تختلف الولايات المتحدة عمن سواها من الدول الاخرى بتنوع الاجناس والاديان والقوميات فيها، كون مواطنوها وردوا من دول مختلفة وسكنوا “الارض الجديدة” وكونوا ما يسمى بـ”الامة الامريكية”.
هذا التنوع القومي والعرقي والديني ربما كان سبباً من اسباب تطور امريكا كونها الارض التي اصبحت بوتقة لصهر هذا التنوع من ثقافات مختلفة وانتاج حضارة حملت عناوين هذه الثقافات وتاريخها.
هذا هو العنوان العام لامريكا التي نشأت قبل “500” سنة، والتي سكنت هذه الارض قبل ورود المهاجرين اليها قبائل اغلب الظن انهم عبروا جبال آلاسكا الثلجية واستوطنوا هناك ، ولهم فيها حضارات وشواهد ولغات واديان مختلفة.
صحيح ان اغلب الهجرات الاولى الى امريكا الشمالية جاءت من اوروبا الغربية “الجنس الابيض” لكن بتعاقب القرون لم تعد هناك قومية او دين او طائفة او جنس الا وسكن هذه الارض والذين وردوا القارة الجديدة حملوا معهم ثقافات شعوبهم واديانهم ايضا، خاصة وان العدد الاغلب من الامريكيين هاجروا بسبب الاضطهاد الديني او الحروب الطائفية المسيحية منها بالذات .
يقول المثل “المال يغطي العيوب”، ان الارض البكر و تنوع التضاريس والمناخ والثروات الطبيعية والبشرية، وسعة المساحة (9,5) مليون كم2 و البعد الجغرافي عن مناطق النزاع وفر فرصة للولايات المتحدة ان تكون اكثر اقتصادا في العالم والاكثر سطوة عسكرية بعد استيلائها على ميراث بريطانيا واوربا والدولة العثمانية الاستعماري.
بعد استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا عام 1776 تشكل اول حزب فيها وهو الديمقراطي عام 1828 اي بعد (52) سنة من الاستقلال وكان يسمى “الحزب الجمهوري الديمقراطي” واكثر مناصريه من جنوبي البلاد حيث التنوع العرقي والطائفي اما الحزب الثاني الذي ينازعه السلطة فهو الجمهوري والذي تاسس عام” 1854″، حيث بدأ مصلحاً ومعارضاً للعبودية ثم بدأ الميل الى اليمين ومناطق انصاره “ريف امريكا والجمهور الصامت والامريكان البيض والمسيح الانجيليين” وهؤلاء اغلبهم شمال البلاد.
عاشت الولايات صراعات كبيرة سواء مع المستعمر البريطاني او اسبانيا و فرنسا على ارضها، فضلاً عن الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب من عام (1861- 1865 ).
وكانت خسائرها تفوق خسائر امريكا في الحرب العالمية الاولى والثانية، وسبب الحرب هو رغبة الجنوب بالانفصال عن الشمال!!.
لم يكن البعد الديني غائبا على الانتخابات الامريكية في كل دوراتها لكن الذي جعل الاكثر تاثيرا في الدورات الاخيرة هو العامل الاقتصادي حيث وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وصعود الصين كدولة وكتلة اقتصادية موازية، و في منطقة مواجهة لامريكا في “المحيط الهادي ” وهروب المئات من الشركات الامريكية للعمل هناك لرخص الايدي العاملة و توفر شروط الاستثمار اضافة الى دخول النظام “الامبريالي” مرحلة “الشيخوخة الحضارية” وانعكس ذلك على الوضع الداخلي ، وما مجيء اوباما الى الرئاسة الامريكية، الا احد تجلياته لانها المرة الاولى التي يدخل البيت الابيض رئيس أسمر.!
احس مناصرو الحزب الجمهوري من “الجنس الابيض “الذي يشكل 72% من السكان بالخطر وهم يرون هذا الزنجي -اوباما -رئيسا عليهم ومثله العشرات من الشخصيات بلونه في مناصب مرموقة بالدولة، فراحوا يحرضون جنسهم الابيض لاعادة انتاج العنصرية من جديد واستخدام الدين كوسيلة فاعلة في ذلك باعتبار ان المسيحية هي ديانة الاغلب من البيض سواء كانوا بروتستانت ام كاثوليك الى درجة بات العنوان “هل سيكون المسيح مفتاح الفوز بالانتخابات الامريكية؟”، وبات اي مرشح للرئاسة يضع “الدين” في قلب رسائل حملته الانتخابية!!.
استطاع ترامب باعتباره المرشح عن الحزب الجمهوري ان يحصل على اصوات 87% من المسيح الكاثوليك والبروتستانت والانجيليين البيض في الانتخابات السابقة ورغم انه لم يفز على مرشحة الديمقراطي “هيلاري كلينتون” عن طريق الانتخابات الشعبية لكن جاء فوزه عن طريق “المجمع الانتخابي”.!
اما هيلاري كلينتون فقد اعتمدت الفئات الدينية والعرقية الاخرى من البروتستانت السود والكاثوليك من اصول لاتينية واليهود والمسلمين والهندوس والبوذية وغيرهم.
ترامب في دورته الرئاسية السابقة والحالية كان واضحاً في عدائه لغير المسيحيين ( الملونين)عموما، وخطابه بات صريحاً، وعندما هزئ من الملك السعودي عبد الله فكانت رسالته للمسيح من الناخبين، كون السعودية تمثل عنواناً للمسلمين، مثلما هزئ من عضوة الكونجرس المسلمة “الهان عمر” وقال عنها في تغريدته “خارجة عن السيطرة”، فتعرضت الى التهديد بعد ذلك كما حاول ان يذكر الشعب الامريكي بان “الهان” وراء هجمات “11 ايلول” واتهمها بانها متزوجة من اخيها زورا وبهتانا، وما حدث مع “الهان” حدث مع عضوات الكونغرس الثلاث الاخريات، لكن السؤال: كيف صعدت هؤلاء العضوات الى الكونغرس؟ والسؤال الاخر: اذا راهن الحزب الجمهوري على النوع الديني من المسيحيين فمن للاخرين؟، وهل هو رئيس الولايات المتحدة جميعها ام لولايات بعينها؟، هذا الامر ضمن فيه ترامب اصوات “نوع ديني” معين ولون وجنس بعينه ،لكنه صنع الكراهية في اوساط شعبية وجعل الاستبيانات والدراسات تترى لتؤكد ان امريكا ذاهبة الى التقسيم من جديد بين الشمال والجنوب.
ترامب يرى الجنوب “الملون الفقير” بات يشكل ثقلاً مالياً ونوعا بشريا غير قابل للانسجام، وان الهجرات الواسعة وغزارة الولادات بين الملونين واللاتينيين (من اصول المكسيك وامريكا الجنوبية) لابد من فصلهم لانهم اذا استمروا كجزء من الشعب الامريكي سيهيمنون على السلطة لاحقا.
الحزب الجمهوري لم يعترض على منهج ترامب وانصارهم استعدوا لكل الاحتمالات، ومنها “الحرب الاهلية” بعد ان تزودوا باسلحة متطورة يساعدهم في ذلك ان حيازة الاسلحة في الولايات المتحدة اسهل من حيازة حليب الاطفال! بالمقابل فان الولايات “الديمقراطية” تحصنت للدفاع عن وجودها.
خلال الفترة الاخيرة بدأ موضوع الاديان يشغل امريكا ومفكريها لدرجة ان الاستبيانات تتلاحق والكتب تظهر، فالباحثة الامريكية “ديانا ل. ايك” فصلت هذا الموضوع كثيراً في كتابها “امريكا المتدينة الجديدة” محذرة من الكيفية التي اصبحت بها امريكا “المسيحية” الى بامريكا الاكثر تنوعاً دينياً في العالم، وهو كتاب جدير بالقراءة لانه موضوعي وميداني ويبرز التعصب بامريكا.
ليس مهماً من يفوز بالانتخابات الامريكية التي ستجري بعد ايام سواء “الديمقراطي” ام “الجمهوري” لكن الاهم ان نزاعاً ينشأ ليس بين شخصيتين سياسيتين بل سيذهب الى نزاع بين صنفين من الشعب، ويبدو ان كلا المرشحين لايقبلان النتائج والطعون حاضرة!!.
لا شك ان لليهود دور بالانتخابات الامريكية فهم يشكلون نسبة “1،5” الى “2%” من الناخبين ولكنهم “كتلة مضمونة”، فجميع الناخبين يشاركون بالانتخابات فيما غالبا يعزف على الانتخابات نصف الناخبين الاميركان ، وهم يستغلون ذلك و لا يميلون الى الحزب الجمهوري، رغم ما قدمه لهم ترامب من اغراءات فهم يرون امريكا ( كتل صغيرة) افضل من كتلة كبيرة تفوق جنس على جنس حتى يسهل التحكم بالساحة.
ان ضغط “التعصب “وفر فرصة ظهور مصطلح “اليسار السياسي” الذي بدأ ذو الاصول المكسيكية والامريكية اللاتينية يتداولونه في ادبياتهم وهو سمة القارة اللاتينية، والسؤال : هل اصبحت امريكا رهينة “المحافظين الجدد” على عهد الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن او رهينة “اللوبي اليهودي” مع تهميش كلي لوزن “لوبيات مالية” واقتصادية وعسكرية ايضا وبروز التعددية الدينية؟.الجميع ينتظر !!