تحليلات واراءسلايدر

احتفالات رأس السنة الميلادية من وجهة نظر شرعية وقانونية

أعداد

م.م.علي فاضل أبراهيم

مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

يحتفل المكون المسيحي، في غالبية دول العالم بذكرى اعياد السنة الميلادية، وفقاً للتقويم الميلادي، ويرى أحد المؤرخين أن الكثير يعتقد بأن بداية العام ترتبط بشكل مباشر بميلاد المسيح، وأن يوم ميلاده هو بداية العام الجديد، ويؤكد أن رأس السنة الميلادية في جميع البلدان، تستخدم وفقاً للتقويم الجريجوري، نسبة الى البابا جريجوريوس الثالث، بابا روما في القرن السادس عشر، كما أن ميلاد المسيح مختلف عليه في كثير من الكنائس، وعلية أن بداية العام الميلادي الجديد لا يدل على مولد المسيح .

وبالعموم يحتفل العالم المسيحي، عشية رأس السنة الميلادية حتى باتت هذا الاعياد من قبيل الحقوق والحريات، واشار الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948، على (لكل انسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره)، واصحبت حرية العقيدة والحرية الدينية من المتسالم عليها في دساتير دول العالم، وفي العراق وقبل عام 2003، كان تنظيم المسائل الدينية واصدار الفتاوى الشرعية، مرتبط بقرار السلطة السياسية عبر وزارة الاوقاف والشؤون الدينية، إذ تعتبر الاداة الأساسية القابضة على المجال الديني، في حين انتهجت السياسة الجديدة بعد العام 2003، نموذجاً جديداً أقرّ بالاستقلالية الذاتية للمؤسسات الدينية وحقها في العمل بصورة مستقلة، وبصدور دستور جمهورية العراق لسنة 2005، فقد أشار الى أن العراق بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب ..، ونصت المادة (2/ثانياً) منه على (يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين، والايزيديين، والصابئة المندائيين)، وفي موضع آخر أشار الدستور بأن العراقيين متساوين أمام القانون، دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية ..، كذلك أجاز لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة، ويستنتج مما تقدم أن التمتع بالحقوق يكون لجميع العراقيين، ولا تمييز بين شخص وآخر أو طائفة وأخرى .

وانتهج المشرع العادي سياسة الاستقلال الذاتي للمؤسسات الدينية، بصدور قانون ديوان الوقف السني رقم (56) لسنة 2012، وقانون ديوان الوقف الشيعي رقم (57) لسنة 2012، وقانون ديوان اوقاف الديانات المسيحية والايزيدية والصابئة المندائية رقم (58) لسنة 2012، وبموجب هذه القوانين انتهى العمل بقانون وزارة الاوقاف والشؤون الدينية رقم (50) لسنة 1981، وترتبط دواوين الاوقاف بمجلس الوزراء، إذ نصت المادة (102/ثالثاً) من الدستور على أن (ترتبط دواوين الاوقاف بمجلس الوزراء)، إذ اعدّها الدستور جزءاً من الهيئات المستقلة الواردة في الفصل الرابع، من الباب الثالث المعنون ب(السلطات الاتحادية) .

وكان الهدف الأساس لإنشاء هذه الاوقاف هو منح حرية أكبر للمذاهب والاديان المتعددة، للتعبير عن هويتها ومعتقداتها، في حين أن هذا التحول ولّد صراعات جديدة داخل المكونات، فضلاً عن انقسام الطائفة الواحدة نفسها، إذ اشتدت المنافسة بين المكون الواحد، وهذا ما حصل للطائفة السنية، إذ ظهرت مرجعيات تدعي تمثيلها لابناء المكون السني كالمجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوى والافتاء، وهيئة كبار المسلمين، ودار الافتاء العراقية، التي تؤكد بأنها الموروث المتجدد لمنصب مفتي جمهورية العراق .

وفي ما يتعلق بالفتاوى الشرعية التي أصدرتها مرجعيات أهل السنة والجماعة، بخصوص احتفال المسلمين بأعياد رأس السنة الميلادية، سنوضحها تباعاً .

1- اصدرت دار الافتاء العراقية، فتوى تشير الى تحريم مشاركة المسلمين باحتفال رأس السنة الميلادية، بداعي مخالفتها لأحكام الشريعة الاسلامية، وأنها معقل الفسق والمعاصي، وتأييد للنصارى، وارجع الصميدعي مفتي الجمهورية، أساس تحريم الاحتفال بأعياد المسيحيين، الى ما قال أنه فتاوى لكبار رجال الدين ومنهم أبن القيم الذي يعتبر المشاركة في أعياد المسيحيين “شركاً بالله” .

2- اصدر المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والافتاء، فتواه التي تبرر بعدم استمرار التصارع الفكري بين المسلمين في جواز التهنئة لغير المسلمين برأس السنة الميلادية أو عدم جوازها، مؤكداً بأن المسيحيون اخواننا في الوطن والانسانية، ولا يعني ذلك موافقتهم في الاعتقاد او الذهاب الى كنائسهم، وأن التهنئة بالعام  الجديد هو من باب التوقيت الزماني الذي تستخدمه بلادنا في الحساب الفلكي …

3- أما الجامع الازهر في مصر، فأصدر فتواه المرقمة (4979)، في تاريخ 22/1/2020، بأن الاحتفال برأس السنة الميلادية المؤرخ بيوم ميلاد المسيح، بالجائز شرعاً، وذلك لاشتماله على مقاصد اجتماعية ودينية ووطنية، معتد بها شرعاً وعرفاً …..

اما المرجعية الدينية العليا، فأكد سماحة السيد علي السيستاني (حفظه الله)، في فتواه الشرعية المتعلقة باحتفالات رأس السنة الميلادية والمنشورة على الموقع (www.sistani.org)، بشرعية الاحتفال برأس السنة الميلادية من دون الترويج للفسق والفساد أو الترويج للثقافة الغربية، مؤكداً أنه لا يوجد أساس شرعي يحرم مثل هذه الامور، ونعتقد أن القاعدة العامة في الاشياء الاباحة مالم تكن مقيدة بالمنع والاجازة، كما أن الانفتاح على المقاصد الاجتماعية تكون بحوزة القوانين الوضعية الحاكمة، وهذا ما بينه سماحته في سلسة استفتاءات جسدت التقيد بالأحكام والقوانين الوضعية لأنها من تحكم السلوك العام للفرد والمجتمع .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق