تحليلات واراءسلايدر
تحديد عدد الدوائر الانتخابية أم تقسيمها
حسين الحاج حمد
متخصص في القانون الدستوري
تعد الدوائر الانتخابية أحد الأركان التي يقوم عليها النظام الانتخابي، ولا يمكن الحكم على الأخير من دون بحث مسألة الدوائر الانتخابية وكيفية تحديدها.
وفي البدء يتعين لغرض تحديد الدوائر الانتخابية أصلا عاما وضع معيار واحد من جهة، وواضح من جهة أخرى، لغرض تقرير المساواة بين الدوائر الانتخابية قدر الإمكان، ويقتضي الأمر وضع قواعد محددة تحكم عملية التقسيم يمكن معرفتها مسبقا، والتأكد من مدى تطبيقها على أرض الواقع.
ولعلنا لا نغالي في هذا التأكيد نظرا لأهمية الدوائر الانتخابية وانعكاساتها في نتائج الانتخابات، وتكوين السلطة التشريعية.
ومن المبادئ التي تقوم عليها عملية تحديد الدوائر الانتخابية العدالة النسبية في التقسيم وضرورة حصول تمثيل حقيقي للناخبين في مختلف الدوائر.
وفي ظل الجدل الحاصل بين أغلب الجهات حول تحديد الدوائر الانتخابية وتصويت مجلس النواب على تغيير النظام الانتخابي من التصويت بالقائمة إلى التصويت الفردي، ومن نظام “سانت ليغو” إلى نظام الأغلبية، وتبني المجلس مقترح اللجنة القانونية القاضي بتقسيم كل محافظة إلى عدد من الدوائر الانتخابية يماثل عدد المقاعد المخصصة للنساء في تلك المحافظة، طبقا لنظام (كوتا) النساء المقرر دستوريا، اقتضى الأمر الوقوف على المعيار الذي حدده مجلس النواب ومدى الاتفاق معه.
وما يمكن قوله هنا هو انفراد المشرع العراقي في تبني هذا المعيار – بحسب ما أطلعنا عليه – كون أن أغلب الدول تأخذ بأحد المعايير الآتية لغرض تحديد الدوائر الانتخابية: المساواة في عدد السكان، اعتماد الحدود الإدارية، احترام الحدود الطبيعية والخصائص الجغرافية، والمساحة الجغرافية، وكذلك المجتمعات ذات المصالح المشتركة.
وعلى الرغم من أن هذه المعايير هي لتحديد الدوائر الانتخابية بشكل مباشر، وبيان عددها بشكل غير مباشر، فإن ما وضعه المشرع العراقي هو لتحديد عدد الدوائر الانتخابية فحسب، من دون تحديدها بشكل واضح كما سيتضح لاحقا.
وإذا ما أردنا أن نجد أساسا لهذا المعيار، فإن ما يحسب لمجلس النواب أنه اعتمد على أساس دستوري، حيث نجده استعار من نص المادة (49/خامسا) التي نصت على أن “يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل النساء لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب” معيارا لغرض تحديد الدوائر الانتخابية، وإذا كان النص الدستوري أعلاه يقف عند حد تقرير (كوتا) النساء فقط، وليس فيه دلالات أخرى بشأن الدوائر الانتخابية، إلا أن المجلس قد ارتكز عليه في تحديد عدد الدوائر الانتخابية، وهو أمر لا إشكال فيه، وليس هنالك مانع يحول دون تبنيه، بل على العكس يحسب له أنه تبنى معيارا يجد له أساسا دستوريا استنبطه بشكل غير مباشر.
سبق لنا القول إن من مبادئ تحديد الدوائر الانتخابية هي العدالة النسبية في التقسيم واعتماد معيار واحد – قدر الإمكان – وواضح لهذا الغرض، وإذا رجعنا للمعيار الذي تبناه مجلس النواب وجدناه محققا لهذين الأمرين: الوحدة والوضوح، مما يعزز العدالة النسبية في عملية تحديد عدد الدوائر الانتخابية.
حيث إن (كوتا) النساء هو معيار واحد يطبق في جميع المحافظات نتيجة للنص الدستوري الذي قضى بوجوب تمثيل النساء بنسبة لا تقل عن ربع عدد أعضاء مجلس النواب، مما يعني ضرورة تطبيق (الكوتا) في كل المحافظات، ولا تستثنى من ذلك أية محافظة هذا من جانب، وإن آلية تحديد (كوتا) النساء تتسم بالوضوح، نظرا لتحديدها دستوريا بالربع كحد أدنى، مما يعني أن يكون بعد كل ثلاثة مقاعد مقعدا خاصا بالنساء، ومن ذلك يتضح عدد مقاعد النساء وفقا لهذه العملية الحسابية البسيطة، الأمر الذي يحقق صفة الوضوح من جهة أخرى.
وعملية تحديد عدد الدوائر الانتخابية على (كوتا) النساء لا يستلزم عملية توزيع المقاعد، وبيان من يفزن بمقاعد النساء، وإنما يقتصر الأمر على معرفة عدد تلك المقاعد فقط لغرض تحديد عدد الدوائر الانتخابية على ضوئها.
وعلى الرغم مما تقدم من إيجابية يتصف بها المعيار الذي تبناه مجلس النواب، إلا أنه لا يخلو من السلبيات التي يمكن أن توجد فيه وما يترتب عليه.
وإذا كان وضع معيار لتحديد عدد الدوائر الانتخابية لا يخلو من أهمية إلا أنه لا يعطيه أفضلية على معيار تقسيم الدوائر ذاتها، إذ إن العملية بأصلها الطبيعي تقتضي وضع معيار لتحديد الدوائر، وبتطبيق ذلك المعيار يمكن معرفة حدود الدوائر وعددها.
أي بمعنى أن العدد هو تحصيل حاصل لتطبيق معيار التقسيم، ولذلك فإن ما يحظى بالأهمية الفائقة هنا هو معيار تقسيم الدوائر وليس تحديد عددها، بل إن تطبيق الأول يحدد الأمر الثاني بشكل تلقائي.
وهنا يمكن القول إن مجلس النواب قد أجهد نفسه في أمر ليس أكثر أهمية من معيار تحديد الدوائر الانتخابية ذاتها، مما أوقعه في مفارقة تمثلت بوضعه معيار تحديد العدد وجعل التقسيم تابع لذلك، في حين أن الأمور على العكس من ذلك تستلزم تحديد الدوائر الانتخابية أولا ومن ثم بيان عددها.
زيادة على ذلك فإن هذه العملية العكسية ستوصلنا إلى صعوبات نحن في غنى عنها، نظرا لتفاوت عدد الدوائر بين المحافظات تبعا لعدد (كوتا) النساء في كل منها، مما يجعلنا إزاء معايير متعددة لغرض وضع ذلك العدد في مناطق وإداريات واضحة المعالم.
أي بمعنى أن عملية تحويل العدد الحاصل من (كوتا) النساء إلى مناطق محددة سوف ينحى مناحٍ متعددة من حيث المعايير اللازمة لذلك، وهذا ما يخالف مبدأ العدالة النسبية في تقسيم الدوائر الانتخابية.
فعلى سبيل المثال نجد أن محافظة ذي قار لها (19) مقعدا في مجلس النواب، وأن عدد مقاعد النساء فيها هو (5) وتبعا لذلك فإن عدد الدوائر الانتخابية في ذي قار هو (5).
وهذا العدد من الممكن أن يتلاءم مع اعتماد معيار القضاء كجهة إدارية لغرض معرفة الدوائر الانتخابية، على اعتبار أن محافظة ذي قار مكونة من خمسة أقضية قبل الاستحداثات الأخيرة للأقضية، لذلك يمكن أن يكون كل قضاء دائرة انتخابية قائمة بذاتها.
إلا أن هذا الأمر قد لا يستقيم – بل من المؤكد – مع محافظات أخرى مما يستلزم وجود معيار آخر غير معيار القضاء (المعيار الإداري) لغرض تحديد الدوائر الانتخابية، نظرا للتفاوت الحاصل في أغلب المحافظات بين عدد أقضيتها وعدد الدوائر الانتخابية المحددة لها في ضوء (كوتا) النساء، سواء زيادة أو نقصانا، والجدول في أدناه يبين ذلك لبعض المحافظات.
المحافظة |
عدد الأقضية التابعة لها | عدد الدوائر الانتخابية المخصصة لها |
بغداد |
8 |
17 |
نينوى |
9 |
8 |
البصرة |
7 |
6 |
أربيل |
5 |
4 |
ميسان |
6 |
3 |
صلاح الدين |
7 |
3 |
المثنى | 5 |
2 |
وإزاء هذا التفاوت يتعذر تطبيق معيار القضاء لتحديد الدوائر الانتخابية مما يستلزم اللجوء إلى معيار آخر، الأمر الذي يخل بمبدأ المساواة في تقسيم الدوائر.
وقد نصل إلى نتيجة مؤداها أن لكل محافظة معيارا خاصا بها لغرض تحديد دوائرها الانتخابية قد يختلف مع بقية المحافظات.
ولذلك فإن التصويت على معيار تحديد عدد الدوائر الانتخابية وترك معيار تقسيمها – الذي لم يحدد لغاية الآن – كمن يترك الأصل ويتمسك بالفرع؛ لأن المعيار الأول لا يؤدي إلى تقسيم الدوائر الانتخابية، أو بتعبير مغاير إن تحديد عدد الدوائر لا يستلزم بالضرورة معرفة حدود كل دائرة انتخابية على حدة من دون معيار آخر.
وإذا كنا بصدد تحديد الدوائر الانتخابية فإننا نؤيد اعتماد الحدود الإدارية لكل قضاء يبلغ عدد سكانه (100,000) نسمة أو أكثر، وعده دائرة انتخابية، يُعرف منها ناخبو تلك الدائرة ومرشحوها، مع دمج الأقضية التي يقل عدد نفوسه عن هذا التحديد فيما بينها، أو أقرب قضاء لها إذا لم يوجد قضاء آخر تقل نفوسه عن (100,000) نسمة.
وهذا المعيار يمكن أن يطبق على جميع المحافظات العراقية، إلا أن الأمر يستدعي الاستعانة بمعيار آخر هو المصالح المشتركة لفئات معينة، أو الارتباط الديني أو القومي لبعض الأقليات، من أجل إيجاد تمثيل حقيقي لهذه الفئات يتناسب مع حجمها وخصوصيتها، ومن الممكن أن يكون العراق دائرة انتخابية واحدة لهذه الفئات.