال أو استجواب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الخارجية ووزير العدل عن الإجراءات القانونية المتخذة من قبلهم عن تشكيل الفريق الدولي المكلف بإقامة الشكوى أمام المحاكم الدولية ومحاكم الولايات المتحدة الامريكية وبيان أسباب التلكؤ الحاصل بهذا الشأن.
5- أما على المدى المتوسط فندعو مجلس النواب إلى تعديل قانون المحكمة الجنائية العليا بالشكل الذي يتضمن رفع الحظر الزمني المفروض على ولاية المحكمة (1969-2003) وشمول اختصاص المحكمة لجرائم مطار بغداد الدولي.
الهوامش:
[1] – تمثل الشهداء الضيوف بكل من الفريق (قاسم سليماني)، العميد (حسين جعفري نيا)، العقيد (شهرود مظفري نيا)، الرائد (هادي طارمي)، النقيب (وحيد زمانيان)، اما الشهداء العراقيون فهم كل من (محمد رضا الجابري)،(حسن عبد الهادي)، (محمد الشيباني)، (حيدر علي).
[2] – تنص المادة (1/ثانياً) من قانون هيأة الحشد الشعبي على انه (1- يكون الحشد الشعبي تشكيلاً عسكرياً مستقلاً وجزءً من القوات المسلحة العراقية ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة).